تشي غالبية تصريحات المسؤولين الإيرانيين منذ نحو شهرين إلى حالة “عدم رضا” تبديها طهران بشأن علاقاتها التجارية والاقتصادية مع حكومة النظام السوري، في موقف لم يسبق وأن وصل إلى هذا المستوى، بعد 9 سنوات من توغلها الأول.
وقبل يومين وصل وزير الصناعة الإيراني، رضا فاطمي أمين في زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، وذلك على رأس وفد رفيع المستوى من القطاعين الحكومي والخاص.
وعلى هامش هذه الزيارة أعلن المدير العام لمنظمة تنمية التجارة في إيران علي رضا بيمان باك أن بلاده بصدد تأسيس بنك مشترك مع نظام الأسد، في خطوة “لتسهيل التجارة بين البلدين”.
ورغم أن فكرة تأسيس البنك المشترك ليست بجديدة، بل تعود إلى سنوات مضت، إلا أن التوقيت الذي تأتي فيه يطرح عدة تساؤلات طرحها فريق “السورية.نت” على خبيرين اقتصاديين.
وكان رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، قد أعلن مطلع عام 2019 توقيع اتفاق مع حاكم مصرف سورية المركزي السابق، حازم قرفول، حول إنشاء وتطوير وإقامة علاقات الوساطة المصرفية بين البلدين.
وتحدث أيضاً في ذلك الوقت عن إصدار رخصة إنشاء بنك مشترك بين إيران وسورية في دمشق.
وأكد همتي بحسب ما نقلت آنذاك وكالة “فارس” الإيرانية أن “البنوك المركزية في البلدين، ستبدأ عبر افتتاح الحساب بالتبادل المصرفي على أساس العملة الوطنية للبلدين، وتوفير إمكانية استخدام البطاقات المصرفية بين طهران ودمشق”.
ولا يعرف بالتحديد عما إذا كانت إيران ستمضي بالفعل إلى تأسيس هذا المصرف المشترك.
“حملات إعلامية”
ويقول المستشار والخبير الاقتصادي السوري، الدكتور أسامة القاضي إن إبداء طهران نيتها في إنشاء مصرف مشترك مع نظام الأسد يعتبر “جزء من حملة إعلامية إيرانية توحي بالدعم الإيراني للنظام السوري”.
كما توحي هذه الحملة للعالم أن “النظام السوري برعاية اقتصادية إيرانية بخير”.
ويضيف القاضي لـ”السورية.نت”: “لكن عملياً النظامين الماليين الإيراني والسوري في أسوأ حال”.
ويوضح أن “الأزمة الاقتصادية السورية لن تحل ببنك إيراني يتداول السلع بالعملات المحلية الإيرانية والسورية، فضلاً عن أنه لا يوجد الكثير من السلع يمكن تداولها بين البلدين، خاصة أن القوة الشرائية للمستهلك السوري منهارة بشكل كارثي بحيث بالكاد يشتري الخبز والوقود وغير قادر على شراء حاجاته الضرورية جداً”.
ولا يعتقد الخبير الاقتصادي السوري أنه سيكون للبنك المشترك “أي أثر يذكر على تحسين الوضع الاقتصادي السوري”.
“خمس نقاط مهمة”
وتخضع المصارف الإيرانية لعقوبات أمريكية تمنع المصارف في الخارج من التعامل معها خشية من فرض عقوبات.
كما يخضع مصرف سورية المركزي لعقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية، منذ نهاية 2020.
وفي مارس/آذار العام الحالي قال مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة “التنمية التجارية الإيرانية”، فرزاد بيلتن، إن المصارف السورية لا ترغب بفتح مصرف مشترك مع إيران.
وبرر ذلك بقوله لوكالة “فارس” إن “السلطات السورية مهتمة بهذا الموضوع، لكن المصارف السورية، التي غالباً ما تكون خاصة، تخشى أن تعاقَب من الولايات المتحدة إذا أقامت علاقات مصرفية مع أطراف إيرانية”.
وأضاف أن هذا السبب يدفع المصارف السورية لعدم الرغبة بالتعاون في فتح مصرف مشترك “إيراني- سوري”.
وبوجهة نظر مختلفة عن تلك التي قدمها الخبير الاقتصادي أسامة القاضي تحدث مدير “منصة اقتصادي”، يونس الكريم عن خمس نقاط مهمة تتعلق بإعلان إيران نيتها إنشاء مصرف مشترك مع النظام السوري.
ويشير الكريم إلى أن قرار البنك المشترك قديم جداً، وطرح قبل أحداث الثورة السورية، حيث كانت طهران تسعى لإنشائه، ووقعت إثر ذلك اتفاقيات مبدأية.
ويقول الكريم لـ”السورية.نت”: “لكن ذلك لم يترجم لأسباب تقنية، منها الوضع الأمني وآلية الانتشار والمواقف المسبقة من إيران والخوف من استهدافها”.
ويرى الخبير الاقتصادي أن أولى أهداف البنك هي “إدارة الدين السوري- الإيراني”.
أما ثانياً يوضح الكريم أن إيران تحاول إدارة أموالها في سورية، لاسيما مع وجود مشاريع استثمارية لها في سورية، وتريد إدارتها من خلال ضخ السيولة، وبالتالي “التحويل من وإلى بشكل صامت، بعيداً عن شركات الحوالات ونوعاً ما بعيداً عن البنك المركزي السوري”.
وهناك هدف ثالث للبنك المشترك في حالة إنشائه بالفعل، ويرتبط بنية طهران التحكم بالسيولة والمشاريع الخاصة بها في سورية، وأيضاً التحكم برجال الأعمال المرتبطين بها.
ويتابع الكريم: “إيران تريد أيضاً في هدف رابع إدخال الأموال والتبرعات التي تحصل عليها من الحوزات الإسلامية في سورية إلى هذا البنك، بشكل مخفي وبعيد عن الأنظار، من أجل تجنب العقوبات المفروضة عليها”.
وتحدث الخبير عن نقطة خامسة، وهي أن إيران “تريد شرعنة وجودها في سورية، وتحويل ذلك من الوجود العسكري على الأرض إلى الوجود الاقتصادي. هذا البنك هو أولى إشارات شعور إيران بأن الحل في البلاد وإعادة تعويم الأسد وإعادة الإعمار بات قريباً”.
وعملت إيران، الداعمة لنظام الأسد، خلال السنوات الماضية على إبرام اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع حكومة النظام، ما اعتبره البعض تحصيلاً لمكاسب مقابل دعم الأسد، حيث بدأ النظام بدفع فواتير تدخل روسيا وإيران لجانبه وقلب الموازين العسكرية لصالحه.
وفي الوقت الحالي تستهدف إيران رفع التبادل التجاري مع سورية إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة، بحسب ما قال مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة “التنمية التجارية الإيرانية”، فرزاد بيلتن، في مارس/آذار الماضي.
وأضاف بيلتن حينها إن المنظمة التي يديرها وضعت خطة لتصدير 400 مليون دولار من السلع إلى سورية، مقابل 100 مليون دولار واردات في سنة 2023، مشيراً إلى أن ما تبقى من الحجم المستهدف “سيشمل توسع تصدير الخدمات الفنية والهندسية إلى سورية”.