ضرورة الميثاق الوطني للسوريين في أمريكا وملامح خارطة الطريق
اعتقد السوريون أن سقوط نظام الأسد كان وشيكاً، بعد قيام الثورة السورية عام 2011، لذلك أجلوا قضايا كانت ضرورية وعلى رأسها وضع تصورهم لسورية المستقبل، عبر وضع ميثاق وطني جامع. استغل نظام الأسد ضعف المجتمع السوري وقواه المدنية والسياسية لتمرير مشروع تقسيم المجتمع السوري، لكي يُضعِف القوى الثورية ويخلق فراغاً سياسياً تملؤه القوى الظلامية، وأدى كل من إدعاء النظام السوري الكاذب منذ اليوم الأول لانطلاق الثورة السورية، أن الثورة تُحركها القوى الجهادية الإرهابية، والعنف المفرط الذي واجه به النظام المتظاهرين السلميين، إلى تقوية وزن هذه القوى الجهادية في مواجهة القوى المدنية والسلمية، وفتح الباب لهذه الحركات نفسها لتملأ الفراغ السياسي في مواجهة الثورة.
عمل نظام الأسد على تقوية وزن هذه الحركات الجهادية الارهابية، عبر إفراغ الساحة السياسية لهم، والإفراج عن قياداتهم من سجن صيدنايا، وجعلها وسيلة لشيطنة الثورة، مما أدى إلى انفضاض شرائح واسعة من الشعب السوري عن الثورة، وَوُضعَ السوريون أمام خيارين أحلاهما مر، إما الوقوع ضحايا للحركات الجهادية الظلامية، أو البقاء تحت سيطرة نظام يمعن في قمعهم وإذلالهم.
لم تستطع الهيئات المعارضة السورية تحت وقع القمع الممنهج من قبل النظام، وتحت ضغط المأساة الإنسانية التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، أن تستجمع قواها لتتدارك نقص وضع ميثاق وطني، وكذلك نفي القوى الثورية والقيادات المعارضة خارج سورية أضعف وزنها السياسي وجعلها عرضة لتحكم الدول المضيفة وتقليص قدرتها على العمل الثوري والتأثير على قراراتها.
في نفس الوقت الذي فقدت فيه القوى الثورية وزنها السياسي وساحة عملها داخل وطنها، انخرطت الجالية السورية الأمريكية في العمل الإغاثي والدولي، من أجل نصرة الشعب السوري، وحققت نجاحات باهرة على صعيد الإغاثة الإنسانية، ومحاصرة النظام دولياً.
أصبح لدى الجالية السورية الأمريكية القدرة على استثمار عملها الإغاثي والإنساني بحرفية عالية بفضل قدرتها على الحركة ووجودها في أعرق وأقدم ديمقراطية، وبفضل إمكاناتها المالية وخبرتها السياسية والدستورية المتراكمة، وهذا ما فسح للجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية، الفرصة أن تتدارك ولو جزءاً بسيطاً مما لم تستطع القوى الثورية أن تنجزه وأن تتحد لوضع ميثاق وطني.
لذلك تنادت مجموعة من السوريين الأمريكيين بعد مشاورات طويلة مع قوى ثورية في الداخل السوري وفي دول اللجوء، لعقد مؤتمر وطني أول لوضع ميثاق وطني في 9-10 أيلول 2022، و ليكون الخطوة الأولى نحو مؤتمر وطني جامع لكل السوريين.
يُجمع منظو المؤتمر أن عقد هكذا مؤتمر وطني عام، يتطلب أن يكون هناك تحضيراً عبرعقد مؤتمرات فرعية في القرى والبلدات والأحياء و بلاد اللجوء، وحيث ما يتسنى للمنظمين أن يكونوا، وكذلك يدرك المنظمون أنه ليس بالإمكان القفز إلى مؤتمر وطني عام، دون أن يكون هناك حوار سياسي وتحضير نضالي طويل الأمد ووثيقة مبادئ وطنية، تبين للسوريين أولاً ولكل العالم، شكل سورية القادم.
يأمل المنظمون أن يكون هذا المؤتمر خطوة أولى تحضيرية للمؤتمر الوطني العام، وأن يعيد الشرعية للمعارضة السورية أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي.
لم يكن هناك خلاف على ثمانية نقاط في الميثاق الوطني، بينما أُثيرت بعض التساؤلات حول نقطتين مهمتين: الأولى إشكالية تَجَنَّبت كل القوى الثورية والمؤتمرات السابقة مواجهتها، واستغلها نظام الأسد لتقسم السوريين إلى طوائف، وهي مسألة علاقة الدولة بالدين.
فميثاقنا ينادي باستقلال مؤسسات الدولة عن مؤسسات الدين، لحماية المؤسسة الدينية أولاً، وللتأكيد على أن الدولة السورية القادمة تتعامل مع مواطنيها بمساواة تامة، بغض النظر عن دينهم، لكي يشعر جميع السوريين أنهم مواطنون متساوون.
وحتى نقطع الطريق على من يصطاد في المياه العكرة، هذه الدولة المستقلة عن المؤسسات الدينية ليست دولة كافرة ومصادر التشريع فيها الدين وأعراف وأخلاق السوريين والمواثيق الدولية التي اتفقت عليها الإنسانية بعد الحرب العالمية الأولى،
فهي دولة ترفع من قيمة الدين في المجتمع، لأنها لا تتدخل بسلطته، لكنها بنفس الوقت لا تضرب بسيف الدين. المهم في هذا المبدأ، سحب البساط من تحت نظام الأسد الذي قسم السوريين طائفياً، وضرب السوريين ببعضهم البعض لتأبيد حكمه، وكذلك يقطع الطريق على الحركات الجهادية التي تلبست بالدين واستغلت بؤس السوريين، و كذلك يُفَرِّق بين الخطاب الطائفي و الخطاب السياسي و يُنَحي الجهات الطائفية و يُحدُّ من نشاطاتها.
أما النقطة الخلافية الثانية فهي أحقية الجنسية السورية، إرتأى المؤتمر أن ينصف المرأة السورية عبر التأكيد على حقها بإعطاء أبناءها وبناتها الجنسية السورية مثل حق الرجل، وأضاف المؤتمر أنه من حق المولودين على الأراضي السورية الحصول على الجنسية السورية، مما أثار حفيظة العديد من السوريين، لأن ذلك يعطي الجنسية السورية لأبناء وبنات المرتزقة الذين جلبهم الأسد لمحاربة السوريين، و الذين ولدوا على الآراض السورية خلال فترة حكمه.
مبدأ إعطاء الجنسية بالولادة حق تعطيه العديد من الدول للمولودين على أراضيها باستثناء المولودين للدبلوماسيين خلال وجودهم بعملهم الدبلوماسي على أراضيها. هذا الاكتساب للجنسية بالولادة غرضه رفع ظلم سابق عن عشرات الآلاف من المولودين على أرض سورية، ولكنهم ظلوا دون وثائق الجنسية التي تمنح حقوقاً وترتّب واجبات أقلها حقوق الرعاية الصحية والتعليم والعمل والتوظيف وحرية انتخاب الممثلين عنهم بل والترشح للمناصب التي يحددها اقتراع الناخبين.
إن هذا المبدأ لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد تحرر سورية من حكم الاستبداد، وبعد أن تأخذ العدالة الانتقالية مجراها تحت قضاء مستقل يحدد مستقبل غير السوريين الذين جاؤوا وقاتلوا فيها.
سيكون السوريون يومها أمام معضلة ماذا يفعلون بأولئك الأطفال الذين لا ذنب لهم فيما اقترفه آباؤهم من جرائم. سيكون العدد التقديري لهؤلاء الأطفال بالآلاف. ولذلك سيكون هناك حاجة للتعامل مع هؤلاء المواليد بعدالة وتسامح. إن الغرض من هذه المبدأ تأسيس سورية على قيمة العدل والتسامح وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولا يؤخذ مولود بجريرة أبيه أو أمه.
