أصدر نظام الأسد مؤخراً وخلال ثلاثة أسابيع فقط، سلسلة قوانين تتعلق بمؤسسته العسكرية، ما أثار تساؤلات حول هدف هذه القرارات وسياقها، وهي التي وصفها مسؤول عسكري في وزارة دفاع النظام، أنها تأتي ضمن “خطة إصلاح” تسير مراحلها بـ”بسرية”.
والقرارات حسب مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع في حكومة الأسد، اللواء أحمد سليمان، تستهدف “تشكيل جيش احترافي متطور نوعي”، وذلك بـ”قرار جربئ” من بشار الأسد، قائلاً في مقابلة مع “قناة السورية“، يوم السبت الماضي، إن “الخطة تسير بصمت وسرية”.
لكن باحثين عسكريين وضباط سابقين، قالوا خلال حديثهم لـ”السورية.نت”، إن إصدار هذه القوانين، خلال فترة زمنية لم تتجاوز العشرين يوماً، تشير إلى استراتيجيات يعمل عليها نظام الأسد، هدفها “تحصيل الموارد البشرية والمادية” لـ”إعادة هيكلية الجيش”.
وعلى مدى السنوات الماضية، تعرض جيش النظام لأزمات كبيرة، في مجال موارده البشرية، حيث تأثر بانشقاقات داخل صفوفه، وفقدان أعداد كبيرة من العناصر نتيجة للمواجهات العسكرية، كما شهد تراجعاً كبيراً في استعداد الأفراد للالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية.
“عفو”و”حوافز”..”حل ودمج”
من أبرز هذه القرارات كانت إصدار مرسوم “عفو عام” عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي، في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعقبه قرار بفتح باب التطوع للأفراد وصف الضباط، نشرت شروطه وزارة الدفاع عبر موقعها الرسمي في 21 من الشهر نفسه.
وكانت عقود التطوع تُعلن سابقاً بشكل روتيني، مقتصرة على الأوراق المطلوبة والشروط الأساسية، لكن العقود الحالية شهدت تطوراً في صياغتها، حيث تضمنت حوافز مالية عالية(قياساً برواتب مؤسسات الدولة)، وتحديداً لمدة العقد.
ومن شروط عقد التطوع الجديد “أن يكون متمتعاً بالجنسية السورية منذ خمس سنوات على الأقل، وأن يكون قد أتم الثامنة عشرة ولم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره حين التقدم للتطوع”.
وحسب الشروط فإن كل متطوع سيحصل على “راتب شهري يتقاضاه وفق رتبته، يضاف إليها تعويض الميدان بنسبة 100%، وبدل سكن بنسبة 100%، والعبء العسكري بنسبة 100″، إضافة إلى 100 ألف ليرة عن كل مهمة قتالية و150 ألف ليرة سورية بدل مواصلات.
ووفقاً لما أكده مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة الأسد، فإن قيمة الراتب الذي سيحصل عليه المتطوع مع التعويضات، لن يقل عن مبلغ مليون و350 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل حوالي 100 دولار أمريكي حسب سعر صرف الليرة.
وفي سياق مقارنة الرواتب، يبلغ راتب المجند في قوات الأسد، بعد مرسوم زيادة الرواتب الأخير الصادر في يوليو/ تموز الماضي، 220 ألف و40 ليرة سورية (حوالي 16 دولاراً أمريكياً)، في حين يُقدر راتب أدنى رتبة في صف الضباط (رقيب) بنحو 255 ألف و160 ليرة سورية (تقريباً 18.5 دولار أمريكي).
كما أصدر بشار الأسد مرسوماً، مطلع الشهر الحالي، يجيز بدفع بدل عن الخدمة العسكرية الاحتياطية، ممن بلغوا سن الـ 40 من عمرهم ولم يلتحقوا بعد، مقداره 4800 دولار أميركي أو ما يعادله بالعملة السورية”.
و”يجيز لمن التحق بالخدمة وبلغ سن الـ 40 وما زال يؤدي الخدمة، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه المكلف”.
وأعقب ذلك صدور قرار إداري من الأسد، في 4 من الشهر الحالي، ينص على إنهاء استدعاء الضباط الاحتياطيين (المدعوين الملتحقين) والاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين، لكل من يتم ست سنوات وأكثر.
في حين أصدرت وزارة الدفاع تعميماً، أمس الثلاثاء، بشأن “قبول طلبات تسوية أوضاع المكلف بخدمة العلم الأمنية والتجنيدية الذي دخل أو غادر سورية بطريقة غير مشروعة”.
واعتبرت الوزارة أن القرار يهدف إلى “إفساح المجال أمام المواطنين السوريين ومن في حكمهم لتسوية أوضاعهم الأمنية والتجنيدية والذين اضطرتهم الظروف لمغادرة القطر بطريقة غير مشروعة”.
وإضافة إلى القرارات السابقة، عمد نظام الأسد إلى حل ودمج عدد من الإدارات خلال الفترة الماضية، دون الإعلان عنها بشكل رسمي، حسب ما قاله أحد العسكريين في قوات الأسد لـ”السورية نت”.
