نظام الأسد والتطبيع الإماراتي-البحريني مع إسرائيل
في شهر أغسطس/ آب الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نجاح مساعيه في التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وبعد أقل من شهر عن هذا الإعلان، سلكت مملكة البحرين نفس مسلك أبو ظبي في هذا المسار وأعلنت بدورها عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع تل أبيب. الإعلان البحريني جاء بعد جولة مكوكية قام بها جارد كوشنير صهر الرئيس ترامب للضغط على بعض الدول الخليجية لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل دون أن تضطر الأخيرة إلى تقديم أي شيء في المقابل لا في القضية الفلسطينية ولا في العلاقات الثنائية.
يُفهم من الموقف البحريني بشكل مباشر موافقة المملكة العربية السعودية على خطوات التطبيع مع إسرائيل وذلك بخلاف ما أعلن عنه المسؤولون السعوديون خاصّة أنّه ما كان للبحرين أن تتّخذ مثل هذا
الموقف لو كانت الرياض معارضة لهذه الخطوة أو متحفّظة عليها. ما يؤكّد مثل هذا الانطباع أيضاً سماح الرياض بمرور جميع الطائرات الإسرائيلية الخاصة بالرحلات التي تعبر من وإلى الإمارات بالمرور فوق أراضيها، علماً أنّ الخطوط الجوية القطرية لا تزال تُحرم من هذا الحق.
وينسف إعلان أبو ظبي والمنامة التطبيع مع إسرائيل المبادرة العربية التي قدّمتها السعودية في العام ٢٠٠٢ من أساسها، ويجعلها غير ذات قيمة بعد أن كانت إسرائيل قد فعلت نفس الشيء حينها في الوقت الذي يزعم فيه المسؤولون السعوديون أنّهم لا يزالون يتمسكون بها. ويعتقد الجانب الأميركي أنّ باستطاعة الخطوات السعودية إعطاء الشرعية لإسرائيل في العالم العربي رويداً رويداً بما تمتلكه من موقع ديني على وجه التحديد.
المثير للاهتمام في الموضوع أنّ نظام الأسد في سوريا والذي يحب أن يقدّم نفسه إلى جمهور من المستبدين على أنّه حامي حمى العروبة والمقاوم الأوّل لإسرائيل لم يقم بإدانة إعلان التطبيع لا في الحالة الإماراتية ولا في الحالة البحرينية لاحقاً، وبقي صامتاً صمت القبور. المفارقة أنّ الامارات كانت قد افتتحت سفارتها في دمشق أواخر العام ٢٠١٨، وكذلك فعلت البحرين بعدها. تجاهل نظام الأسد لتطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل يحمل رسائل مزدوجة إلى الدول العربية وإلى إسرائيل نفسها.
فيما يتعلق بالإمارات، نظام الأسد مهتم بتنمية التعاون الأمني بين الطرفين ويسعى إلى جذب مزيد من الأموال الإماراتية إلى الداخل السوري فضلاً عن التقاطعات الكبيرة الحاصلة بين الجانبين لاسيما فيما يتعلق بالعمل على تقويض أجندة تركيا الإقليمية، حيث دفعت أبو ظبي باتجاه إقامة تحالف بين الأسد وحفتر ليبيا، وتقوم بالتعاون مع السعودية بدفع أجور المرتزقة السوريين الذين يتم إرسالهم من خلال فاغنر الروسية إلى ليبيا. نظام الأسد يعتقد أيضاً أنّ موقف البحرين يأتي نيابة عن السعودية، وأنّ أبو ظبي باستطاعتها أن تدفع السعودية لاحقاً إلى التطبيع العلني معه، الأمر الذي سيساعد إلى عودته إلى الجامعة العربية.
نظام الأسد يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الأموال لا سيما بعد أن فرضت واشنطن قانون قيصر عليه، والإمارات بما لها من خبرة في التحايل على العقوبات وخرقها تستطيع أن تؤمّن جزءاً مما يحتاجه نظام الأسد. التعاون الاستخباراتي
المتزايد والمساعدات الأمنيّة والمالية التي ترسلها أبو ظبي إلى نظام الأسد -آخرها بحجّة مكافحة فيروس كورونا-، والدعم السياسي الذي تقدّمه أبو ظبي لنظام الأسد كلها عوامل تعزّز من العلاقة بين الطرفين وتجعل من انتقاد أبو ظبي خطّاً أحمر لنظام الأسد.
فيما يتعلق بإسرائيل، يريد نظام الأسد أن يرسل رسالة مفادها أنّه لا يُعارض تطبيع دول عربية العلاقة مع إسرائيل. وكما أصبح معلوماً، فإنّ إسرائيل كانت قد كرّرت منذ بداية الثورة السورية أنّه لا مشكلة لديها في بقاء الأسد بقدر ما تكمن المشكلة في علاقته بإيران. وفي حقيقة الأمر، تعدّ تل أبيب أحد أهم عوامل بقاء نظام الأسد حتى الآن. في العام ٢٠١٣، كتب إفريم هاليفى، الرئيس الأسبق للموساد بين عامي ١٩٩٨ و٢٠٠٢، مقالاً في مجلة الفورين أفيرز الشهيرة تحت عنوان “رجل إسرائيل في دمشق” يشرح فيه أسباب عدم رغبة إسرائيل في إسقاط نظام بشار الأسد.
نظام الأسد يريد أن يستفيد من هذه النقطة بالتحديد في تعزيز الانطباع عن دوره كحامٍ لإسرائيل على الأقل من باب الشيطان الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه. بهذا المعنى، فإنّ تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل لن يخدم إسرائيل فقط، وإنما سيساعد نظام الأسد على تقوية علاقاته مع تل أبيب من خلال البوّابة الخليجية المؤيّدة أو الداعمة له. هو يعلم أنّ هذه الدول ستحتاج إليه إن أرادت مواجهة تركيا بشكل أكبر، أو الاستمرار في أجندة محاربة ما يسمى ب “الإسلام السياسي” ومنع انتقال السلطة في سوريا إلى نظام ديمقراطي يقوّض مصلحة إسرائيل والدول الخليجية كالإمارات، ولذلك يتوقع منهم مساعدته على إقناع واشنطن ربما بتغيير موقفها منه وزيادة التعاون منعه، وبالتالي يبقي من خلال أبو ظبي وتل أبيب على قناة مفتوحة مع واشنطن على أمل أن يستفيد منها لاحقاً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت