يجري الإعداد لعقد طاولة حوار رباعي على مستوى دبلوماسي رفيع يجمع نواب ومساعدي وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام في دمشق.
ما هو دور ومهام هذه الطاولة الجديدة التي دافعت طهران باستماتة عن “حقوقها” في الوجود أمامها بعدما استبعدت في المشهد الأول من سيناريو اجتماع وزراء الدفاع الثلاثي في أواخر العام المنصرم، حيث يقف وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان ليعبر من أنقرة عن فرحة بلاده بوصولها إلى هذه النتيجة وعن امتنانها لوصول العلاقات التركية السورية إلى هذه الدرجة من التقارب في سبيل تحقيق الاستقرار!
ما أعلنه الوزير الإيراني وهو الأهم حول “أن أمن تركيا هو من أمن إيران والعكس صحيح” وأننا “نعتبر فتح الطريق إلى منطقة القوقاز، يشكل خطرا كبيرا على أمن المنطقة. فدخول النظام الصهيوني الإسرائيلي إلى هناك هو أخطر ما قد يحدث على أمن المنطقة”. هل هذه هي جائزة الترضية الإيرانية من قبل الجانب التركي أم أن طهران تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك في سوريا بعدما نجحت في فرض نفسها على الطاولة فقررت أنقرة الرد من خلال المماطلة وإضافة برنامج اجتماع تحضيري فني جديد يجمع مساعدي وزراء خارجية الأطراف الأربعة أولا، ثم الإعلان عن ترحيبها بزيادة عدد المقاعد للراغبين في الحضور والتعاون؟
وما الذي تريده موسكو من خلال تنظيم لقاء رباعي من هذا النوع؟ تفعيل التطبيع بين أنقرة ودمشق أم إيجاد مخرج سياسي جديد للأزمة السورية عبر سيناريو مغاير هذه المرة؟ أم أن ما تريده روسيا يمر عبر تثبيت وترسيخ نفوذها في سوريا ومن خلالها في شرق المتوسط لقلب التوازنات الاستراتيجية الأميركية هناك وهذا قد يكون بمثابة انتصار وإنجاز كاف لموسكو في هذه المرحلة؟
أما بشار الأسد فهو يعتبر أن المحادثات التي ستجري في موسكو مع الجانب التركي تستدعي التحضير الجيد وأن تستند إلى أجندة وعناوين ومخرجات محددة وواضحة. هو يرى أنها طاولة حوار بهدف بحث العلاقة بين النظام في دمشق وأنقرة فهل هذا ما تراه تركيا أيضا؟ أم أن أولويات الجانب التركي تختلف عما يقوله ويريده النظام في سوريا؟
أولويات وفد النظام التي سيطالب الجانب التركي بالالتزام بها نيابة عن طهران وموسكو معروفة تقريبا: دعوة أنقرة لسحب قواتها من شمال سوريا. إنهاء علاقتها بقوى المعارضة السورية وإيقاف دعمها لها داخل تركيا وسوريا. ترك ملف قسد بشقه العسكري والسياسي لدمشق لتتفاوض من خلاله مع واشنطن. ضمانات بعدم حصول تنسيق تركي إسرائيلي في الملف السوري يغضب طهران.
والتراجع عن خطة المنطقة الآمنة وتخلي أنقرة عن عمليتها العسكرية التي تريدها في شرق الفرات مقابل ضمانات أمنية مرتبطة باتفاقية أضنة معدلة.
يقول المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إن بلاده ترحب بانضمام إيران إلى المحادثات التي تُجريها مع سوريا بوساطة روسية. “وجود إيران في المحادثات يسهّل القضاء على التهديدات الإرهابية لتركيا من الأراضي السورية، وتأمين حدودها، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وديارهم بشكل آمن ومشرِّف وطوعي”. ما سيقوله ويطالب به الوفد التركي شبه معلن ومعروف إذا:
سياسة جديدة للنظام السوري تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله وتريده تركيا وقوى المعارضة السورية.
تسريع الحلحلة السياسية في ملف الأزمة السورية. ضمانات سياسية وأمنية لتركيا في مناطقها الحدودية تبعد أي مخطط انفصالي بطابع فدرالي أو كونفدرالي. حسم موضوع عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إلى بلادهم. وقبول النظام التعامل بشكل جدي مع القرارات الدولية والأممية حول العملية الانتقالية السياسية في سوريا.
