“لغز خيرسون”.. ما دوافع الانسحاب الثالث لجيش بوتين؟
تباينت الروايات بشأن انسحاب القوات الروسية من “خيرسون”، على مدى اليومين الماضيين، وبينما اعتبر محللون أن الخطوة تشي بـ”نوع من الهزيمة”، ذهب آخرون للحديث عن دوافع عسكرية من جهة وسياسية من جهة أخرى.
وكانت القوات الأوكرانية قد رفعت علمها في المدينة الواقعة وسط البلاد، أمس الجمعة، فيما أعلن وزير الخارجية الأوكراني، ديميترو كوليبا اليوم السبت أن “الحرب ما تزال مستمرة”.
وأضاف: “أفهم أنّ الجميع يريدون أن تنتهي هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، بالتأكيد نحن من يريد ذلك أكثر من أي آخر، لكن الحرب مستمرة”.
وكانت خيرسون العاصمة الإقليمية الأوكرانية الوحيدة التي تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء عليها منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط الماضي.
وقد أدى التخلي عن المدينة إلى كييف إلى “تحطيم وهم السيطرة الذي حاول بوتين خلقه من خلال إجراء استفتاءات وإعلان خيرسون وثلاث مناطق أخرى بشكل غير قانوني بأنها أراض روسية”، حسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست“.
واعتبرت الصحيفة، اليوم، أن “الانسحاب الروسي يمثل ضربة قوية بعد التصريحات المتكررة والصاخبة من قبل شخصيات مؤيدة للكرملين بأن روسيا ستبقى في خيرسون إلى الأبد”.
وهذا الانسحاب هو الثالث من حيث الحجم منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا، إذ اضطرت روسيا للتراجع في الربيع خلال محاولتها السيطرة على كييف في مواجهة مقاومة أوكرانية شرسة، قبل طردها من منطقة خاركيف (شمال شرق) بشكل شبه كامل في شهر سبتمبر.
ويمثل الاستيلاء على المدينة الجنوبية “جائزة رمزية واستراتيجية كبيرة وضربة قاسية لبوتين والجيش الروسي المنسحب”، وفقا لتقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“، نشرته السبت.
واجتاحت القوات الأوكرانية خيرسون، بعد أن أكملت القوات الروسية انسحابها من العاصمة الإقليمية في واحدة من أكبر الهزائم الاستراتيجية والرمزية للكرملين منذ أن بدء غزو أوكرانيا، وفقا لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“.
لماذا انقلبت المعادلة؟
وفي نهاية سبتمبر، كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين قد أعلن خلال احتفال في الكرملين ثم في احتفال آخر في الساحة الحمراء ضم أربع مناطق أوكرانية، من بينها خيرسون.
وبعد أسابيع فقط من إعلان بوتين منطقة خيرسون جزءاً من روسيا إلى الأبد أُجبرت قواته على التخلي عنها، وأضرت النكسة بسمعة الجيش الروسي الذي أساء إدارة الخدمات اللوجستية وأرسل جنوداً غير مستعدين وغير متحمسين إلى المعركة، حسب “نيويورك تايمز”.
وقبل دخول قوات كييف المدينة، أعلن الجيش الروسي انسحاب أكثر من 30 ألف جندي روسي من منطقة خيرسون، تاركين الضفة اليمنى لنهر دنيبرو للانتشار على ضفته اليسرى.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية في بيان، إلى “سحب أكثر من 30 ألف جندي روسي وحوالي خمسة آلاف وحدة تسليح ومركبة عسكرية” من الضفة الغربية لنهر دنيبرو.
ويرى مدير الدراسات الروسية في معهد أبحاث “سي أن إيه” في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، مايكل كوفمان، أن “تحرير خيرسون قضى على احتمال شن حملة روسية على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا”.
وقال محللون عسكريون إن السيطرة على خيرسون يضع قوات كييف في وضع أفضل لضرب مناطق أعمق تحتلها موسكو من أوكرانيا، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.
وقال أحد رجال الأعمال المؤثرين في موسكو، والذي رفض ذكر اسمه بسبب العواقب المحتملة، “أعتقد أن هذا سيعقد بشكل خطير كيفية النظر إلى الوضع داخل البلاد”، مضيفا “إنها خسارة فادحة”.
وأضاف رجل الأعمال: “بالنسبة لروسيا، فإن هذه الخسائر ضربة كبيرة لصورة بوتين”، وفقا لتصريحاته لـ”واشنطن بوست”.
وستعزز استعادة خيرسون حجة الحكومة الأوكرانية بـ”ضرورة الضغط عسكرياً على القوات الروسية الهاربة وعدم العودة للمفاوضات”، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
وتريد أوكرانيا المضي قدما وتحرير المزيد من الأراضي، بما في ذلك شبه جزيرة القرم والتي استولت عليها روسيا في عام 2014، وأراض محتلة أخرى في الشرق والجنوب، حسب “وول ستريت جورنال”.
ويمكن لأوكرانيا الآن إعادة نشر الآلاف من القوات التي كانت متراوحة حول خيرسون، لكن يمكن لروسيا أيضاً أن ترسل ما يقرب من 20 ألف جندي تم إجلاؤهم من المدينة في أماكن أخرى، ومن المرجح أن تحاول توسيع سيطرتها في الشرق، حسب “وول ستريت جورنال”.
ما تقييم موسكو؟
وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الجمعة، إن منطقة خيرسون ستبقى “تابعة لروسيا الاتحادية”، مضيفاً “لا يُمكن أن يكون هناك تغيير”.
وأشار إلى أن الرئاسة الروسية “غير نادمة” على الاحتفال الكبير الذي أعلن خلاله بوتين في سبتمبر ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا، وبينها خيرسون.
بدوره قال ألكسندر فومين، المتحدث باسم نائب رئيس حكومة مقاطعة خيرسون أن مدينة غينيتشيسك ستصبح مؤقتاً العاصمة الإدارية للمقاطعة.
وأضاف فومين في تصريح لوكالة “نوفوستي”، اليوم السبت، أن “جميع السلطات الرئيسية تتركز في غينيتشيسك”.