“كومجي أبو حلب” يتحدى الظروف بسيارة متنقلة في إدلب (صور)
على الرصيف الغربيّ محاذاة دوار “السبع بحرات” في مدينة إدلب، تستقبل المارين هناك، عبارة “كومجي أبو حلب”. على غطاء أبيض التحف سيارة صغيرة، لشاب متوسط القامة، أسمر البشرة، يحاول بما استطاع سبيلاً أن يعالج مشكلات الزبائن المرتبطة بالآليات التي يستخدمونها سواء كانت سيّارة أو دراجات ناريّة، بأبسط الحلول التي توفر عليهم التكاليف المرتفعة وتيسّر عمله وتحفظ استمراريته بـ”السمعة الحسنة”.
في المكان ذاته، يتقدم الشاب مالك ديب، السيارة الصغيرة التي حوّلها إلى ورشة “متواضعة”، لصيانة “إطارات السيارة والدراجات الناريّة”، بديل المحال والورشات التقليدية.
وتهجّر مالك منذ حوالي خمس سنوات من مدينة حلب بـ”الحافلات الخضر”، بعد اجتياح قوات الأسد والميلشيات الموالية لها بدعم روسي أحياء المدينة الشرقية، ووصل إلى مدينة إدلب بصحبة عائلته وأطفاله.
ومالك واحد من آلاف الشباب الذين فرضت ظروف التهجير القسري واقعاً جديداً عليهم، وسط تحديات كبيرة أبرزها التدهور الاقتصادي وغياب فرص العمل، علاوةً على القصف والتهديد الأمني.
“لن أستسلم للتهجير”
تهجّر مالك من مدينة حلب، بعد أن شهد حصارين اثنين، مثل باقي سكان المدينة، وانتهى المطاف به مهجراً إلى إدلب، لكن “تأمين حياة كريمة لعائلتي كان هاجساً كي لا أستسلم للتهجير وأبدأ حياةً جديدة”.
يوضح الشاب ديب لـ”السورية.نت”، أنّ مهنة “الكومجي”(بحسب اللهجة المحلية السورية) وهي تصليح عجلات السيارات والدراجات، تعلّمها من والده قبيل تهجيرهم من مدينة حلب، وكان معيناً له ومساعداً ضمن الورشة حتى أتقنها وصار معلّم المهنة”.
بعد وصولهم إلى مدينة إدلب واستقرار العائلة المهجّرة فيها، قرر مالك أن يستثمر خبرته في تصليح الإطارات وصيانتها، والبدء في عمل يؤمن حياة كريمة لأطفاله وعائلته، لكن بطريقة تناسب حاله المعيشي وقدراته المادية.
يضيف أنّ “خيار السيارة كان بسبب أجور المحال المرتفعة التي تصل إلى 200 دولار أمريكي في المدينة، لأنّ هذه الأرقام ربما لا يغطيها عملي في هذه المهنة، وربما أخسر”.
وعن بيئة العمل الجديدة في السيارة، يوضح أنّ “السيارة ليست بيئة عمل مريحة قياساً بالمحل أو الورشة الطبيعية، لكن في سبيل أن أوفر أجار المحل لعائلتي مضطر أن أتأقلم مع هذا المكان الضيق والصغير”.
ويلفت إلى أنّه يرضى بالأجرة القليلة، وكل ما يطمح إليه أن يوفّر يومية مناسبة تساعده على شراء حاجيات عائلته، في ظل تدهور اقتصادي وغلاء عام في المنطقة.
وتعصف في منطقة شمالي غربي سورية، أزمة غلاء واسعة بعد تدهور صرف الليرة التركية أمام الدولار مؤخراً، وسط تراجع فرص العمل وتفشي البطالة.
كيف يواجه شمال سورية الغلاء؟..خبير اقتصادي يتحدث عن “حلول ومقترحات”
طموح
لن يكون شيئاً جيداً بالنسبة للشاب مالك أنّ عمله مستقبلًا سيبقى على حاله ـ في السيارة، لأنّه مؤشر على تراجع مدخوله وتطور أدائه، بحسب ما يوضح.
يردف: “أتمنى أن أفتتح ورشةً واسعةً وفي مكان مزدحم يقبل إليه الزبائن من كل مكان، إلى جانب عمّال أدربهم وأعلمهم على يدي هاتين، كما فعل والدي سابقاً معي ومع إخوتي”.
يتطلع مالك أيضاً أن تتوسع أدوات عمله وبضاعته، ويشير إلى أنّ توفّر “رأس مال” جيد، من الممكن أن يؤمّن له فرصةً لعرض بضاعة واسعة من الإطارات الجديدة والقديمة وبمختلف أنواعها، ما يتيح أمامه فرصاً أعلى للربح.
يعتبر مالك أنّ “الإصرار على العمل في مهنتي التي تربيت عليها، وعدم استسلامي لمحنة التهجير التي تعرّضتُ لها مع عائلتي، هو صمود بحد ذاته، وهي حالة عامة هنا، و طبيعية، لأنّ التهجير صار سمةً عامة في المجتمع، فضلاً عن آلاف المهجرين الذين وصلوا إلى إدلب واستمروا في أعمالهم ومهنهم”.