شحن بشار الأسد، مجدداً، إلى موسكو تحت جنح الظلام للمثول أمام فلاديمير بوتين. لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هناك علاقة فيروسية بين هذا الاجتماع والحجر الصحي الذي فرضه بوتين على نفسه، في أعقابه، خشية التقاط العدوى. فقد تحدثت مصادر الكرملين الرسمية عن إصابات بالعدوى في المحيط القريب من الرئيس الروسي، ولم تشر بشكل خاص إلى الزيارة الليلية لبشار الأسد.
ليس من المعقول ألا يكون كلا الرجلين قد حصل على العدد الأقصى من جرعات اللقاح المطلوبة ضد كورونا، في الوقت الذي حصل فيه كاتب هذه السطور، العبد الفقير السوري اللاجئ في تركيا، مثلاً، على 3 جرعات! فإذا كان ثمة خشية من إصابة بوتين بالعدوى، فهذا نذير شؤم بشأن مستقبل البشرية، بأن الفيروس اللعين، بطفراته الجديدة، قادر على التغلب على جميع العقبات والتدابير واللقاحات!
لعل في هذا التشاؤم بشأن مستقبل البشرية، بسبب فيروس تافه، عزاءً للسوريين بأن بلواهم متعددة الأبعاد ليست استثناءً، بل جزء من الجحيم الذي يمضي إليه الكل بثبات.
قال وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، قبل أيام، إن الحكومة التركية تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على صيغ أو وسائل لتأمين عودة آمنة للسوريين إلى ديارهم. ونشرت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة التركية خبراً بهذا الشأن، أعطت فيه عناوين لتلك الصيغ والوسائل: التوسع في بناء وحدات سكنية تكون بديلاً للخيم أو الكرفانات داخل الأراضي السورية، وتحسين شروط الحياة في المخيمات القائمة. كل ذلك في المناطق المتاخمة للحدود التركية وتسيطر عليها القوات التركية والفصائل التابعة لها.
الدول الأوروبية التي «ملّت» من تمويل المساعدات الإغاثية للسوريين لتمنعهم تركيا من الانتقال إلى أوروبا، رأت «النجاحات» التي تحققت في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بخصوص توطين النازحين من مناطق أخرى إلى الشمال، بنتيجة خطة «مناطق خفض التصعيد» في أراض نزح منها أصحابها بسبب التدخل التركي، من خلال بناء وحدات سكنية بتمويل دول خليجية وتنفيذ شركات بناء تركية، فأصبحت أقرب إلى تفهم الخطة التي قدمها الرئيس التركي قبل سنتين، في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة: منطقة آمنة (كوريدور سلام وفقاً للرطانة التركية) تبنى فيها بيوت من طابقين تحيط بها حديقة لزراعة الخضروات، لإيواء ما بين مليون ومليونين من السوريين المقيمين في تركيا بموجب نظام «الحماية المؤقتة».
يتوجه الرئيس التركي، بعد أيام، إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة مرة أخرى. قد يكون أكثر حظاً هذه المرة من المحاولة الأولى في نيل دعم لخطته المذكورة، بالنظر إلى الحركة الدبلوماسية النشطة التي شهدتها تركيا في الأسبوعين الماضيين، وانصب اهتمام الضيوف الأوروبيين فيها على موضوع إيجاد حل لصداع اللاجئين السوريين.
الحل السياسي غير ممكن، وروسيا ماضية في مساعدة بشار الأسد على السيطرة على جميع الأراضي السورية، كما نفهم مما قاله بوتين في لقائه مع بشار، وهو ما نرى تطبيقه على الأرض سواء في درعا التي عادت، بعد مقاومة، إلى سيطرة النظام، أو في إدلب التي كثف الطيران الروسي قصف مختلف مناطقها في الآونة الأخيرة. التكهنات الإعلامية «المتفائلة» بشأن زيارة بشار لموسكو، تحدثت عن احتمال ضغط روسي عليه للمضي في «العملية السياسية» أي استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف. في حين أن بوتين استهل الاجتماع بتهنئة بشار بعيد ميلاده وبانتخابه لولاية رابعة من سبع سنوات. قال بوتين: «فوزكم في هذه الانتخابات دليل على ثقة شعبكم بكم»! كما أشاد بمساهمة بشار الإيجابية في «الحوار مع خصومكم» قال! ليرد عليه ضيفه بالقول إن الدول الأخرى تضغط (على أولئك الخصوم) لإفشال العملية السياسية!
نعم هذا هو الحوار السوريالي الذي جرى، وفقاً للمصادر الرسمية الروسية. ويقيني أنه قريب مما جرى فعلاً في اللقاء المذكور. من المحتمل أن ما لم يعلن عنه هو موضوع عودة اللاجئين السوريين، بما أنه موضوع الساعة في تركيا والأردن ولبنان ودول أوروبية. وكانت منظمة العفو الدولية قد نشرت، الأسبوع الماضي، تقريراً مؤلماً عن تعرض عائدين إلى سوريا لأنواع التعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري على يد أجهزة مخابرات النظام. بوتين الذي يسمم معارضيه الفارين إلى دول أخرى، ويغتال آخرين في شوارع المدن الروسية، ليس من المتوقع طبعاً أن يطلب من الأسد التوقف عن تعذيب العائدين أو إخفائهم، بل قد يقرّعه لفشله في الحيلولة دون تسرب أخبار تلك الانتهاكات إلى منظمات حقوقية، وبالتالي إلى الإعلام.
ومن جهة أخرى ليس من المستبعد أن يطلب بوتين من ضيفه التجاوب إيجاباً مع تركيا بشأن التنسيق الأمني بدلاً من تكذيب أخبار لقاء مرتقب بين قائدي الجهازين الاستخباريين التركي والأسدي في بغداد، كما شاع مؤخراً.
«بشار الأسد باق» قال ملك الأردن بعد زيارة لموسكو اجتمع فيها مع الرئيس الروسي قبل أسابيع. وهو لسان حال «المجتمع الدولي»: باقٍ ويتمدد، وعليكم القبول به أيها السوريون، وعلى من نجوا منه في بلدان الشتات أن يعودوا «طوعاً» إلى «بلدهم»!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت