تسير منطقة الشرق الأوسط إلى رسم وقائع وملامح جديدة، على وقع المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، واشنطن وتل أبيب، أميركا وإيران، السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنها المرة الأولى التي تبرز فيها رغبة أميركية بدور عربي مباشر بالقضية الفلسطينية، والمرحلة المقبلة ستبرز دورا كبيرا للمملكة العربية السعودية يتعلق بهذا الملف، ما يعني العودة عن سياسة التخلي العربي عن فلسطين، ستكون واشنطن بحاجة إلى الاستنجاد بالتدخل العربي، لأن هذا ما تفرضه الوقائع الاجتماعية والثقافية، وعوامل الجغرافيا السياسية. هناك حاجة أميركية قصوى للديناميكية العربية، تخلق القدرة على الاستثمار في التوازنات وإدارتها، لأن أبرز مشكلة وقعت في المنطقة، هي اختلال التوازن وغياب المساحة العربية عن الفعل والتأثير.
الخلاف الأميركي الإسرائيلي ينعكس تحوّلاً هائلاً لدى يهود الولايات المتحدة الأميركية، الذين ظهر تغير جوهري في مواقفهم غير متعاطف أو مؤيد لمشاريع إسرائيل، بالإضافة إلى خلاف كبير حول آلية تعاطي نتنياهو مع الأميركيين، إنها المرة الأولى التي يتم فيها تقديم مشروع قانون يدين إسرائيل، بغض النظر عن أنه لم يمرّ. وهذا يعكس مدى التحول داخل أميركا. في المقابل يفرض الموضوع الفلسطيني نفسه بنفسه، ما يؤدي إلى تغيير كل آلية التعاطي الأميركية السابقة مع فلسطين. والتغير الأساسي الذي حصل هو أنه في السابق كانت سياسة إضعاف الدول العربية ونظامها الإقليمي وأدوارها لتمرير المشروع، والذي تجلّى باتفاق أبراهام أو صفقة القرن، الذي لم يؤد إلى اطمئنان إسرائيلي، فكان مصيره السقوط، وهذا ينعكس أيضاً في آلية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي لم تنفع كل عجرفة نتنياهو وألاعيبه في الحفاظ على موقعه، لا بل أكثر من ذلك أصبح الأميركيون في حاجة إلى التحرر من أعبائه وأثقاله، ولا يمكن نفي دورهم الأساسي في تركيب الحكومة الجديدة لطي صفحة نتنياهو فقط مع علمهم أن هذه الحكومة الهجينة لن تكون ذات عمر طويل، إنما ستسقط خلال فترة قصيرة وستذهب إسرائيل إلى انتخابات جديدة.
هناك مسار يحكمه سقف “التسوية” أو المفاوضات، أو “حلّ الدولتين” لا بد من العودة إليها، بالرغم من أن هذه الحكومة يمينية، لا بد أن ترتبط بتغيير في السياسات التي كان يتبعها نتنياهو مع ترامب. وكانت أبرز المؤشرات على هذا التغير هو آلية التعاطي الأميركي مع المفاوضات الإيرانية، والتي أصرّ الأميركيون على السير فيها بمعزل عن الموقف الإسرائيلي، وهو أمر دفع بنتنياهو إلى التصريح بشكل علني عن المفاضلة بين مصلحة إسرائيل وتوجهات أميركا. وهذا سيلعب دوراً أساسياً في الانقلاب على مسار ترامب ما سينعكس مجدداً على المقاربات العربية، وسيدفع الأميركيين إلى انتهاج سياسة تسعى إلى تماسك الحلفاء العرب معها، من دون إنهاء القضية الفلسطينية، لأن المنطقة لا تحتمل الأسلوب الذي كان ينتهجه ترامب ونتنياهو. خصوصاً أن تلك الخطوات كانت ستؤدي إلى انفجارات اجتماعية، وأمنية، وعسكرية، وسياسية.
سياسة بايدن أعطت نفساً لكثير من الدول العربية، أولها مصر، بالإضافة إلى دور قطر، واستعادة الأردن للاضطلاع بدور أيضاً خصوصاً أنه كان من أبرز المستهدفين باتفاق أبراهام. سيؤدي ذلك إلى بروز أطراف جديدة في لعب دور مقرر في المرحلة المقبلة، قد تكون مصر هي صاحبة هذا الدور بعد كل محاولات تهميشها، وهذا ما فرضته الوقائع الميدانية في الحرب الأخيرة، التي فرضت أيضاً حاجة كبيرة للدور المصري. ما يقود إلى خلاصة جديدة، أن المسألة ليست إيرانية أميركية، فلا يمكن لإيران الذهاب بعيداً بالدخول في الموضوع الفلسطيني، لأنه سيربكهم، إنما تريد إيران فقط الحصول على مكاسب من دون تحمّل تبعات سياسية.
قمة بايدن بوتين ستكون مفصلية في رسم ملامح واتجاهات الأوضاع في المنطقة، إنها الحركة الدولية الأساسية الأولى لبايدن، والتي من خلالها سيستعيد وضعه الأوروبي من خلال بحث التمدد الروسي في أوروبا في حين بوتين سيتحدث عن ملف النورد ستريم 2، الذي يعتبره عنصراً مهدداً للمصالح الاستراتيجية الروسية وسيطالب بإزالة العقوبات، بالإضافة إلى المحادثات النووية، والملف الإيراني، والذي سيكون مرتبطاً حتماً بالوضع السوري. في المقابل، تستميت إيران في سبيل الحصول على أي مبالغ مالية ولذلك تهدف إلى رفع العقوبات. كل العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تستهدف سفن أو حافلات إيرانية لن تردّ عليها طهران لتمرير الاتفاق.
الازدواجية الأميركية في التعاطي مع إسرائيل، تنعكس ازدواجيات متعددة مع ملفات أخرى، وهو مسار تنتهجه دول أخرى لا سيما في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أن الانتخابات السورية غير شرعية ولا يمكن الاعتراف بها، بينما التواصل يتزايد بين هذه الدول والنظام السوري، وصولاً إلى التفكير في آلية الانفتاح على النظام. زار وفد فرنسي ثان العاصمة السورية دمشق، في محاولة أوروبية لجس نبض ردود الفعل لعملية الانفتاح، بينما الأميركيون يقولون إن الحل العسكري غير قائم إنما لا بد من اللجوء إلى الحلول السياسية، وهذا ما يفتح الأبواب أمام الحوارات بين القوى، والدول المتعارضة والمتضاربة والمتخاصمة.
البت بالملف السوري سيكون مستقبلاً، وبعد الاتفاق النووي، هناك وهم بالقدرة على إخراج إيران من سوريا، وهذا أصبح من سابع المستحيلات، بل ستحتفظ بحصتها السورية بالاحتفاظ بالنفوذ على الأرض والديمغرافيا وداخل كل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن في المقابل، سيبرز دور عربي أيضاً على الساحة السورية، يكون فاعلاً، مؤثراً ومقرراً في عملية إعادة التسوية والتوازن، ولو أن الأسد بقي في موقعه، يستحيل أن يبقى بالشكل الذي هو فيه، إنما الاتجاه سيكون إلى تشكيل حكومة بصلاحيات معززة يتحقق فيها التوازن بين النظام، والقوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، تحت هذا الباب جاء تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن إعادة إجراء الانتخابات في سوريا، وهو فقط في إطار استدراج العروض الخارجية، وإرسال رسالة إلى الأسد بأنه ليس أبدياً وغير مطلق الصلاحيات، وعليه أن يكون مرناً في مقاربة التحولات التي لا بد لها أن تفرض.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت