خلال الأسبوع المنصرم، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن وجود خطّة لبناء مجمّعات سكنية في 13 موقعا مختلفا في شمال سوريا مخصصة لعدد كبير من اللاجئين السوريين. وفقاً لتصريح أردوغان، فإن أنقرة “تعمل على مشروع لبناء حوالي 200 ألف وحدة سكنية بتمويل من مجموعات المساعدة الدولية وذلك لإستيعاب حوالي مليون لاجئ سوري ممن يرغبون بالعودة طوعاً إلى داخل سوريا”، مشيراً إلى أنّ حوالي 500 ألف سوري عادوا إلى مناطق آمنة شمال سوريا، وأنّ تركيا تقوم بما عليها بدعم من الآخرين للحفاظ على 4 مليون سوري في إدلب، لافتاً إلى أنّ حالة عدم الاستقرار الأمني والتهديدات القائمة وتقاعس الدول الغربية عن الإيفاء بالتزاماتها يؤخر عودة اللاجئين إلى بلادهم.
فكرة المشروع ليست جديدة وتعود إلى حوالي 7 سنوات إلى الوراء. كانت الفكرة تقوم آنذاك على تعاون بين تركيا وعدد من الممولين ـ بما في ذلك الممولين الخليجيين ـ تقوم أنقرة بموجبه ببناء وحدات سكانية ومدارس ومستشفيات وبنية تحتية في مناطق لا يصلها الأسد وقواته بحيث تعمل على استيعاب من يريد من اللاجئين العودة الى داخل سوريا. وقد طرح هذا المشروع أيضا خلال قمة الـ20 في العام 2005، لكنّ الدول الغربية لم تدعم المشروع. وبعد الأزمة الخليجية عام 2017، توقف المشروع بشكله السابق، وتم إنجاز بعض المشاريع الصغيرة بدعم من قطر والكويت ومموّلين آخرين.
لكن مع قرب موعد الانتخابات التركية وتصاعد الاستقطاب الداخلي وتحوّل ملف اللاجئين السوريين الى مادة أساسية لإنتقاد الحكومة وتسجيل النقاط ضدّها، بدا أن هناك حاجة لحلول. شريحة من المعارضة التركية تقوم بتحريض الأتراك على اللاجئين السوريين وتحاول أن تلقي باللوم عليهم لاسيما فيما يتعلق بتدهور الوضع الاقتصادي، لتجييش الناس ضد الحكومة على إعتبار انّها المسؤول الأول والأخير عن قرار استضافتهم وتربط ذلك بقرار الحكومة التركية إستضافتهم.
تشعر الحكومة بهذه الضغوط وبانعكاس هذا التشنّج حول موضوع اللاجئين ليس على المستوى السياسي فقط وإنما على المستوى الاجتماعي والأمني أيضاً. مواجهة استراتيجية المعارضة تطلّبت في بعض الأحيان تبنّي خطاب متشدد، وإجراءات متشددة تجاه اللاجئين بشكل عام كي لا تبدو الحكومة متساهلة أو ضعيفة. كما تمّ تشديد الاعتماد على القضاء في القضايا الحساسة، والتفكير في حلول أخرى من بينها إمكانية تخفيف أعداد اللاجئين ممّن يودون العودة دون إجبار أو إكراه.
وتشير التصريحات الرسمية إلى أنّ هناك قواعد وقوانين تنطبق على الجميع ويجب مراعاتها أيضاً من قبل اللاجئين بغض النظر عن الدولة التي ينتمي إليه اللاجئ، وأنّ من يخالف هذه القوانين والإجراءات يتم ترحيله. وفقاً للإحصاءات الرسمية فقد تمّ ترحيله نتيجة هذه المخالفات بلغ حوالي 20 ألف سوري، و21 ألف من جنسيات أخرى. التشدد في التعامل مع اللاجئين يستهدف إيقاف عمليات اللجوء غير الشرعية أيضاً، لاسيما مع ازدياد موجة اللاجئين من دول أخرى كذلك مؤخراً مثل أفغانستان وأوكرانيا.
في المقابل، استقبل بعض السوريين تصريح الرئيس التركي بسلبية إمّا بسبب إنطباعاتهم الخاطئة عن فحواها، وإمّا بسبب عدم فهم ظروف طرح هذا المقترح ودوافعه، وإمّا بسبب تجربة سيئة لهم في هذا الموضوع. البعض ذهب بعيداً ليتحدّث عن المشروع كجزء من مخطط تركي يهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي في سوريا. مثل هذه المبالغات واستعداء الحكومة التركية لا يساعد أي أحد باستثناء العدو الحقيقي للشعب السوري، نظام الأسد. فضلاً عن ذلك فهي تضر بعدد كبير من اللاجئين في تركيا والنازحين في مناطق داخل سوريا مثل إدلب، وتشتت التركيز بعيداً عن نظام الأسد، وتحرف الأنظار الى معارك جانبية أو أخرى متوهّمة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلّها.
من المفترض أن يتم وضع التصريح في سياقه الصحيح. المشروع يتعلق في جزء منه بالانتخابات التركية القادمة. هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة إلى الحكومة والمعارضة وشريحة واسعة من الأتراك. جزء من الإعلان يهدف إلى امتصاص الامتعاض وسحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية التي تحاول المتاجرة بها. من يريد من السوريين تحويل الحكومة الحالية إلى عدو للسوريين، عليه الاستعداد لسيناريو قدوم المعارضة إلى الحكم. المعارضة أعلنت بشكل واضح في عدة تصريحات بأنّها تريد استعادة العلاقة مع الأسد وإعادة اللاجئين جميعا إلى سوريا بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها. هل هذا ما يريده اللاجئون السوريون؟
المشروع لا يستهدف إعادة اللاجئين السوريين بشكل قسري، أو إبعادهم إلى أماكن غير آمنة داخل سوريا. فضلاً عن ذلك، فالمشروع يحتاج الى المال والوقت حتى يكتمل، ولذلك فهو ليس فورياً. ليس كل اللاجئين يعيشون في وضع حسن في يتركيا، هناك الكثير منهم في أوضاع صعبة للغاية، وربما يفضل بعضهم أو كثير منهم العودة إلى داخل سوريا. لا يجب أن تتّجه البوصلة باتجاه الخصم المصطنع فيما المجرم الحقيقي لا يزال في موقعه. تقدير موقف الآخرين وظروفهم يجب أن يكون جزءاً من التصور، كما أنّ ثقافة تحميل الأصدقاء ما لا طاقة لهم على احتماله، وما يتنافى مع الواقعية السياسية أو ما يكون بمثابة انتحار يجب أن ينتهي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت