قضية إمام أوغلو في تركيا.. “نتائج ومخاطر” وماذا بعد الحكم؟
أثار الحكم الصادر بحق رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو الكثير من الجدل خلال اليومين الماضيين في تركيا، إذ قضى بسجنه لأكثر من عامين، مع منعه من ممارسة السياسة، بسبب تصريحات أدلى بها بعد انتخابات رئاسة البلدية في العام 2019.
في تلك الفترة، أي قبل أربع سنوات، ألقى إمام أوغلو كلمة عقب قرار “اللجنة العليا للانتخابات” بإعادة إجراء الانتخابات المحلية في إسطنبول للمرة الثانية في 2019، قائلاً إن الذين ألغوا الانتخابات (الأولى) هم “أغبياء”.
وبناء على ذلك أعدّت النيابة العامة دعوى بحقه بتهمة “توجيه إهانات لموظفي القطاع العام”، والمطالبة بسجنه أربع سنوات وشهرا، ومنعه من العمل السياسي.
ورغم أن قرار الحكم بالسجن “ليس نهائياً”، ولكي يصبح كذلك يجب استكمال إجراءات الاستئناف و”المحكمة العليا”، إلا أنه يشكّل محطة “مفصلية” في تاريخ هذا المسؤول السياسي على الخصوص، وعلى صعيد المعارضة التركية ككل، وفق مراقبين.
ويأتي ما حدث إزاء “إمام أوغلو” قبيل ستة أشهر من موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، وبينما ترتبط القضية الخاصة به بمسار قضائي على نحو أكبر، إلا أن مسؤولي أحزاب المعارضة، وخاصة “حزب الشعب الجمهوري” اعتبروا أن إصدار الحكم “ذو دوافع سياسية”.
وبغض النظر عن الإجراءات القانونية، سواء تم إلغاء الحكم في نهاية المطاف أم لا، فمن المرجح أن يكون لهذه الخطوة تداعيات غير متوقعة على المعارضة والانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2023، وفق مقالة للصحفي، راغب صويلو، نشرت اليوم الجمعة.
ويقول صويلو: “من المفارقات أنه في عام 1998، أصدرت محكمة تركية حكماً مماثلاً ضد رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول آنذاك، لتحريض الجمهور بقصيدة، مما جعله ضحية فعلاً وجعله سياسياً بارزاً لديه قصة يرويها – وماض قوي بما يكفي لتحدي التسلسل الهرمي للدولة، والوضع الراهن للفساد آنذاك”.
ويعزز حكم المحكمة الأخير ضد إمام أوغلو “التصور القائل بأنه ضحية لظلم الدولة. والجمهور التركي معجب بالمستضعف”، حسب تعبير الصحفي.
“نتائج ومخاطر”
وفي سياق المقالة التي نشرها على موقع “ميدل إيست آي” تحدث صويلو عن “نتائج ومخاطر”، قد تسود خلال المرحلة المقبلة، كرد فعل على الحكم الصادر بحق عمدة إسطنبول.
وفيما يتعلق بالنتائج يقول الصحفي: “تلطخ اسم إمام أوغلو بسبب سلسلة من الحوادث، مثل أن يكون العمدة دائماً في مكان ما في إجازة عندما تضرب العواصف الثلجية أو الفيضانات المدينة، أو تواصله مع المراسلين الموالين للحكومة في رحلات مدفوعة التكاليف بالكامل إلى مدن أخرى”.
“لقد كافح من أجل تحسين خدمات المدينة، ويرجع ذلك جزئياً إلى منع الحكومة له من الحصول على قروض، واتهم بأنه قريب جداً، من بعض رجال الأعمال المرتبطين بأردوغان”.
ومع ذلك جاء في المقالة: “فقد منحه الحكم الصادر ضده دفعة جديدة، حيث حشد قاعدته الشبابية في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثر على المناقشات العامة في تركيا”.
علاوة على ذلك “انقلبت الآن المفاوضات داخل المعارضة لاختيار مرشح رئاسي لتحدي أردوغان في الانتخابات المقبلة – والتي كان من المحتمل أن تؤدي إلى استبعاد إمام أوغلو للأسباب المذكورة أعلاه”.
ويهدف زعيم المعارضة الرئيسي كمال كلشدار أوغلو، رئيس “حزب الشعب الجمهوري”، إلى أن يكون المرشح، واقترب قادة المعارضة الستة المتبقون في عملية التفاوض من إبرام الصفقة. لكن ميرال أكشينار، زعيمة حزب “الجيد” القومي ما زالت تعارض الاتفاقية.
وحتى قبل صدور حكم إمام أوغلو، كانت أكشينار قد أعطت بالفعل إشارات بأن المفاوضات بين المعارضة يمكن أن تنحرف عن مسارها. وعلى سبيل المثال، أعربت عن استيائها من تعامل “حزب الشعب الجمهوري” مع عملية الاختيار، ولا يبدو أنها تعتقد أن كلشدار أوغلو يمكن أن ينتصر على أردوغان.
بعد صدور الحكم، حضرت إلى اسطنبول وخاطبت الحشود جنباً إلى جنب مع إمام أوغلو، ووعدت بأن “أغنية رئيس البلدية لن تختصر” – في إشارة واضحة إلى أردوغان، الذي يستخدم هذه الكلمات، لوصف رحلته من اسطنبول إلى الرئاسة.
ما هي المخاطر؟
في المقابل وبينما كان إمام أوغلو ينتظر إعلان الحكم الصادر بحقه كان زعيم “حزب الشعب”، كلشدار أوغلو في رحلة غير ضرورية إلى برلين.
يوضح الصحفي صويلو أن “زياراته الأخيرة (كلشدار أوغلو) للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى لم تكن مدروسة جيداً، مما جعله يبدو ضعيفاً من الناحية السياسية. اضطر إلى العودة إلى اسطنبول في وقت متأخر من مساء الأربعاء، لكن تصريحاته حتى الآن لم تكن مؤثرة للغاية”.
ويضيف الصحفي: “موقف إمام أوغلو في استطلاعات الرأي ضد أردوغان أفضل بكثير من موقف كلشدار أوغلو. قد يقدمه قرار المحكمة الأخير هذا باعتباره أقوى مرشح محتمل للترشيح للرئاسة”.
وقال بعض المحللين، إلى جانب أكشنار إن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، زعيم “حزب المستقبل”، على وشك دعم إمام أوغلو كمرشح المعارضة للرئاسة.
ومع ذلك، هناك مخاطر كبيرة على ترشيحه.
ويضيف صويلو: “سيحتاج أولاً إلى استئناف قرار المحكمة أمام محاكم الاستئناف الإقليمية، وإذا لم يكن الحكم في صالحه، فسوف يتابعه في محكمة النقض”.
وفي بيئة عادية، قد يستغرق هذا ما لا يقل عن سنة إلى سنتين. لكن “المكائد السياسية في أنقرة يمكن أن تسرع العملية بسهولة، ويمكن إصدار حكم نهائي قبل الانتخابات في يونيو 2023″، حسب ما جاء المقالة.
وليس من الواضح ما إذا كانت هذه “مخاطرة” قد ترغب المعارضة في تحملها، حيث يمكن تسجيل إمام أوغلو كمرشح رئاسي، ولكن بعد ذلك سيتم شطبه بقرار قضائي قبل الانتخابات مباشرة. “هذا الأمر يمكن أن يترك المعارضة فعلياً بدون مرشح، حيث سيتم منعه على الفور من ممارسة السياسة”.
وقد يجبر ما سبق تحالف المعارضة على دعم كلشدار أوغلو كمرشح رئاسي، أو قد يؤدي إلى تفككه.
ماذا بعد الحكم؟
في غضون ذلك جاء في مقالة على صحيفة “صباح” للكاتب المقرب من الحكومة، برهان الدين دوران أن “القرار غير المتوقع بشأن إمام أوغلو، والذي ورد اسمه بين المرشحين للرئاسة من المعارضة، رفع بلا شك نبض السياسة”.
ويقول الكاتب وهو أيضاً منسق العلاقات الخارجية في مركز أبحاث “سيتا”: “رغم أنه من غير المتوقع أن يتم الانتهاء من قرار إمام أوغلو حتى انتخابات عام 2023، فمن الواضح أنه سيكون الموضوع الذي يتم التحدث عنه كثيراً في أجندة فترة الانتخابات”.
ويضيف: “هذا القرار، الذي يظهر في مكان يوحد المعارضة على المدى القصير، قد يزيد من الخلاف في طاولة الأحزاب الستة وحزب الشعب الجمهوري على المدى المتوسط، لأن إمام أوغلو بدأ بالفعل في استخدام الدعم الممنوح له ليصبح المرشح الرئاسي المشترك للمعارضة”.
“على الرغم من أن كلشدار أوغلو يقول إن عملية اختيار المرشح الرئاسي لن تتأثر، فقد تخرج القضية عن سيطرته من الآن فصاعداً”.
ويتابع دوران: “سيكتب إمام أوغلو قصته الخاصة، ولنرى كيف سيكتبها”.
من جانبه اعتبر الصحفي، راغب صويلو أنه “إذا مُنع إمام أوغلو من ممارسة السياسة خلال العامين المقبلين، فلن يتمكن من الترشح في الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في مارس 2024. سيكون ذلك فوزاً مطلقاً لأردوغان، وإن كان من خلال انقلاب قضائي”.
ويضيف الصحفي: “هناك شيء واحد مؤكد: حكم إمام أوغلو أعاد تنشيط المعارضة ووفر لهم فرصة لحشد قاعدتهم خارج ناخبيهم التقليديين، حيث يمكنهم الآن تقديم أنفسهم كأحزاب تواجه الظلم – وهو نفس النوع الذي واجهه أردوغان قبل 20 عاماً”.
“هناك أكثر من ستة أشهر على الانتخابات، لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها بقوة”.
ويؤكد صويلو “على حقيقة أن السياسة التركية شديدة التقلب، وأن الألعاب البيزنطية جزء من الثقافة المحلية: الطعن في الظهر، والانقلابات القضائية، والمكائد البيروقراطية لعرقلة الحملات، والتسريبات لتقويض المنافسين. كلها أمور طبيعية. لقد بدأنا للتو. سنرى المزيد من هذا في الأيام المقبلة، وسيتعين على الناس التفكير بشكل أكثر إبداعاً حول كيفية الفوز في انتخابات لاحقة في تركيا”.