نعم، هي فرصة فعلاً، كما يقول معارضون سوريون، لكنه يصعب إن لم يكن يستحيل إنتهازها. الحرب الاوكرانية لعبة بين الكبار، وفي ملعبهم الخاص، وهي يمكن ان تلحق أضراراً جانبية بالكثير من الدول والشعوب الصغيرة، وبينها سوريا التي لن يقوى نظامها على الصمود طويلاً، ولن تتأهل المعارضة لوراثته.
لن تخرج روسيا من تلك الحرب إلا بخسائر هائلة يصعب تعويضها في سنوات أو حتى عقود. العقوبات الغربية لا تستهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعصبته الحاكمة. الهدف الصريح والمعلن من قبل قادة الغرب جميعاً، هو إفقار روسيا وشعبها، وإعادته الى ما بدايات القرن العشرين.. بخلاف ما يظن بعض الروس الذين يتندرون هذه الايام بأنهم شعروا بأنهم قفزوا فجأة الى فترة الثمانينات، الى الحقبة السوفياتية، لكن من دون شيوعية.
بلا شك، ستصبح روسيا أفقر وأضعف من أي وقت مضى في تاريخها المعاصر. لكن، يغيب عن بال المعارضين السوريين المتفائلين بذلك، أنها يمكن، بل يرجح ان تظل تقاتل، مثلما يقاتل الاوكران اليوم، وربما أكثر. يكفي أن تستلهم تجربتها السوفياتية، عندما كانت دولة شبه معدمة، لكنها تبسط نفوذها على نصف الكرة الارضية. وهي في قتالها هذا لن تجد بالضرورة غرباً يحارب بالأيديولوجيا الليبرالية والديموقراطية والحرية، ما يجعلها قادرة على إختراق الجبهة الغربية في مناطق غير متوقعة. عندها يمكن ان تندلع “حرب عصابات عالمية”، تدور رحاها في الجبهات الداخلية، وتستخدم فيها الاسلحة المحرمة كلها من دون إستثناء، بما فيها النووية والكيميائية والجرثومية..
الافتراض بأن ضعف روسيا وفقر شعبها، سيضعف موقفها العسكري والسياسي في سوريا صحيح الى حد بعيد، لكن وظيفة قاعدتها السورية لا تنحصر، بل حتى لا تعنى ببقاء نظام بشار الاسد. الصراع على النظام الروسي نفسها، يستدعي تحويل الارض السورية من خط دفاع ثان، بعد خط الدفاع القائم في بيلوروسيا، الى خط هجوم رئيسي على الغرب وقواعده وحلفائه.. لحماية موسكو نفسها من الخطر الداهم، الذي لا يستبعد هو الآخر أحداً من سكانها، ويؤمن بان الغالبية الروسية، أكثر من 70 بالمئة من الروس حسب آخر التقديرات، يدعمون بوتين وحربه على أوكرانيا، وصراعه مع الغرب.
يمكن أن ينهار النظام في موسكو فجأة تحت وطأة ضربات المقاومة الاوكرانية والعقوبات الغربية، كما يتوقع كثيرون من الغربيين بينها المفكر الاميركي فرنسيس فوكوياما، لكن حتى في هذه الحالة فإن النظام في سوريا لن يسقط فجأة أيضاً ، بل قد يستمر لفترة أطول، بفعل غياب البديل الجاهز، وحضور الوكيل الايراني، الذي قد يستمد وكالته المتجددة من الغرب أيضاً، كما هو الحال في العراق..يضاف الى ذلك أن تركيا قد تستعيد دورها الاول في سوريا، وتتولى مهمة تأهيل النظام في دمشق، تماما كما كانت تفعل في السنة الاولى من الثورة السورية. ولكن هذه المرة بتفويض غربي واسع النطاق.
الصراع على النظام في سوريا، هو بهذا المعنى، جزء من الصراع على النظام في روسيا. مبتدأه ومنتهاه، هو أن الثورة السورية لم توفر ما يستحق الجدارة والثقة. العسكرة كانت نتيجة طبيعية لبطش النظام، لكن سقوط السياسة والسياسيين أسرى في يد المسلحين، لم يكن من فعل النظام، كما أن الأسلمة لم تكن أيضاً من عمله، بل من تمنياته فقط. إسترداد الأُمرة السياسية على السلاح المعارض، وتجريد الاسلاميين منه، بات مستحيلاً.. حتى ولو بتدخل تركي مباشر، على شكل غزو وتحرير وتقرير، يغلب الارادة الايرانية الحاسمة في دعمها للنظام.
الفرصة سانحة، لكنها تتطلب البدء بالثورة السورية من جديد، من نقطة الصفر، من دون شعار “إجاك الدور يا دكتور”، لأن الدور هو لبوتين الآن، وهو قد يتطلب وقتاً أطول مما يمكن لسوريا أن تحتمله، وما يمكن لشعبها المشرد أن ينتظره.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت