حظي تعيين إبراهيم قالن في منصب رئيس الاستخبارات التركية باهتمام من جانب مراقبين وباحثين، كون مسيرته طغت عليها “صبغة سياسية” بامتياز على مدى سنوات، وفي أثناء عمله كناطق باسم الرئاسة التركية.
لكن سيرته الذاتية التي نشرها الموقع الرسمي لجهاز الاستخبارات، يوم الجمعة، أعطت مشهداً مختلفاً لهذا السياسي، الذي يعرف بأنه أحد أبرز المقربين من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وتولى قالن رئاسة الاستخبارات خلفاً لحقان فيدان، بعدما عين أردوغان الأخير في منصب وزير الخارجية، منهياً مسيرة “في الظل” استمرت 13 عاماً.
ونشر الموقع الرسمي للاستخبارات صورة جديدة لقالن، وغيّر القسم المتعلق برئاسة الجهاز، ناشراً السيرة الذاتية للرئيس الجديد.
من هو قالن؟
ولد إبراهيم قالن عام 1971 في اسطنبول، وبعد تخرجه من قسم التاريخ في جامعتها عام 1992 أكمل درجة الماجستير في جامعة ماليزيا الإسلامية العالمية عام 1994.
في عام 2002 أكمل قالن الدكتوراه بأطروحته في العلوم الإنسانية والفلسفة المقارنة في جامعة جورج واشنطن.
وتورد سيرته الذاتية أنه ألقى محاضرات حول الفكر الإسلامي والعلاقات بين الإسلام والغرب في كلية الصليب المقدس وجامعة جورجتاون وجامعة بيلكنت.
وفي 2005-2009 كان الرئيس المؤسس لمؤسسة “سيتا”، أحد مراكز الأبحاث المهمة في تركيا، والمقربة من الحكومة.
“خارجياً وأمنياً”
تولى قالن واجبات مهمة في السياسة الخارجية والأمن، إذ تم تعيينه في منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء المسؤول عن السياسة الخارجية في عام 2009.
وفي عام 2010 أسس وأدار منسق الدبلوماسية العامة في رئاسة الوزراء.
في عام 2011، تم تعيينه عضواً في مجلس أمناء جامعة أحمد يسيفي.
وبعد عام شغل منصب نائب وكيل رئاسة الوزراء للعلاقات الخارجية والدبلوماسية العامة.
بعد حصوله على لقب أستاذ مشارك في عام 2013، تم تعيين قالن في منصب نائب الأمين العام للرئاسة في عام 2014، والتي يتبعها رئيس الاستراتيجية وقسم العلاقات الدولية.
وألقى، في تلك الفترة، محاضرات لطلاب الدراسات العليا في مجال الفلسفة الإسلامية بجامعة ابن خلدون في 2019-2022، وحصل على لقب الأستاذ في عام 2020.
وإلى جانب ما سبق شغل قالن منصب نائب رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في الرئاسة والمستشار الرئيسي للرئاسة المسؤول عن الأمن والسياسة الخارجية في 2018-2023.
ماذا عن سورية؟
وخلال فترة ولايته على مستويات مختلفة من الدولة، تولى قالن مسؤوليات مهمة في مجالات السياسة الخارجية والأمن، وكان أبرزها تبديد شرارة الصدام ما بين أنقرة وموسكو، في عام 2015.
وقبل ثماني سنوات أسقطت تركيا طائرة روسية فوق الأجواء السورية، في حادثة كادت أن تصل إلى نقطة الصدام بين الجانبين، ولاسيما أنها وقعت بعد شهرين من التدخل الروسي لدعم بشار الأسد.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن قالن تولى في تلك الفترة مهمة تبديد وقع الحادثة، إذ عينه الرئيس أردوغان في منصب الممثل الخاص لتجاوز “الأزمة”.
وأشعل التصريح الرسمي الأول الذي أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول إسقاط الطائرة الروسية، معركة كسر عظم سياسية مع الحكومة التركية، حيث اتهمها بأنها داعمة للإرهاب، وأنها وجهت طعنة لروسيا في ظهرها.
وعلل بوتين، حينها، ما ذهب إليه باتهام السلطات التركية بممارسة “سياسة داخلية موجهة نحو أسلمة البلاد كلها”.
وأضاف: “الأمر يتعلق بدعم النزعات المتطرفة في الإسلام”.
بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيدف، أن “أعمال أنقرة أصبحت دليلاً على دعمها للمتطرفين من تنظيم الدولة الإسلامية، وتقويض علاقات حسن الجوار الطويلة بين روسيا وتركيا، ولا سيما في الاقتصاد والمجال الإنساني”.
في المقابل، ظلّت التصريحات الرسمية التركية، متمسكة في أن الطائرة الروسية اخترقت الأجواء التركية مدة من الزمن، وأنه تم تحذيرها قبل إطلاق النار عليها.
وبعد ثلاثة أيام على الحادثة، أعلنت روسيا عن حزمة عقوبات اقتصادية ضد تركيا، بعد أن وقع الرئيس الروسي مرسوماً رئاسياً يتناول المواد التي يُحظر استيرادها من تركيا، ونشاط الشركات التركية في روسيا، والأتراك الذين يعملون لمصلحة شركات روسية في داخل البلاد.
ودعا المرسوم أيضاً إلى وقف الرحلات السياحية التجارية بين البلدين، وفرض مجموعة كبيرة من العقوبات الاقتصادية على تركيا. كما قررت موسكو تعليق نظام دخول المواطنين من دون تأشيرة الذي كان متبعاً بينها وبين أنقرة.
وبالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، قررت روسيا تعزيز دفاعاتها المضادة للطائرات في سوريا من خلال الدفع بطراد حربي قبالة السواحل السورية ونشر صواريخ جديدة في قاعدتها العسكرية هناك.
من جانبها، نصحت وزارة الخارجية التركية المواطنين الأتراك بتجنب السفر الى روسيا إلا للضرورة الملحة، حيث اتخذت هذا القرار عقب تعرض الزائرين والمقيمين الأتراك في روسيا إلى مضايقات.
كما حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حينها، روسيا من “اللعب بالنار” باستخدام قواتها في سورية.
بعد هذه التصريحات المتبادلة، والعقوبات المفروضة من قبل موسكو على أنقرة، دخل البلدان في نفق قطع العلاقات والركود في التعامل، إلى أن تبدد ذلك في عام 2016، بعدما أعلن الكرملين أن “أردوغان اعتذر من بوتين عن إسقاط المقاتلة”، ودعا إلى “إصلاح العلاقات”.
“قضايا حرجة”
وتشير وسائل إعلام مقربة من الحكومة إلى أن قالن تولى مبادرات دبلوماسية كممثل خاص للرئيس أردوغان لإيجاد حل للتوتر بين قطر والسعودية والإمارات، في عام 2017.
وبعد أن لعب دوراً نشطاً في عملية الجمع بين الأطراف للتفاوض في حرب أوكرانيا واتفاقية شحن حبوب البحر الأسود واتفاقية تبادل الأسرى، ترأس قالن الوفد التركي في اجتماعات الآلية المشتركة الدائمة خلال عملية عضوية السويد وفنلندا في “الناتو”.
وقد خدم قالن في الوفد التركي خلال المفاوضات الدبلوماسية لوقف إطلاق النار والحل السياسي للحروب في سورية وليبيا.
وشارك في عمليات التفاوض الدبلوماسية مع اليونان لحل الخلافات في شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه.
وبعد أن لعب دوراً نشطاً في عمليات تطبيع علاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة وأرمينيا وسورية ومصر قدم قالن مساهمات دبلوماسية في تطوير العلاقات الثنائية مع الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين والهند.
ويمتلك قالن مقالات دولية حول السياسة الخارجية التركية، وله أيضاً كتب منشورة في السياسة والفلسفة وتاريخ الحضارة.
ويتحدث الإنجليزية والفارسية والعربية والفرنسية، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، بحسب سيرته الذاتية.