وأضاف أن النظام قام بحل إدارة الكيمياء وإبدالها بإدارة الوقاية الكيمائية، كما دمج الأشغال العسكرية مع الإسكان العسكري، ودمج إدارة النقل مع إدارة المركبات، إضافة إلى حل إدارة الحرب الالكترونية ودمجها بإدارة الإشارة.
الأهداف..ولماذا الآن؟
وبينما اعتبر محللون، أن الهدف الرئيسي من هذه القرارات، تحصيل الأموال للمؤسسة العسكرية وزيادة تمويل خزينة النظام بالعملة الصعبة، يشدد خبراء آخرون على أن هذه القرارات تتجاوز مجرد جوانب التمويل، وترتبط بشكل أساسي بإعادة هيكلة وبنية جيش النظام.
الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن المصطفى، يشير إلى هدفين محتملين وراء القوانين الأخيرة، خاصة قرار التطوع في الجيش.
الهدف الأول هو سحب عناصر الميليشيات المحلية إلى الجيش، كون النظام يتجنب دمج هذه الميليشيات ككلتة واحدة في هيكل الجيش الحالي.
ويؤكد المصطفى أن النظام يواجه صعوبة في حل الميليشيات حالياً بشكل فوري، بسبب احتمالية احتياجها مستقبلاً فيما لو تجددت المعارك.
والمقصود بالميليشيات هنا، هي المجموعات المسلحة المحلية التي تشكلت من عناصر سوريين، إضافة لمن هو بحكم السوريين مثل الفلسطينيين الذين يخدمون في “جيش التحرير الفلسطيني”.
وأشار المصطفى إلى أن العناصر الأجنبية الذين قد يكون بعضهم حصل على الجنسية في سورية من أفغان وباكستان وغير ذلك، يمكنهم التطوع في الجيش، كون شرط التطوع نصت على أن يحمل المتطوع الجنسية السورية منذ خمس سنوات.
أما الهدف الثاني من القرارات، حسب المصطفى، تحصيل موارد بشرية جديدة، خاصةً من بين الشباب في فترة العمر بين 18 و32 عاماً.
ويرى المصطفى أن هناك نقصاً في الموارد البشرية داخل النظام، الذي يعتمد على استراتيجية جذب الشباب من خلال تقديم عروض تحفيزية، مثل إعفاء من الخدمة الإلزامية في حال التطوع لمدة خمس سنوات، مؤكداً أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى كسب ولاء المتطوعين عن طريق منحهم سلطة، وفتح باب الرشاوى، وتوفير ميزات إضافية.
ويعتبر أن هذا النهج يدفع المتطوعين إلى التفكير في تجديد عقودهم لفترات إضافية، سواء لمدة خمس سنوات أو عشر سنوات إضافية، مشدداً على أن استمرارية الجيش في جبهات المعارك، تعتمد على ولاء المتطوعين والميليشيات، وهم الذين يشكلون مصدراً هاماً للموارد البشرية للنظام.
وكانت ورقة بحثية لـ”مركز عمران”، صدرت العام الماضي، كشفت أن نظام الأسد يحاول “عسكرة المجتمع” من خلال دفع شريحة الشباب للتطوع في قوات الأسد والميلشيات التابعة لها، عبر زيادة رواتب العسكريين، التي تفوق رواتب الوظائف الحكومية المدنية.
وبينما يتوافق المحلل العسكري العميد أحمد رحال، مع أن هدف النظام من هذه القرارات هو جذب العناصر المتواجدة في الميليشيات، إلا أنه يشير إلى أن تحقيق ذلك يعتبر غير ممكن في الوقت الحالي.
ويرى رحال في حديث لـ“السورية. نت”، أن رفع رواتب المتطوعين الجدد سيستلزم رفع رواتب المتطوعين القدامى، وبالتالي زيادة رواتب الجيش والشرطة، مؤكداً أن النظام لا يستطيع تحمل هذا المبلغ في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
ويضيف العميد رحال، أن العامل المادي حالياً يُعتبر أساسياً في توجيه قرار الشباب بخصوص انضمامهم إلى جيش النظام الرسمي، أو الميليشيات “الرديفة” التي كانت رواتبها أضعاف الراتب الحكومي الرسمي.
من جانبه يعتقد الباحث محسن المصطفى أن النظام لديه القدرة على دفع الرواتب من خلال آليتين. الأولى هي قدرته على طباعة أوراق نقدية بلا رصيد، وهي سبب أساسي وراء ارتفاع التضخم في البلاد، أما الآلية الثانية تتعلق بفرض رسوم بدل للخدمة الإلزامية والاحتياطية على السوريين داخل البلاد وخارجها.
معتبراً أن هاتين الوسيلتين مكّنتا النظام من توليد الإيرادات اللازمة لدفع الرواتب.
“خطوة مقابل خطوة”
وإلى جانب الأهداف السابقة، يُشير محللون عسكريون إلى وجود أهداف إضافية وراء القرارات الأخيرة لنظام الأسد، أحدها هو تنفيذ مطالب عربية واردة ضمن ما يُعرف بـ “المبادرة العربية”.
وحسب رحال، فإن جزء من تلك المطالب التي قدمت للنظام ضمن مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، هي إعادة هيكلة الأمن والجيش في سورية.
ويشير رحال إلى أن النظام يحاول إبداء التجاوب مع تلك المطالب العربية، وإظهار نفسه بأنه قادر على “إعادة هيكلة الجيش، وتشكيل جيش متطوع احترافي”، في حين يظهر “الواقع عدم قدرة النظام على تنفيذ أي إصلاحات فعالة في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي تمر بها سوريا حالياً”.
ويتفق مع هذا الرأي، المحلل العسكري، العقيد خالد مطلق، الذي اعتبر أن النظام يحاول إعطاء صبغة لقواته على أنها “جيش محترف”، مما يتماشى مع تلبية بعض الشروط التي طلبها العرب من الأسد لإصلاح الجيش والأمن.
أين روسيا وإيران؟
ولا يمكن الحديث عن إعادة هيكلية قوات النظام، دون وجود دور لحليفيه الأساسيين المتواجدين عسكرياً في سورية، روسيا وإيران.
وعملت إيران خلال السنوات الماضية على تأسيس ودعم ميليشيات تابعة لها من عناصر أجنبية، في حين ألمحت خلال الأشهر الماضية إلى إمكانية تدريب القوات الرسمية لنظام الأسد.
وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيراني، اللواء محمد الباقري، إن “الجيش السوري بحاجة إلى إعادة تأهيل، وإيران جاهزة لمساعدة الجيش السوري في مجالات الصيانة والتدريب والتجهيز”.
التصريح الإيراني جاء بعد تعثر الخطط الروسية لإعادة تأهيل جيش النظام. فحسب دراسة لـ”معهد الشرق الأوسط” في 2021، حاولت روسيا إعادة هيكلة “الجيش السوري”، عبر تنفيذ خطة إبعاد وكلاء إيران من مناطق حساسة داخله، والإشراف على قطعات عسكرية مهمة.
إلا أن الروس واجهوا “تمرداً داخل الجيش” على الأوامر الروسية، ما جعلها تدرك صعوبة إعادة هيكلته، فتوجهت إلى عمليات بناء القوة الرديفة لها وتحت تدريبها، وأهمها الفرقة 25 بقيادة سهيل الحسن.
واعتبر المحلل العسكري خالد المطلق، خلال حديث لـ”السورية.نت”، أن تحركات النظام بشأن إعادة هيكلية الجيش، تأتي “ضمن المشاورات المستمرة بين روسيا وإيران بشأن القضايا الداخلية والخارجية في سورية”.
بينما يرى الباحث محسن المصطفى، أن الروس حاولوا منذ تدخلهم في سورية، الاستثمار بالمؤسسة العسكرية، وسيطروا على منصب رئيس هيئة الأركان لمدة تتجاوز الأربع سنوات بعد تولي مهامه منذ 2018، عندما عين الأسد العماد علي عبد الله أيوب الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان وزيراً للدفاع”.
علي أيوب.. صديق روسيا “الوفي” الذي يقود “جيش الأسد” بِمَنصِبين
وبقي منصب رئيس الأركان، الذي قد يتفوق بالأهمية على منصب وزير الدفاع كونه يتعلق بقيادة القوات والعمليات العسكرية، شاغراً حتى نيسان 2022، بعد تعيين اللواء عبد الكريم محمود إبراهيم رئيساً للأركان.
ويشير المصطفى إلى أن الحرب الأوكرانية أدت إلى سحب عدد من الضباط الروس من سورية، وبالتالي تخفيف الاهتمام الروسي بالملف السوري، في حين تسعى إيران إلى فرض اتفاقيات عسكرية مع نظام الأسد.
لكنه يرى أن محاولة نظام الأسد إعادة هيكلية الجيش هو “التخلص من أي ولاء لروسيا وإيران، لأن هدفه أن يكون الولاء لبشار الأسد والمؤسسة العسكرية فقط دون وجود أي ارتباط مع جهة ثانية”.
ويعتقد المصطفى أن الضابط لهذه التغيرات في الجيش وتنفيذ الخطة هو وزير الدفاع علي محمود عباس، المعين منذ أبريل/ نيسان العام الماضي.
ويشير إلى أن كل وزراء الدفاع السابقين جاؤوا من وحدات عسكرية مقاتلة، أما عباس لم يخدم سابقاً في فرق عسكرية مقاتلة، وإنما اتبع دورات باختصاصات غير قتالية، وبالتالي هو “ضابط تقني وليس ضابط قتال”.
وحسب وزارة الدفاع فإن عباس اتبع دورة “في توجيه دفاع الدولة في هولندا 2004، ودورة في إصلاح القطاع الأمني في الدول الخارجة من الصراعات في بريطانيا عام 2006”.
واعتبر المصطفى أن عباس كان يتم تجهيزه لهذا المنصب منذ سنوات، لإعادة هيكلية الجيش تحت إشراف بشار الأسد.