إن وجود الهيئات المعارضة السورية الحالية، لا يتعارض مع حق السوريين كل من موقعه، في طرح تصورهم حول شكل سورية القادم والعمل على إسقاط نظام الأسد، بل أن كل عمل معارض يشد أزر كل الهيئات السورية المعارضة، ويقربها أكثر من السوريين أصحاب القضية السورية الأوَّلون.
كان ميثاق المبادئ العشرة نِتاج العمل الدؤوب و المتواصل للعمل السياسي المبدع للسوريين منذ قيام الثورة، و لما عقدوه من مؤتمرات من أجل استعادة القرار السوري لأيدي السوريين، و ليفرض على المجتمع الدولي تصور السوريين لدولتهم.
فالمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتقدم لحل المسألة السورية إلا إذا تقدم الشعب السوري بتصور لمصيره. ما يجب أن يدركه السوريون أن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية تحددها مصالحها والتحديات الكبرى في أوروبا والصين ومحيطها، أما سورية فلم تعد على سلم أولويات الإدارة الأمريكية نظراً لصغر حجم سورية وضحالة تأثيرها السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية، ولاعتقاد الإدارة الأمريكية أنه لا يوجد في سورية بديل ناضج لقيادة البلاد نحو الأمان بعد سقوط نظام الأسد.
يعتبر الميثاق الوطني الذي تبنته ثلة من السوريين الأمريكيين، خطوة أخرى نحو نضوج الخطاب السياسي المعارض، ونحو توحيد الشعب السوري بمعظمه حول مبادئ إنسانية وديمقراطية عامة.
إذا لم يكن لدى السوريين ميثاق وطني يرفع مبادئ إنسانية و تحررية، فإن المجتمع الدولي سيستمر باعتبار السوريين غير مؤهلين للحرية، وأن سورية ستبقى مصدر خطر و بيئة صالحة لإنتاج داعش و منظمات متطرفة أُخرى مرة ثانية، و ربما دولة تحرم تعليم البنات كما حدث في أفغانستان أو دولة فاشلة كالصومال.
خير دليل على هذه الرؤية الدولية لسورية، هو التباين الفاضح في ردود فعل المجتمع الدولي و كيفية تفاعله مع الغزو الروسي لأوكرانيا و الغزو الروسي لسورية، حيث لم يوفر المجتمع الدولي جهداً لنصرة أوكرانيا بالسلاح و الدعم الدبلوماسي، بينما امتنع عن مساندة السوريين أو حتى حمايتهم ضد السلاح الكيميائي و البراميل المتفجرة، و يُعزى ذلك لأنَّ الأوكرانيين لديهم جسم تمثيلي وطني، وشعب موحد حول الخطر الروسي الخارجي، بينما نحن متفرقين ونفتقر لميثاق وطني يوحدنا.
لن يستطيع المؤتمر الوطني السوري الأول عمل المعجزات، ولن يستطيع أن يقنع المجتمع الدولي بضرورة التخلي عن نظام الأسد، قبل أن يبدأ السوريون بتحمل مهمات وأعباء تحرير بلدهم من نظام لم يقدم لهم سوى الذل وعار الاحتلالات.
يتقدم المؤتمر الوطني للسوريين الأمريكيين الآن، بدعوة السوريين للتحضير للمؤتمر الوطني السوري العام، عبر مناقشة الميثاق الوطني للسوريين الأمريكيين، وكل مخرجات مؤتمرات السوريين الأخرى، وسينعقد المؤتمر السوري العام عما قريب في أحد دول اللجوء، على أمل أن ينعقد المؤتمر التأسيسي الأول لسورية المحررة في دمشق، على أنقاض نظام الإستبداد والذل والعار.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت