“ظل المنفى” يخيم على خان الحرير بحلب: سوق تاريخي بلا تجار
أعيد افتتاح سوق خان الحرير التاريخي في مدينة حلب، التي توصف بالعاصمة الاقتصادية السورية، لكن الكثير من القوى العاملة السابقة التي كانت تنشطه لا تزال في المنفى.
ونشرت وكالة “فرانس برس” تقريراً من حلب، اليوم الجمعة سلطت فيه الضوء على السوق الشهير، والذي كانت حكومة نظام الأسد قد بدأت العمل على ترميمه في الأشهر الماضية.
ونقلت الوكالة عن أحمد الشيب وهو تاجر أقمشة يبلغ من العمر 55 عاماً قوله: “تمت أعمال إعادة الإعمار وهذا شيء عظيم. لكن هذا لا يكفي”.
وأضاف التاجر خلال إعادة فتح السوق المغطى، الأسبوع الماضي: “ما نريده هو عودة أبنائنا إلى هذه المتاجر”، موضحاً الصور التي أرسلها لأكبره الذي انتقل إلى الجزائر قبل ثلاث سنوات للانضمام إلى شقيقه.
ويعتبر”خان الحرير” أحد الأسواق الـ 37 المحيطة بقلعة حلب الشهيرة، وكان قد اجتذب آلاف السياح والتجار قبل عام 2011.
وتضرر السوق بشكل كبير خلال العمليات العسكرية التي شهدتها مدينة حلب لأكثر من ثلاثة أعوام، ووفق تقديرات وكالة الثقافة التابعة للأمم المتحدة (يونيسكو) فقد تدمر ما يصل إلى 60% من مدينة حلب القديمة.
وأعيد فتح السوق رسمياً من جانب حكومة النظام السوري، يوم الأحد الماضي، بعد خمس سنوات من سيطرة قوات الأسد الكاملة على مدينة حلب.
وأشارت وكالة “فرانس برس” نقلاً عن مراسلها في حلب إلى أن أعمال الترميم أدت إلى محو آثار بعض المعارك، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لتعزية التجار الذين فقدوا أكثر بكثير من مجرد متاجرهم.
وفي محل أقمشة أحمد، تزيّن صورة والده – مؤسس شركة العائلة – جداراً مطلياً حديثاً.
ومثل كثيرين آخرين في خان الحرير، يخشى التاجر أحمد أن يموت متجر العائلة معه.
ويقول للوكالة: “أطفالي يعيشون في الجزائر وأبناء التجار الآخرين مشتتون بين مصر وأربيل” في شمال العراق وأماكن أخرى.
ويضيف: “هناك الكثير من المهن التي ستتعرض للتهديد إذا استمر أبناؤنا في الهجرة”.
الهجرة الاقتصادية
وفقدت حلب التي لطالما اعتبرت أحد المراكز التجارية الرئيسية في سورية، العديد من التجار ورجال الأعمال الذين منحوا المدينة ذات يوم ميزتها الاقتصادية.
سعى الكثيرون للحصول على فرص عمل في أماكن أخرى، مع وجهات شهيرة في العراق وتركيا المجاورتين.
أحمد الدملخي استحوذ على محل أقمشة في خان الحرير من شقيقه الذي هاجر إلى تركيا مع أطفاله منذ عدة سنوات.
وقال لـ”فرانس برس”: “أنا متفائل بإعادة فتح السوق، لكننا نفتقد التجار والمستثمرين الذين ينتشرون الآن في أنحاء العالم العربي والذين أسسوا أعمالهم هناك”.
وعلى الرغم من أنه كان يتمنى أن يكون شقيقه معه للاحتفال بإعادة الافتتاح، إلا أن الدملخي قال إن الأسباب التي دفعته للخروج في البداية لم تتغير.
وتابع: “كنا نعتمد على السياح والزوار القادمين من الريف والمحافظات الأخرى، لكن الوضع الاقتصادي الآن صعب للغاية”.
وأشار الدملخي إلى أن “العقوبات الغربية في الوقت نفسه تخلق عقبات فيما يتعلق بالواردات والصادرات والتجارة بشكل عام”.
“محلات شاغرة”
تمتد الأسواق الشاسعة وهي الأقدم من نوعها في العالم من الجزء الغربي من المدينة القديمة إلى أبواب قلعة حلب في الشرق، وتغطي مساحة تبلغ حوالي 160 ألف متر مربع (1.7 مليون قدم مربع).
ولعدة قرون، كان “خان الحرير” القلب التجاري للمدينة القديمة، وعرف كمركز تجاري رئيسي بين الشرق والغرب.
وبدأت أعمال ترميمه قبل عامين بعد أن وقعت حكومة النظام السوري اتفاقية شراكة مع مؤسسة “الآغا خان” في سورية.
استغرقت عملية تجديد خان الحرير، التي تضم حوالي 60 متجراً حوالي عام حتى اكتملت، وتجري الاستعدادات لاستعادة سوقين آخرين.
ونقلت “فرانس برس” عن جان مغامز من “الأمانة السورية للتنمية”، وهي وكالة مرتبطة بأسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري: “كانت المنطقة كومة من الدمار، واليوم يمكننا القول إن البنية التحتية للسوق أعيد تأهيلها بالكامل”.
لكنه المتحدث ذاته اعترف بأن نزوح التجار الجماعي يمثل تحدياً.
وقال: “لقد واجهنا صعوبة في التواصل مع أصحاب المحلات خارج سورية، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم وكيل يتولى شؤون محالهم”.
وأضاف: “لا يمكننا العمل بمفردنا ونحتاج إلى تعاون الجميع”.