ردت أنقرة على رسائل التعزية الأميركية لقيادات قوات سوريا الديمقراطية بعد استهداف العديد من كوادرها وقياداتها من قبل المسيرات بيرقدار، بالإعلان عن زيارة مفاجئة يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سوتشي في الخامس من شهر آب المقبل.
لماذا يتوجه أردوغان إلى سوتشي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين وهو الذي التقاه قبل 3 أسابيع فقط في طهران؟ هل هناك المستجد الملح أم أن نقاطا عالقة لم تحسم في العاصمة الإيرانية تنتظر الحلحلة في القرم؟ الأسئلة ستكون كالعادة أكثر من الأجوبة في قمة سوتشي المرتقبة. لكن التطورات الميدانية والسياسية المتلاحقة هي التي تتطلب سرعة الحركة واتخاذ القرارات هذه المرة.
بعد يوم واحد من انتهاء أعمال قمة آستانا التي لم تنجز الكثير، تتعرض منطقة زاخو للقصف ويسقط العديد من المدنيين بين قتيل وجريح. تتهم القوات التركية من قبل العراقيين بالوقوف وراء الاعتداء وتتوتر العلاقات بين البلدين. كل الإعلام الإيراني أو المحسوب عليه أكد أن تركيا هي من يقف وراء هذا العمل. ما هي مصلحة أنقرة في التصعيد على هذا النحو؟ وما هي الوثائق والأدلة التي قدمتها بغداد إلى مجلس الأمن الذي “نسي” الإشارة إلى تركيا في الهجوم؟ سياسة إيران التصعيدية ضد تركيا بسبب غضبها من التحول الذي قد يحصل في مواقف تركيا السورية والعراقية واحتمال خروجها المتضرر الأول مما يجري ولجوئها مؤخرا للتعبير بطرقها الخاصة عن ذلك سيكون في صلب المحادثات التركية الروسية أيضا.
أردوغان في روسيا لحسم موضوع قسد بشكل أو بآخر وحتما سيكون هناك رسائل تركية روسية مشتركة توجه إلى واشنطن في الملف السوري. لكن مشكلة الرئيس التركي الذي يعرف أن واشنطن هي التي تمسك بورقة هذا الحليف في شرق الفرات، يعرف أيضا أن موسكو بعثت أكثر من مرة برسائل تحية لهذه المجموعات في محاولة لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة معها. كيف ستتجاوز أنقرة العقبة الأميركية الرافضة لعمليتها العسكرية والتي قد تحسمها واشنطن إما بدعم استخباراتي لوجستي أو عرقلة حركة المسيرات التركية أو الدخول في تفاهمات مع روسيا لتتولى هي حماية هذه المجموعات وإبقاءها على قيد الحياة لاستخدامها المشترك عند اللزوم؟ العقبة قد تصبح روسية أكثر مما هي أميركية إذاً وعلى أنقرة التفاهم مع موسكو حول ما يمكن فعله على الأرض في المرحلة المقبلة طالما أن هناك خدمات ثنائية وإقليمية متبادلة في ملفات متعددة الجوانب بين الطرفين.
حركت تصريحات شهر أيار التركية حول اقتراب موعد العملية العسكرية الخامسة في الشمال السوري الجميع. لكن تركيا تريدها حتى الآن حرب استنزاف سياسي ودبلوماسي مع الأطراف الثلاثة المؤثرة في الملف بهدف الوصول إلى ما تريد دون تحريك القوات. يحاول البعض إقناع أنقرة بعمليات محدودة ضد كوادر وقيادات قسد مقابل التخلي عن عمليتها والدخول في تفاهمات مع النظام لحسم هذا الموضوع. قد ترضى أنقرة بسيناريو من هذا النوع في إطار ضمانات روسية أميركية واضحة تشمل تفعيل سريع للتسويات السياسية في سوريا. لكن القيادات التركية تريد أكثر إجابة واضحة حول أي سيناريو سيتقدم: العودة إلى اتفاقية أضنة بين أنقرة والنظام عام 1997 وهو ما يدعمه الروس والأميركيون والإيرانيون أم تنفيذ بنود اتفاقية تشرين الأول 2019 مع موسكو وواشنطن التي تقضي بابتعاد مجموعات قسد عن الحدود وفتح الطريق أمام المنطقة العازلة عبر تكوين المنطقة الآمنة؟
دمج وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مسألة الحرب على داعش إلى جانب محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني، وهو ما لم تتحدث عنه القيادات التركية منذ فترة. الهدف هنا قد يكون مطالبة تركيا للمتلاعبين بورقة داعش أيضا أن يحسموا موقفهم ووضع حد للمماطلة المتعمدة أميركيا وأوروبيا لإبقاء قسد تحت أجنحتها ورعايتها في شرق الفرات. الإجابة قد تكون عند بوتين طالما أن واشنطن فشلت كما يقال بإقناع حليفها المحلي بقبول اقتراحات السناتور ليندسي غراهام.