ما الذي دفع أنقرة لتغيير موقفها وفتح الطريق لجلوس وزير الخارجية الإيراني كطرف رابع رغم لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة والتحول الحاصل في سياسة تركيا السورية ونقاشات عودة دمشق إلى الحضن العربي؟ الإجابة أبعد مما يقوله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إمكانية ضم إيران إلى المباحثات الثلاثية، بهدف الوصول إلى الاستقرار شمالي سوريا. المسألة لن تتوقف عند حدود شمال سوريا فهناك ما هو أبعد وأهم سيطرح ويناقش أمام طاولة موسكو. الغاز السوري ومسألة نقله إلى أوروبا. ملف المياه والعلاقات الدائمة التوتر بشأنه في تحاصص أنهر العاصي ودجلة والفرات. والعودة إلى التفاهمات الاقتصادية بطابع إقليمي سبق أن طرحت قبل أكثر من عقد بين أنقرة ودمشق.
هل من الممكن التقريب بين طروحات ومواقف النظام وما تقوله وتريده تركيا؟ نعم ممكن. هل من المحتمل أن يرضي ذلك الطرفين ويكون مقدمة لحوار سياسي أوسع برعاية وضمانات روسية وإيرانية؟ نعم هذا ممكن أيضا. هل من المحتمل أن يكون الهدف في موسكو هو دفن آلية سوتشي ومنصة الأستانة واستبدالهما بطاولة رباعية مرنة قابلة للانفتاح والاتساع لاحقا؟ طبعا هذا غير مستبعد حتما.
أين المشكلة إذا؟ المشكلة هي أن هناك نحو 60 يوما تفصلنا عن انتخابات تركية رئاسية وبرلمانية صعبة وإن قيادات حزب العدالة لا تريد الدخول في تفاهمات سياسية من هذا النوع قبل حسم نتائج الإنتخابات، وأن أكثر ما سيكون بمقدورها فعله خلال هذه الفترة هو محاولة تسجيل اختراق ما في ملف اللجوء السوري لسحب البساط من تحت قدمي المعارضة التي ستتمسك بهذه الورقة حتى النهاية في حملاتها الانتخابية. ستحاول الأطراف الثلاثة التي تتحرك تحت مظلة واحدة في سوريا محاصرة الوفد التركي عبر أكثر من مناورة سياسية وهي تعرف أهمية عامل الوقت بالنسبة لأردوغان مع اقتراب تاريخ 14 أيار أولا، وحجم التباعد التركي الأميركي الممكن الاستثمار فيه خصوصا بعد استدعاء الخارجية التركية سفير واشنطن لدى أنقرة جيف فليك، ومطالبته بتوضيحات مقنعة حول زيارة رئيس الأركان الأميركية مارك ميلي إلى شمال شرق سوريا ثانيا. لافت هنا طبعا أن نتابع الموقف التركي الغاضب بسبب هذه الزيارة وأن نرصد ما يقوله مصدر رسمي في خارجية النظام حول “أن دمشق تدعو واشنطن للتوقف عن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي ووقف دعمها لميليشيات مسلحة انفصالية”.
أين الرد الأميركي على تحضيرات عقد مثل هذه الطاولة وهل ستبقى واشنطن صامتة أم ستكتفي بزيارة عسكرية إلى شرق الفرات؟ هل تكون خطوة رفض مجلس النواب الأميركي، بأغلبية كبيرة، وثيقة مطالبة الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من سوريا، حلقة جديدة في عملية الرد التي سيكون لها حتما خطوات إضافية سنراها قريبا؟
كانت القيادات التركية تردد أن أمن الخليج هو من أمن تركيا والعكس صحيح.
وزير الخارجية الإيراني يقول لنا اليوم ومن أنقرة نفسها أن أمن تركيا من أمن إيران والعكس صحيح. بقي القليل ونسمع من يقول لنا أن أمن إيران هو من أمن الخليج والعكس صحيح.
أحد الشبان السوريين الذين ضاقت بهم الدنيا بعد سنوات من “المرمطة” يستعد عند كتابة هذه المادة للمغامرة باتجاه دخول غير شرعي لأوروبا. هو يذهب بالاتجاه الجغرافي والثقافي والسياسي الآخر بحثا عن المستقبل لأنه غير مقتنع بما نكتب ونقول حول مسار الحوار والحلحلة في ملف الأزمة السورية. هناك أسباب أخرى أيضا تستحق التوقف عندها وهي التي تقلقه وتدفعه لمغادرة البلد الذي لجأ إليه في دول الجوار السوري.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت