كيف يمكن أن يؤثر دور تركيا في الأزمة الأوكرانية على التوازنات في سورية؟
(نُشر هذا التقرير لأول مرة في 11 مارس/آذار 2022 على موقع star باللغة التركية)
مؤخراً بدأت تظهر الكثير من الآراء التي تقول بأن قوة روسيا، التي كان لها تأثير كبير في سورية، بدأت تضعف بعد هجومها العسكري على أوكرانيا، وأن نظام الأسد أصبح معزولاً في مواجهة المعارضة داخل البلاد. سألنا الخبراء حول هذه الآراء وعن والموقف الروسي الحالي في سورية.
حسب رأي “عمر بهرام اوزدمير, Ömer Behram Özdemir” الخبير في الدراسات السورية، فإنه يمكن أن يكون لموقف تركيا البنّاء من الحرب “الروسية-الأوكرانية” نتائج إيجابية على وضعها في سورية، حيث قال:” إن الدور البناء لتركيا واحتمال ان تلعب دورها كوسيط في المفاوضات، يمكن أن يكون له نتائج إيجابية على علاقات أنقرة مع روسيا على المدى القصير إلى المتوسط في إدلب وريف حلب”.
صوت “نظام الأسد” في سورية، بـ “لا” على مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يدين الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.
يرى الكثير من الخبراء والمحللين ان موقف “سورية” تجاه الحرب “الروسية – الأوكرانية” ما هو الا نتيجة طبيعية لولاء وارتباط “الأسد” السياسي والاقتصادي والعسكري ببوتين.
كانت قررت الدول الغربية فرض عقوبات في العديد من المجالات على روسيا بعد أن شن بوتين عملية عسكرية ضد أوكرانيا.
تدور نقاشات جادة لآراء تقول بأن العقوبات في المجالين الاقتصادي والسياسي، سينتج عنها بشكل خاص عزل سياسة روسيا تجاه سورية الداعمة لنظام الأسد فيها.
قام الخبراء المختصين بتقييم هذه الآراء وآثار الحرب الروسية الأوكرانية على سوريا لصحيفة “Star Gazetesi” التركية.
” قد نشهد هجوماً في أوكرانيا مشابهاً لما حدث في حلب في أي وقت”
يرى “كوشكون باشبوغ Coşkun Başbuğ ” الخبير في مجال الإرهاب والأمن، إنه من السابق لأوانه القول بأن نظام الأسد أصبح معزولًا “وحيداً”، ويتابع: “إذا شهدت روسيا حصاراً بشكل متزايد، ودخلت في دوامة المعاناة من اضطرابات خطيرة في سياساتها الداخلية، عندها يجب اعادة تقييم الأجندة الرئيسية حولها وعن سورية. ولكن في الوقت الحالي ما يزال من المبكر للغاية والخطأ القول بمعادلات مثل: سيتم التخلي عن الاسد، وأن روسيا ضعيفة، أو لا تستطيع روسيا الذهاب إلى سورية، او علينا الخروج من هنا”.
يضيف “باشبوغ”: “لقد تعرضت روسيا نتيجة حربها على أوكرانيا لأضرار وخسائر خطيرة للغاية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولكن هذا لا يعني أنها استسلمت في جميع المجالات. وأعتقد أن روسيا ستشن هجوماً عنيفاً جداً لتسريع سير العملية العسكرية بعد إجلاء المدنيين، ومن الممكن أن نرى هجوماً مشابها لما تم في “حلب” في أي لحظة. إذا وقع ذلك سيكون لضمان هيمنتها على المنطقة، ولكنها مشكلة محلية هناك، ولن تكون عملية مؤثرة على توازن القوى في تلك المنطقة الجغرافية بأكملها”.
كما أشار “باشبوغ” إلى أن روسيا في وضع يسمح لها بالسيطرة على قواتها العسكرية ودعمها عندما تتعرض لمشاكل في أوكرانيا حيث أوضح ان:
“القوة الروسية تكفي لأوكرانيا، حتى لو لم نأخذ في الاعتبار قواتها في سورية، فالجيش الروسي أفضل بكثير من الجيش الاوكراني بكل معنى الكلمة من حيث الأسلحة والعتاد والمعدات العسكرية والأفراد، لذلك، لن نشهد ما يسمى بنقل للقوات من سورية إلى أوكرانيا”.
وبما يخص اتفاقية مونترو الخاصة بالمضيق، يوجد بعض السفن التابعة للبحرية الروسية في سورية. وهنا يجب أن ننظر هل هناك حاجة لإعادة هذه السفن الى روسيا ام لا، وانا أعتقد أن روسيا لا تحتاج اعادتها”.
“موقف تركيا يمكن أن يمنع العمليات المدعومة من روسيا والأسد”
أضاف “عمر بهرام أوزدمير” المختص بالدراسات السورية: “إذا كان لتركيا دور في وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن ترغب أنقرة في تعزيز مكاسبها هناك على منع العمليات الجديدة المدعومة من روسيا والنظام في سورية، وعلى الأقل منع استهداف المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
وأردف “أوزدمير” أن موقف تركيا البناء ودورها كوسيط محتمل في المفاوضات يمكن أن يكون له نتائج إيجابية على علاقات أنقرة مع روسيا على المدى القصير والمتوسط في إدلب وريف حلب.
وتابع “أوزدمير”، المعروف أيضاً باهتمامه بأبحاث الحرب “الأهلية” السورية: إن” استمرار أنقرة في إقامة جسور دبلوماسية ومعارضتها للعقوبات التي تستهدف موسكو، يعني أن تركيا ستعزز مكانتها كـ “فاعل يمكن التحدث معه” بالنسبة لموسكو التي يتم فرض العقوبات عليها واستبعادها وعزلها دولياً”.
واضاف “أوزدمير” إن عاملاً آخر سيؤثر على العلاقات التركية-الروسية في سورية، هو احتمال استمرار انقرة التقييد لحركة السفن في المضيق.
ويرجح “أوزدمير” أنه إذا استمر تقييد الحركة في المضيق لعدة أشهر، فإن ذلك سيجبر روسيا على دعم قواعدها العسكرية في سورية بدلاً من الجبهة الأوكرانية التي تستطيع دعمها بشكل مباشر، مما سيؤدي أن تكون موسكو أكثر هشاشة وتتخذ موقفاً أكثر تصالحية في سورية.
وفي حديثه عن السيناريو الأخير المحتمل، اختتم “أوزدمير” كلامه على النحو التالي:
“التدمير الذي تم لأنظمة الدفاع الجوي الروسية وبالقوات العسكرية الروسية من قبل المسيرات “الدرون” التركية في “إدلب” في عام 2020، وفي ليبيا، وفي “كاراباخ”، ومؤخراً في أوكرانيا، قد يؤدي إلى تباعد المسافات بين روسيا وتركيا على المدى الطويل. ولكن روسيا، التي تواجه صعوبات في دعم قواتها في البحر المتوسط من حيث الأسلحة والذخيرة على المدى القصير والمتوسط ، لا تريد العيش في سيناريو محتمل مشابه في شمال سورية وقد تختار طريقة التصالح مع تركيا.
“الموقف الروسي في سورية قد يضعف على المدى الطويل”
أكد “أويتون أورهان Oytun Orhan ” منسق دراسات الشرق الأوسط في مركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM) أن نتيجة حرب روسيا في أوكرانيا ستعيد تحديد موقفها في سورية.
وقال “أورهان”: “النجاح العسكري الروسي في محاولتها غزو أوكرانيا سيجعل “النظام السوري” يشعر بمزيد من الأمان، أو العكس بالعكس، فإن المقاومة طويلة الأمد لأوكرانيا ستؤثر بشكل مباشر على قدرة روسيا ونفوذها في سوريا وضعف مكانتها نسبياً”.
يرى “أورهان” أن مستقبل “نظام الأسد” يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموقف القوي أو الضعيف الذي ستكون روسيا عليه في السياسة العالمية. حيث يقول: “من المحتمل أن تستنتج دمشق مستقبلها من خلال المراقبة عن كثب لأداء روسيا في محاولتها غزو أوكرانيا”.
يرجح “أويتون أورهان”، في حديثه بروز سيناريوهين مختلفين سيؤثران بشكل مباشر على سياسة روسيا في الشرق الأوسط وخاصة سياستها في سورية:
“إذا تمكنت روسيا من تحقيق أهدافها في أوكرانيا رغم عن ارادة الغرب وحلف شمال الأطلسي، فيمكنها اتخاذ موقف أكثر ثقة وعدوانية في سورية. ولكن، هناك سيناريو آخر يتعلق بمسار احتلال أوكرانيا وهو استمرار المقاومة، والزيادة التدريجية في الدعم العسكري من الغرب لأوكرانيا بالتوازي مع ذلك، وتحول أوكرانيا إلى أفغانستان جديدة لروسيا. وإذا حدث هذا السيناريو، فقد يضعف موقف روسيا في سورية على المدى الطويل”.
ترجمهُ لـ”السورية.نت”: نادر الخليل، زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”