تدرك قيادات قسد أن النهاية اقتربت بسبب ضيق مساحة المناورة أمام التصعيد التركي وتراجع فرص الالتفاف الأميركي أمام محور أستانا في منطقة يصعب عليها البقاء فيها حتى ولو استقوت بانتشار حليفها المحلي في مناطق جغرافية واسعة. هناك تنافس روسي أميركي على كسب قسد فمن الذي سينجح في إقناعها بالجلوس في حضنه؟ ربما هذا هو أكثر ما يقلق أنقرة اليوم.
أعلن أردوغان أن بلاده تواصل بناء المساكن الجاهزة لعشرات الآلاف من النازحين في شمالي سوريا وأن الهدف هو إنجاز 250 ألف وحدة منزلية تنتظر مليون لاجئ سوري سيعودون إلى بلادهم من تركيا. تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول “أنَّ أنقرة ستقدم كل أنواع الدعم بما فيه الدعم السياسي لدمشق من أجل إخراج الإرهابيين من المنطقة”، حملت معها أكثر من تساؤل وأغضبت قوى المعارضة السورية. يسعد أنقرة أن تسيطر قوات النظام على الحسكة ودير الزور وإنهاء نفوذ قسد عليها لكن الثمن السياسي قد يكون باهظا في العلاقة مع حلفاء وشركاء الملف السوري منذ عقد.
تفعيل خطط العودة إلى طاولة التفاوض السياسي في الملف الأوكراني بين أهداف أردوغان في حواره مع بوتين بعد إنجاز تفاهمات ممر الحبوب. أنقرة ستلعب ورقة الضغوطات المتزايدة عليها في موضوع المضائق واستمرار منع تنقل البواخر الحربية الغربية. وموسكو قد تتعاون هنا مقابل عودة تركيا إلى طاولة التفاوض مع النظام في دمشق لتكون التسوية سوريا مقابل أوكرانيا رغم معرفة الجانبين بقدرات واشنطن في الرفض والعرقلة.
يدور الحديث عن صفقة تركية روسية باتجاه التصنيع الحربي المشترك لمسيرات بيرقدار رغم أن الشركة المنتجة نفت أي احتمال من هذا النوع. وهناك ربما التنسيق الأميركي اليوناني في مواجهة تركيا وروسيا على السواء وهو ما سيقرب أنقرة وموسكو ويعزز فرص التفاهمات والتسويات والصفقات الإقليمية أكثر فأكثر بين الطرفين. لكن كل ذلك يبقى ثانويا أمام الملفات الأكثر سخونة التي تنتظر أمام طاولة سوتشي.
التفاوض التركي الروسي سيشمل شئنا أم أبينا موضوع إدلب بشقها المتعلق بالتفاهمات التركية الروسية القديمة والمجمدة أيضا. المجموعات الراديكالية هناك تحاول تبديل لباسها فهل سيكفي موسكو ذلك أم هي تريد تنازلات أكبر طالما أن الحديث يدور عن تسويات سياسية في ملف الأزمة السورية بأكملها؟ ثم هناك مسائل تنتظر الحلول مثل الدوريات المشتركة بين الطرفين وخطوط التماس تم التفاهم حولها لكنها لم تفعل كما ينبغي. على النظام أن لا يعتبر قوى المعارضة السورية المعتدلة تنظيمات إرهابية كما تقول أنقرة. فهل سيطبق ذلك على القوى المسيطرة في إدلب؟
وافق الكونغرس الأميركي بالإجماع على قرار يدعو إلى تصنيف روسيا دولة “راعية للإرهاب”، بسبب انتهاكاتها في سوريا وأوكرانيا وجورجيا والشيشان. بالمقابل تحدثت وسائل الإعلام عن استعدادات أميركية روسية لعقد قمة قريبة بين وزير خارجية البلدين. هدف اللقاء بالنسبة للكثيرين هو إبلاغ أنتوني بلينكين نظيره الروسي سيرغي لافروف شخصيا بقرار الكونغرس الأميركي لكن ما يقلق أنقرة التي دعمت روسيا وإيران بمطالبة القوات الأميركية مغادرة سوريا، هو موعد هذا اللقاء. هل سيسبق قمة سوتشي أم سيكون بعدها؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت