“مقهور ومخنوق لم يبق لي شيء أملكه.. كلوا راح وما ضل شي” جملةٌ قالها مسن عفريني من مدينة عفرين بريف حلب في أثناء لقاءه مع أعضاء “اللجنة الوطنية للإصلاح ورد المظالم”، والتي كانت قد تشكلت في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، بدعم من تركيا وتحت إشراف وبمبادرة من “المجلس الإسلامي السوري”، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها بعد السيطرة على المدينة من جانب فصائل “الجيش الوطني السوري”، وما تبعها من انتهاكات لحقوق الإنسان، ولاسيما السيطرة على أملاك وعقارات وأراضي أهالي المنطقة الأصليين، وخاصةً الكرد.
العفريني (نتحفظ عن ذكر اسمه) تحدثٍ بـ”قهر وحسرة” حسب ما قال أحد الحاضرين للقاء في حديثٍ لـ “السورية.نت”، مشيرا إلى أن فصيلين من “الجيش الوطني” كانا قد سيطرا على غالبية أملاكه من مستودعات للتخزين وأراضي زيتون، بشكل تعسفي ودون أي مقابل، في ممارسات كانت منظمات حقوقية وإنسانية قد تحدثت عنها، مؤخراً وأكدتها بناء على حديثها مع أهالي المنطقة.
“اللجنة الوطنية للإصلاح” مشروعٌ لم يسبق وأن شهدته مناطق ريف حلب في العامين الماضيين، ورغم أنها خطوة جاءت بشكل متأخر، إلا أن آمال المدنيين في الشمال السوري باتت تتعلق بها في الوقت الحالي، خاصةً في ظل الحديث عن خطوات مدروسة وجديّة ستعمل عليها، في إطار إعادة الحقوق لأصحابها و”رد المظالم”، وخاصةً في عفرين.
برعاية تركية
تشكّلت “اللجنة الوطنية” حسب ما قال مصدر مطلّع لـ”السورية.نت”، في شهر أيلول الماضي، تحت رعاية وإشراف من الجانب التركي، على أن تعمل على إعادة الحقوق لأصحابها، وتكون البداية في منطقة عفرين، وإلى جانب هذه المهمة ستتولى اللجنة عملية فصل النزاعات بين فصائل “الجيش الوطني” وضبط عملها والتنسيق فيما بينها.
ومن أبرز وجوه “اللجنة”: عمر حذيفة وهو شرعي فصيل “فيلق الشام”، وسام قسوم شرعي في “الجيش الوطني”، عرفات حمود القاضي في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، إلى جانب شخصيات أخرى بينها “أبو سليمان الحسكاوي” شرعي فصيل “جيش الشرقية”.
ويوضح المصدر أن المهمة الأبرز والأساسية التي بدأت اللجنة العمل عليها، منذ الشهر الماضي، هي إعادة حقوق أهالي منطقة عفرين، والتي سلبتها عدة فصائل عسكرية، ولذلك كان لأعضائها عدة جولات بلغت حتى الآن اثنتان، اطلعوا من خلالهما على وضع حقوق الإنسان في عفرين، والتقوا مع عشرات الأهالي والأشخاص الذين صودرت ممتلكاتهم من قبل الفصائل العسكرية.
حتى الآن يدرس أعضاء “لجنة الإصلاح الوطنية” الآليات والطرق التي سيستندون عليها في عملية إعادة الحقوق، ورشح منها حتى الآن تشكيل مكاتب لرصد ومتابعة تجاوزات الفصائل العسكرية، بالإضافة إلى استقبال الشكاوى من قبل المدنيين والأهالي، حول أموالهم وممتلكاتهم المسلوبة.
وتحاول اللجنة، حسب المصدر أن يكون عملها مستقلاً، بمعنى أن يكون الفريق الذي يعملون من خلاله في الداخل السوري، بعيداً كل البعد عن الفصائل، في خطوة تصب في إطار “الاستقلالية”، ومن منطلق أن إعادة الحقوق والممتلكات المسلوبة، لا يمكن أن يتم بوجود أحد الأطراف المشتكى عليها.
نقطة القوّة التي تميّز “اللجنة الوطنية للإصلاح” والتي يعوّل عليها في إتمام وإنجاح مهامها، هي الرعاية التركية والدعم الذي تحظى به من أنقرة، وحسب المصدر فإن الدعم التركي يمكن استثماره في عدة جوانب، وخاصةً في إطار الضغط على الفصائل، التي تقف في طريق أي عملية لإعادة الحقوق لأصحابها.
لجنة موازية لـ “رد المظالم”
على الطرف المقابل ومع الأيام الأولى لبدء عمل “اللجنة الوطنية للإصلاح”، في أيلول الماضي، خرجت أصواتٌ من الداخل السوري، من ريف حلب وعفرين من جانب لجنةٍ ذاع صيتها، وحملت مسمى “لجنة رد المظالم”، في تحركٍ لاقى صدىً إعلامياً ورواجاً، خلال الأسابيع الماضية.
“لجنة رد المظالم” لم تكن حديثة التأسيس، حسب معلومات فريق “السورية.نت” بل شكّلتها فصائل “الجيش الوطني”، بمبادرة شرعيين، في الأشهر الماضية، لكن عملها كان خافتاً، دون أي إنجازات، لتعود وتستأنف تحركاتها بشكل معلن وكبير، في تشرين الأول الماضي، في أثناء تشكيل “اللجنة الوطنية للإصلاح” من قبل “المجلس الإسلامي”، وبدعم من أنقرة.
عضو لجنة “رد المظالم”، محمد الخطيب يقول في تصريحات لـ “السورية.نت” إن اللجنة كانت سابقاً ضمن فصائل “الجيش الوطني”، وكان لكل فصيل مكتب “رد مظالم” خاص به، ينظر من خلاله للشكوى التي ترد إليه، وهو أمرٌ انسحب على جميع الفصائل، وأبرزها “السلطان مراد”، “الجبهة الشامية”.
فيما بعد وفي الشهرين الماضيين، يشير الخطيب إلى مبادرة تم طرحها لتشكيل “لجنة لرد المظالم”، وفي بادئ الأمر كانت من طرف “الجبهة الشامية” بالتشاور مع فصيل “السلطان مراد”، لتعمم فيما بعد على قطاعين بمشاركة فصيل “جيش الإسلام”.
توسعّت الدائرة منذ تشرين الأول الماضي، لتشمل اللجنة كل من فصائل: “أحرار الشرقية”، “جيش الشرقية”، “لواء المعتصم”، “فرقة الحمزة”، “الفيلق الأول”، ويضيف الخطيب: “هكذا تكون كل فصائل الجيش الوطني قد دخلت ضمن اللجنة”.
ويوضح عضو اللجنة: “بدأنا العمل منذ شهر بشكل جماعي، وفي مدينة عفرين أولاً، على أن نتوسع في الأيام المقبلة في قطاعات الباسوطة وراجو وجنديرس ونواحي بلبل وغيرها”.
هل توجد علاقة بين اللجنتين؟
لا تختلف المهام التي توكل فيها اللجنتين كثيراً، وهو الأمر الذي طرح تساؤلات عن الرابط بينهما، وما إذا كان هناك تنسيقاً أو تداخلاً في العمل، خاصةً أن عملية “رد الحقوق والمظالم” حساسة وتحتاج لدراسة كل خطوة، سواء من ناحية حصر الممتلكات المسلوبة، أو كيفية التعامل مع الفصيل العسكري الذي قام بالانتهاكات والتجاوزات.
ويقول عضو لجنة “رد المظالم”، محمد الخطيب إن اللجنة الذي يسير فيها تعتبر رديفةً لـ”لجنة الإصلاح الوطنية”، والتي تشكلت على مستوى الفيالق، وبإشراف تركي ومن “المجلس الإسلامي السوري”.
ويضيف الخطيب: “لجنة الإصلاح الوطنية تعمل على الأمور المستعصية، وعلى حل الخلافات بين الفصائل، بينما لجنة رد الحقوق والمظالم في عفرين تقوم على الأمور الجزئية ومتابعة أمور الشكاوى، وكافة القضايا التي تعرض عليها”.
لكن حسب ما قال مصدر مطلع على عمل اللجنتين في حديثٍ لـ “السورية.نت” فإن عمل اللجنتين مختلف كلياً، ولا يوجد أي رابط في العمل أو التنسيق بينهما، ولاسيما أن “لجنة الإصلاح الوطنية” تحاول عدم إشراك الفصائل في عمليات رصد ومتابعة المظالم والحقوق المسلوبة.
ويضيف المصدر أنه لم يتضح حتى الآن دوافع التوقيت الذي استأنفت فيه “لجنة رد المظالم” العمل، وذلك مع شروع “اللجنة الوطنية” بالعمل، والذي لا يقتصر على حل الخلافات بين الفصائل، بل على إعادة الحقوق لأصحابها وخاصةً في عفرين، التي يتم التركيز عليها في الوقت الحالي.
آلية محددة لـ “رد المظالم”
وبحسب عضو لجنة “رد المظالم” محمد الخطيب فإن الهدف الذي يعملون عليه حالياً هو “تلقي كافة الشكاوي من المدنيين والعسكريين، التي لا يستطيع القضاء تحقيقها”.
ويتابع: “بالتالي اللجنة هي جسم رديف للقضاء، وهي معاون ومساعد للمؤسسات الشرطية في المنطقة. ما تعجز عنه الشرطة العسكرية بسبب الحالة الفصائلية وبعض الممتنعين تعمل اللجنة على مساعدة القضاء والشرطة على إنجاز هذه القضايا”.
وتعتبر مدينة عفرين نقطة البداية لعمل اللجنة، بسبب الكثير من “المظالم” فيها، ويوضح الخطيب أن آلية سير العمل تبدأ من خلال تلقي الشكوى والتواصل مع مندوب الفصيل الذي قُدمت عليه الشكوى، للتعاون والتجاوب.
الخطوة الثانية بعد تلقى الشكاوي، وفق عضو اللجنة تتمثل بجمع الطرفين والسماع لهما، وفيما بعد يتم البت بالقضية سواء فيما يتعلق ببيت أو أرض أو عقار أو أي شيء يتعلق بأملاك عفرين.
ويكون البت بالقضية من خلال “المكتب القانوني”، وبحسب الرؤية العامة التي حددتها لجنة “رد المظالم” لرد الحقوق لأصحابها.
ويضيف الخطيب أن لجنتهم تلقى قرابة 600 شكوى، وتم حل ما يقارب النصف منها، وما يزال أكثر من النصف بقليل قيد المعالجة والتبليغ والدراسة والبحث.
ويشير: “هناك تعويضات، وأي خلل حصل في قطاف الزيتون أو الاعتداء على حق الغير يتم تقدير الخسائر وتعويض صاحبها من الأشخاص المعتدين”.
“انتهاكات جسيمة”
منذ السيطرة على مدينة عفرين من جانب فصائل “الجيش الوطني”، في آذار 2018، لم تنقطع الأخبار المتعلقة بالانتهاكات، سواء من حيث حوادث سلب الممتلكات للسكان، أو اعتقال آخرين بشكل تعسفي، لتكون عفرين “نقطة سوداء” وسمت بها بعض الفصائل في الشمال السوري.
ما سبق دفع منظمات حقوقية لإصدار بيانات وتقارير وثقت من خلالها عمليات سلب الممتلكات والأراضي، وكان أبرزها التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية (أمنستي) في آب عام 2018.
واتهمت المنظمة فصائل “الجيش الوطني” بارتكاب انتهاكات “جسيمة” لحقوق الإنسان في عفرين، مشيرةً أن هذه الانتهاكات تتراوح بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، ومصادرة الممتلكات، وأعمال النهب، متهمةً تركيا بأنها تمد “الجماعات المسلحة المسؤولة عن هذه العمليات بالعتاد والسلاح”.
وقالت المنظمة إنها اعتمدت في تقريرها البحثي على لقاءات أجرتها مع مدنيين من عفرين، تحدثوا عن قيام بعض فصائل المعارضة التي دخلت المدينة في آذار 2018 بأعمال السرقة والنهب وتحويل عدد من المدارس إلى مراكز عسكرية.
ودعا التقرير تركيا إلى تأمين “رفاهية وسلامة السكان المدنيين، والحفاظ على القانون والنظام”، على اعتبارها تدعم الفصائل المسيطرة على المدينة، وأضاف: “يجب على تركيا المسارعة إلى إنهاء الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة المتحالفة معها، ومحاسبة المسؤولين عنها، والتعهد بمساعدة أهالي عفرين في إعادة بناء حياتهم”.