مما لا شك فيه ان هناك اجماعا لدى اغلب قطاعات الراي العام ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والجماعة العونية بشكل عام يتصرفون في الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية بطريقة غريبة منفعلة ومتوترة، بل ومضحكة في أحيان كثيرة.
تحول هاجس رئيس الجمهورية وجماعته الى الاستفاقة والاندفاع لمحاولة تسجيل أكبر كمية من الأفعال والخطوات والإنجازات إذا جاز القول، فيما تبقى له من ساعات او دقائق في قصر بعبدا.
فبعد نجاح مسالة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، برضى واشراف إيران والولايات المتحدة الامريكية، لأسباب ظرفية خاصة تتصل بنتائج الحرب الروسية في أوكرانيا وانعكاساتها الأوروبية. ومن ثم الإصرار على التسجيل والقول بقوة، وبتكرار ان رئيس الجمهورية قد بدأ عهده بتوقيع مراسيم وتراخيص التنقيب وختمه بالإنجاز الكبير والفريد أي بالترسيم وإدخال لبنان الى عالم الدول النفطية.
استفاق رئيس الجمهورية في هذه اللحظة، الى محاولة تحقيق واتمام أكبر كمية من الخطوات التي قد تسجل له، فإضافة الى فتح مزاد الاوسمة والنياشين استذكر مسالتين اثنين:
الأولى هي العمل على إعادة تحريك ملف عودة النازحين السوريين الى سوريا بعد مرحلة من النوم العميق.
والثانية التوجه نحو سوريا لإطلاق عجلة الترسيم البحري معها لكي لا تفوته الاستفادة من الفرصة واللحظة التاريخية في الساعات الأخيرة.
موضوع الترسيم مع اسرائيل كان انطلق منذ عشر سنوات وعون ينام في قصر بعبدا منذ ست سنوات متواصلة، ولم تجر الجمهورية اللبنانية، او لم تنتبه الى اجراء، اي اتصال هاتفي مع سوريا في هذا الخصوص.
فجأة، كُشف من دون مقدمات، او أي تمهيد او تسريب مسبق، وفي هذه الحشرة، التي كان يرتب فيها عون حقائبه، ان رئيس الجمهورية أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد، وناقش معه العلاقات الثنائية وملف ترسيم الحدود البحرية، واتفقا على تشكيل وفود رسمية من الوزارات والإدارات الرسمية في البلدين، لعقد اجتماعات في بيروت ودمشق من أجل التوصل سريعاً إلى اتفاق، وقيل: “أن نقاط النزاع ليست من النوع غير القابل للعلاج، وإن كانت تحتاج إلى نقاش تقني وقانوني”.
الإعلان عن خبر الاتصال تولته جريدة الاخبار وليس الدوائر الرسمية في رئاسة الجمهورية، وقد افاض الإعلان اللبناني في نفخ وتكبير حجم الحدث حيث قيل: أن المباحثات اللبنانية – السورية حول ملف ترسيم الحدود ستتم من دون أي وسيط وأن ما يتفق عليه الطرفان سيتم توثيقه كمعاهدة بين بلدين ولا يكون شبيهاً في أي حال من الأحوال بما جرى مع إسرائيل، لا لناحية وجود وسيط أميركي أو حاجة إلى ضمانات أممية أو دولية ولا إلى تفاوض غير مباشر”.
الطامة تمثلت بالاعلان المنفرد من جانب لبنان ان المباحثات ستنطلق مع الجانب السوري وقد حدد موعد توجه الوفد الى سوريا من دون تاكيد الامر مع الجانب الاخر.
الاعلام الرئاسي اندفع الى اعلان أسماء الوفد والموعد المقرر للتوجه نحو دمشق، لكي تتلقى بيروت بعد ساعات الخبر المزعج وهو ان سوريا غير مستعدة للاستقبال وغير موافقة على الموعد وسط لغط وارتباك ما بعده ارتباك.
