بعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية في شهر مايو/أيار الماضي تسود تكهنات بشأن طريقة التعاطي الإيرانية مع هذه الخطوة في المرحلة المقبلة.
وجاءت العودة بعد أكثر من عقد من الفظائع واسعة النطاق التي ارتكبتها قوات بشار الأسد ضد السوريين، ووسط سلسلة تحركات أقدمت عليها دول المنطقة.
ولم يكن قرار الدول العربية “تأييداً لنظام الأسد بقدر ما كان اعترافاً بالحقائق الجيوسياسية التي لا مفر منها والتي فرضتها قبضته الدائمة على السلطة”، حسب مقال تحليلي نشره الباحث حميد رضا عزيزي.
كما عكس قرار العرب تحولاً في المصالح الإقليمية وتوازن القوى، فضلاً عن إبراز الانقسام بين العالم العربي والغرب حول كيفية معالجة الأزمة السورية المستمرة.
ومع ذلك، فإن عودة النظام إلى الكتلة الإقليمية العربية تطرح سؤالاً رئيسياً: كيف ترى إيران، الحليف المقرب من الأسد واللاعب الرئيسي في الشرق الأوسط هذا التطور؟
وتكهن بعض المراقبين بأن قبول الأسد، من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، كان مدفوعاً في المقام الأول بالرغبة في كبح جماح النفوذ الإقليمي لإيران.
واعتقدوا بأن “إخراج دمشق من البرد قد يعمل على تعويض النفوذ الإيراني في سورية”.
لكن مصادر مقربة من الحكومة الإيرانية وخبراء محليين رسموا صورة مختلفة، من منطلق “الدور الحاسم الذي لعبه الدعم الإيراني في تأمين عودة سورية إلى جامعة الدول العربية”.
“سؤال رئيسي”
وعشية قمة الجامعة العربية في جدة، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سورية على رأس وفد من كبار المسؤولين.
وكان رئيسي أكبر مسؤول إيراني يزور دمشق منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وأشادت وسائل إعلام رسمية ومسؤولون في إيران بالزيارة، واصفين إياها بـ “انتصار محور المقاومة”، كما تم تفسيرها على أنها “استعراض لنفوذ إيران المستمر في سورية”.
في غضون ذلك يشير الباحث عزيزي إلى أن “قرار الجامعة العربية بإعادة قبول سورية جاء بعد شهرين فقط من إعلان إيران وخصمها الإقليمي الرئيسي السعودية اتفاق مصالحة أنهى سبع سنوات من العداء الصريح وقطع العلاقات”.
وجادل بعض المراقبين بأنه من المحتمل ألا يتم قبول سورية مرة أخرى في جامعة الدول العربية بدون هذا التقارب المسبق بين طهران والرياض.
وكان رد فعل إيران الرسمي على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية “إيجابياً ومباركاً”.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، ناصر كنعاني إن “حل الخلافات بين الدول الإسلامية وتعزيز التقارب والتعاون فيما بينها لهما نتائج إيجابية على صعيد الاستقرار والسلام الشامل” في المنطقة.
وأضاف أن “جمهورية إيران الإسلامية ترحب بهذا النهج”.
بدوره رحب علي أصغر خاجي كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني بـ “التطورات الإيجابية في العلاقات بين الدول العربية وسورية”، قائلا إنها “ستفيد شعوب المنطقة وأمنها”.
وما سبق يعكس موقفاً إيرانياً إيجابياً إلى حد كبير من العودة.
ويوضح الباحث عزيزي أن “الرواية الإيرانية ترى في قرار الدول العربية انتصاراً للمقاومة ضد مؤامرة خارجية سعت للإطاحة بالأسد”.
وترى إيران أيضاً في هذه الخطوة إضفاء الشرعية على دعمها للأسد، الذي يعترف به الآن نظرائه العرب كزعيم لسورية.
علاوة على ذلك، فإن عودة النظام إلى جامعة الدول العربية يمكن أن تحفز انتعاشه الاقتصادي وإعادة بنائه.
ويمكن لدور الدول العربية في هذه الجهود أن يزيد من توطيد حليف إيران، بل ويعرض لطهران آفاقاً للتعاون الاقتصادي مع بعض الدول العربية، لا سيما بالنظر إلى التسهيلات الأخيرة للعلاقات مع المملكة العربية السعودية.
وقد تنظر إيران إلى ذلك على أنه فرصة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية.
ويرى الباحث الإيراني أن “عودة النظام يمكن أن توفر لإيران منصة للتأثير على قرارات الجامعة”.
ويمكن أيضاً أن “يؤدي هذا إلى تعطيل الموقف العام المناهض لإيران، وبالتالي منح الجمهورية الإسلامية عنصراً من عناصر النفوذ الدبلوماسي في السياسة الإقليمية”.
“قلق”
ورغم ما سبق فإن إيران تدرك أن إعادة دمج النظام في جامعة الدول العربية يمكن أن يقلل من اعتماده عليها، لأنها تزيد من تفاعله مع لاعبين إقليميين آخرين.
وركز التقارب بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في المقام الأول على الحد من مخاطر الصراع واستعادة العلاقات الطبيعية، على الأقل في الوقت الحالي.
ولم يتطرق ذوبان الجليد بعد إلى التنافسات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية العميقة التي ميزت هذه العلاقات على مدى عقود.
وإلى جانب القدرة الاقتصادية المحدودة لإيران بسبب العقوبات والفساد المستشري، يمكن أن يؤدي تعزيز المشاركة العربية في سورية إلى تجاوز المصالح الاقتصادية لإيران.
ولذلك يؤكد البعض في إيران أن هناك حاجة لاتخاذ إجراء سريع لاستعادة عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها طهران على دعم الأسد.
ويوضح الباحث عزيزي أن “القلق الإيراني الآخر هو النفوذ المحتمل الذي قد يكون للعلاقات العربية المتجددة مع دمشق على نفوذ طهران ومصالحها في سورية”.
وقد تحاول الدول العربية إقناع الأسد بالحد من الوجود العسكري الإيراني وأنشطته في البلاد.
ومع ذلك أثبت رأس النظام بشار الأسد “مهارته في اللعب بيت لاعبين مختلفين ضد بعضهم البعض – حتى حلفاءه المخلصون إيران وروسيا – ولديه الآن مساحة أكبر للمناورة، وقد لا يبشر هذا بالخير لمصالح طهران”.
ومما يزيد هذه المخاوف الإيرانية احتمال أن تضغط بعض الدول العربية على النظام تجاه التطبيع مع إسرائيل، أو على الأقل إقامة شكل من أشكال التسوية المؤقتة.
وقد يشمل ذلك تقديم حوافز اقتصادية أو دعم سياسي مقابل تنازلات في قضايا رئيسية، مثل دور “حزب الله” اللبناني.
“تحديات وفرص”
ومن غير المرجح أن تؤدي عودة النظام إلى الجامعة إلى تغيير جوهري في دور إيران الإقليمي أو تطلعاتها.
وستستمر طهران، بحسب الباحث الإيراني “في متابعة أهدافها ومصالحها الاستراتيجية في سورية وخارجها، بغض النظر عن الوضع الدبلوماسي لحليفها أو تحالفها”.
كما ستحافظ إيران على تحالفها الوثيق مع نظام الأسد، وكذلك مع “حزب الله” وجماعات “المقاومة” الأخرى في المنطقة.
ولذلك فإن عودة النظام “تمثل تحديات وفرصاً لإيران، ما يجبرها على التكيف مع البيئة الإقليمية المتغيرة، وتحقيق التوازن بين مصالحها ومصالح الجهات الفاعلة الأخرى”.