لطالما كان كورنيش جبلة الساحلية، مقصداً رئيسياً لسكان المدينة وزائريها، للتنزه وسط جمال منظره الطبيعي، ومتنفساً لهم من صعوبات الحياة المتزايدة، لكنه اليوم بات عبارة عن طريق طويل أشبه بسوق مملوءٍ بالبضائع، بسبب كثرة الإشغالات التي منحتها بلدية المدينة لزيادة مداخيلها.
وبعد أن كان كورنيش جبلة من آواخر السواحل التي هي بمثابة “ملكٍ للجميع..خاصة البسطاء” كما يقول أحد السكان، بعد فقدان سكان مدينة اللاذقية قبلهم نعمة الطبيعة لصالح من يطلق عليهم الأهالي “حيتان الاستثمار السياحي”، بدأت هذه الصورة تتغير خلال العامين الأخيرين، مع تخصيص بلدية المدينة مساحات أكبر من الكورنيش لصالح الاستثمار.
بالكاد يُرى
يؤكد عدنان وهو شاب من أبناء مدينة جبلة، أن العامين الماضيين شهدا افتتاح أكثر 6 من “منشئات سياحية”، تفصل بضعة أمتار فقط بين الواحدة والأخرى “هذا عدا عن مقاهٍ قديمة افتتحت منذ عقود”.
وأضاف: “منحت البلدية رخصاً بالاشغال لعشرات الأكشاك بعضها مخصص لبيع المشروبات، وأخرى للذرة والفول، وأخرى لألعاب الأطفال. وجميعها تصطف بجانب بعضها، وبدل أن ينعم الناس بالمنظر الطبيعي باتت هذه الأكشاك والمقاهي هي الغالب على كامل الكورنيش، رغم أنه يمتد لمسافة طويلة تصل إلى أكثر من 15 كم”.
واعتبر الشاب الثلاثيني في حديثه لـ”السورية نت”، أن” المشكلة ليست في كثرة الإشغالات، بل في مخالفتها للشروط، وتجاوزها للقوانين والأعراف، لاسيما أنه من المعلوم أن من يحصل على هذه الرخص ليس أي تاجر، بل هم متنفذون”.
“صفقات مشبوهة”
قبل أيام كشفت “جبلة وكالة إخبارية”، وهي إحدى الصفحات الإعلامية الموالية للنظام في المدينة، عن أربع استثمارات بحرية جديدة على كورنيش جبلة، ونشرت صور لآلياتٍ تعمل على إزالة الصخور من الواجهة البحرية وتساءلت:” هل هي استثمارات دائمة أو مؤقتة؟، مشاريع وأبراج أم مقاهٍ وفنادق ومطاعم؟ هل هي مشاريع حكومية أم استثمارات خاصة لأشخاص؟ وكيف حصلوا عليها أو شركات أو مزاد تم طرحه لم نسمع ابداً عنه؟”.
كما نشرت الصفحة صورة لبناء سكني أقيم بشكل مخالف على الكورنيش البحري مباشرة، وأشارت أن هذه الإجراءات رافقها ردمٌ في بعض أجزاء الخليج الذي يطلق عليه الأهالي شعبياً اسم (ميناء العزي)، ورأت أن هذا الاجراء “مجزرة بحرية” بحق السكان الذين سيُحرمون من المتنفس الوحيد “لصالح أحد المنتفعين”.
من جهته أوضح مسؤول” لجان التنسيق المحلية” في مدينة جبلة، أبو يوسف جبلاوي، في حديث لـ”السورية نت”، أن المشاريع الأربعة التي تقام حالياً على الكورنيش البحري تقام بصفة “غير مشروعة”، لاسيما أنه لا يوجد أي لافتات تشير للمشروع كما هي العادة عند إقامة مزادات.
وأضاف نقلاً عن مصدر من بلدية جبلة، أن المشاريع تعود لمحافظ ريف دمشق السابق، علاء ابراهيم، وهو أحد سكان مدينة جبلة ممن صاهر “آل نجيب” أقرباء عائلة “الأسد”.
كما ذكر أن المشروع بدء قبل عدة أشهر، إلا أنه جُمّد بعد إقالته والحجز على أملاكه، فيما بقي البناء السكني على حاله.
من جانب آخر لفت جبلاوي الذي يقول إن له علاقات داخل بلدية جبلة، أن “الفساد لا يقتصر على هذه المشاريع فحسب، بل تتعدها إلى عشرات الصفقات المشبوهة التي تتم داخل البلدية، عبر مزادات وهمية لمتنفذين، لافتتاح مشاريع تجارية على الكورنيش”.
ووفق المصدر فإن تعهدات هذه الإشغالات تتم وفق” أرقام وهمية”، ينتفع من خلالها بعض المتنفذين”، وأعضاء من البلدية، وهي “سرقة للمال العام”، في حين تم إغراق الكورنيش البحري بعشرات من هذه العقود والإشغالات خلال فترة زمنية قصيرة.
وتقع مدينة جبلة الساحلية، إلى الجنوب من مركز محافظة اللاذقية بـ25 كيلو متراً، وتُعرف مع أريافها بتنوع طبيعتها الخلابة، فضلاً عن أن المدينة المجاورة حالياً لقاعدة “حميميم” الروسية، تحوي آثاراً تاريخية رومانية وإسلامية، و لها جذور تاريخية ممتدة من زمن الفينيقين.