في المحصلة تلقى لبنان صفعة اخوية لا يمكن تجاهل اثارها، اذ تبين ان الاندفاعة اللبنانية العونية نحو الترسيم مع سوريا لم تكن متطابقة مع الوضعية السورية الان.
السفير السوري في لبنان أوضح أنّ “هناك لبسا حدث فيما خص زيارة الوفد اللبناني الى سوريا والموعد لم يلغ”.
وأوضح أنّه “طلب كتاباً لمخاطبة الخارجية السورية، وتبلّغ بالكتاب في وقت متأخّر من يوم الأحد، وقد أُعلن الموعد من لبنان قبل مناقشته مع سوريا”.
عمليا تسرع الرئيس عون محاولا قطف كل العنب لوضعه في سلته قبل المغادرة الى الرابية فكانت سلته فاضية الا من عناقيد هوكشتاين.
هل كان بالإمكان تلافي “هزة البدن” هذه؟ وهذه البهدلة الناعمة بعد ان اعتقد لبنان انه ارتاح وتناسى منذ مدة طويلة التمريكات السورية التي كانت معتادة ومكررة ومكروهة فترة الوصاية الشقيقة؟
لم يعد خافيا على احد ان عودة العماد عون من باريس الى لبنان عام 2005 قد تمت بالتنسيق والاتفاق المسبق مع سوريا وحزب الله، وان احد اول الذين تولوا ترتيب الموضوع مع المسؤولين السوريين وتحديدا مع بشار وماهر الأسد هو نجل رئيس الجمهورية آنذاك وفي مرحلة الفترة الاخيرة من ولايته، اميل اميل لحود الذي نقل الفكرة الى كريم بقرادوني الذي تولى صياغة مبادرة اطلع ووافق عليها جميع الاطراف الفاعلة وتحديدا سوريا وحزب الله، وقد توصل بموجبها ويومها العماد عون مع سوريا الى ما يشبه عقد عمل وضعت شروطه سوريا وحزب الله، اول بند فيه كان احترام مسألة خصوصية سلاح حزب الله، اضافة الى احترام التوجهات والمصالح السورية في لبنان.
كل طرف شارك في صياغة العقد المذكور كانت لديه اهدافه التي يسعى لتحقيقها وقد وصل اليها.
عون كان يريد العودة الى بلده ومناصريه بعد ان ضمن استرجاع حقوقه المالية مع المجموعة التي رافقته فترة الابعاد. فيما شعرت سوريا بالارتياح، وبالانتصار والتفوق المضاعف، لناحية ان من اقتلعته من بعبدا وابعدته الى فرنسا، عاد بحمايتها، يطلب منها السماح وغض النظر عنه.
حزب الله المحاط بـقوى عديدة تخاصمه، امن طرفا مارونيا كان معزولا، راغبا ومتشوقا للعودة الى الساحة، لا يعارض سلاحه ويساهم في اضعاف خصومه جماعة 14 اذار.
اما اميل لحود فقد امن لسوريا طرفا مارونيا اخر جديدا له قدر لا يستهان به من الشعبية في المنطقة الشرقية يخفف عنه حمل لواء الدفاع عن الاشقاء والخط “المكاوم” في الساحة المارونية فيكون بذلك قد رد لهم قسما من جميلهم عليه.
عودة عون الى لبنان عن طريق الاتفاق او عقد العمل مع سوريا امنت لكل طرف اتصل بالصفقة مصالحه.
لم تتاخر سوريا في تنفيذ الجانب المطلوب منها عبر الضغط في كل الاتجاهات لتامين توزير صهر ووريث الجنرال جبران باسيل وصولا الى تمهيد الطريق امام العماد للوصول الى قصر بعبدا.
لكن لماذا لم تتجاوب سوريا الان مع رغبة عون الاخيرة بتحديد موعد الترسيم المطلوب مؤخرا؟
ببساطة لان العقد انتهت مدته، وهي تريد تجديد العقد مع رئيس الجمهورية المقبل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت