حدثان فرضا نفسيهما على المعارضة مؤخراً، وكان واضحاً تباين الآراء والتقديرات حولهما، وعدم وجود رؤية موحدة لطريقة التعامل مع آثارهما المحتملة.
الحدث الأول، وهو الأكثر الحاحاً، كان زيارة الوفد الروسي يوم الإثنين إلى دمشق ولقاءه رئيس النظام وكبار المسؤولين في حكومته، لبحث ملفات سياسية واقتصادية على درجة عالية من الخطورة والأهمية بالنسبة لحاضر المسألة السورية ومستقبل الوطن بشكل عام.
لكن اللافت وكما هي العادة، أن المعارضة لم تتمكن من الوصول إلى تصور واضح لمآلات هذه الزيارة ولم تستطع الحصول على معلومات أو إنتاج تقديرات منطقية حولها، بل ترك الحدث رهناً لآراء الأفراد المختلفة واستنتاجاتهم المتباينة، الأمر الذي يزيد من تشتت الجمهور وحيرته، ولا يفيد مؤسسات المعارضة في تحديد موقفها من هذا الحدث الخطير، الذي قد لا أكون مبالغاً إن قلت إنه سيحدد، أو على الأقل سيكون أحد محددات مستقبل سوريا السياسي.
الحدث الآخر الذي تواجهه المعارضة دون القدرة أيضاً على إنجاز رؤية موحدة حوله حتى الآن، هو الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، في تشرين الثاني من هذا العام، الاستحقاق الذي يتعامل معه العالم كله بدرجة بالغة من الاهتمام، بما في ذلك الدول الأقل تأثراً بنتائج هذه الانتخابات، فكيف بسوريا التي توجد فيها الجيوش الأميركية ويتوقف مصيرها السياسي بالدرجة الأولى على موقف زعيم البيت الأبيض في واشنطن؟
هذا الانقسام في موقف المعارضة غير الرسمي، على صعيد الأشخاص والإعلام، وعدم وضوح الرؤية على الصعيد الرسمي، بدليل عدم تمكن الائتلاف الوطني أو أي من مؤسساته من بلورة موقف محدد مبني على معطيات واضحة ومعلومات حقيقية، إنما يؤكد حاجة المعارضة بشكل عام، والائتلاف الوطني بشكل خاص، ضمن ما يحتاج، إلى مركز دراسات وأبحاث سياسي يكون على درجة عالية من الاحترافية، للمساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة، وهو حاجة بديهية وأمر لا يحتاج إلى نقاش بالنسبة لجميع القوى السياسية في مختلف أنحاء العالم.
فحتى الأحزاب الصغيرة تعتمد على مراكز أبحاث تساعدها في جمع المعلومات الدقيقة واتخاذ القرارات الصحيحة بناء على تقديرات علمية وفهم الأحداث واستيعاب المتغيرات وملاحقة التطورات، بشكل يسهم في نجاح هذه الأحزاب في الانتخابات والوصول بها إلى مراكز صنع القرار، فكيف إذن بالنسبة للمعارضة السورية التي تتصدى لواحدة من أعقد وأخطر القضايا السياسية والإنسانية في العالم اليوم.
يسجل التاريخ أن القضية الفلسطينية ظلت متوهجة وتفرض نفسها على طاولات السياسة العالمية كضيف حاضر بقوة عندما تلازمت بندقية فصائلها مع دراسات مراكز الأبحاث التي كانت تابعة لهذه الفصائل أو تلك المستقلة عنها لكن المتعاونة معها، والتي كان يشرف عليها ويقوم بها رجالات فكر وعلم ومختصون من مختلف التوجهات السياسية والفكرية، وأن هذه الفصائل باتت مجرد ذكرى وأسماء من التاريخ فقط عندما تخلت عن الأكاديميين والمفكرين، فسقطت بندقيتها وخسرت تاريخها والكثير من أحقية قضيتها.
يمكن ذكر مئات الأمثلة للتأكيد على أهمية امتلاك الائتلاف الوطني وغيره من مؤسسات الثورة والمعارضة مراكز أبحاث مختصة، وبالمقابل يمكن أن يقول لنا القائمون على هذه المؤسسات أن المعارضة لديها بالفعل العديد من هذه المراكز، وهو صحيح، لكنها على الأغلب مراكز تابعة لقوى سياسية محددة، أو ممولة من قبل دول معينة من أجل الترويج لسياسات هذه الدول وأجندتها، بينما المطلوب مؤسسات بحث احترافية تكون مستقلة فكرياً حتى وإن كانت ممولة من الائتلاف.
يوجد في المعارضة مئات الباحثين والمفكرين والأكاديميين من مختلف التخصصات السياسية والاقتصادية، ومن علماء الاجتماع والتاريخ والعلاقات الدولية والإعلام والطاقة والثروات الطبيعية والقانون الدولي الخ، لكن معظم هذه الأدمغة مهمل يا للأسف، يعاني أكثرها البطالة ويعيش في الظل بدول اللجوء التي لولا قوانينها التي توفر للمقيمين على أراضيها المساعدة لما وجدوا ما يقيم أودهم بعد أن انشقوا عن النظام وهجروا وظائفهم لديه تأييداً للثورة.
اليوم ومع إقرار الائتلاف بضرورة إصلاح مؤسساته ومعالجة مكامن الخلل والقصور فيه، يعتبر تأسيس مراكز أبحاث ودراسات مختصة ووفق أعلى المعايير، أولوية قصوى بالنسبة له، فمن الكارثي فعلاً أن تسير المعارضة بلا نور وأن تكون عاجزة عن الحصول على معلومات دقيقة وإنتاج تصورات موحدة ودقيقة حول حدثين على هذه الدرجة من الخطورة، الانتخابات الأميركية وزيارة الوفد الروسي إلى دمشق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت