بحسب إعلام محور الممانعة ليست الانتخابات الرئاسية السورية حدثاً يستحق الالتفات إليه! جولة على شاشات ومنصات وصحف هذا المحور، ما خلا صحف النظام طبعاً مثل البعث وتشرين والثورة، فلن تعثر على أثر لهذا الحدث. صمت مريب يضربه كتاب هذا المحور ومغرديه ووجوهه وأذنابه حول انتخابات من المؤكد أنها ستوصل زنبقتهم إلى قصر المهاجرين في دمشق، لا بل ستثبته فيه بحسب التعبير الذي ساقه حليف بشار، رئيس التيار الوطني الحر في لبنان، وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل.
لهذا الانكفاء عن “الحدث” وظيفة، فكتاب مكرسون، لطالما اعتبروا أن بقاء النظام ضرورة تمليها المواجهة، لا يعيرون وزناً لحقيقة صدوره عن استبداد وعن تعسف وعن قتل، وهم إذ يشيحون باهتمامهم عن مناسبة اختارها هو بنفسه، يمارسون ما مارسه النظام نفسه بحق السوريين، ذاك أن الأخيرين لا يستحقون بحسبهم أن تتاح لهم فرصة الاختيار، ولا بأس بمسرحية تعطي ممثلهم فرصة التجديد لنفسه.
إذاً الانتخابات الرئاسية السورية لا تستحق التفاتة من الممانعة ومن أهلها، فلماذا يصر بشار الأسد على إجرائها؟ هي لن تعني بطبيعة الحال الدول الغربية، ذاك أن الغرب يعرف عن ظهر قلب نتائجها، وهي لا تعنيه منذ باشر آل الأسد بهذه المسرحية قبل عقود. وهي طبعاً لا تعني السوريين، لا بل هي نكتتهم التي لا تضحكهم. ولا مهمة لهذه الانتخابات داخل النظام، لا سيما لجهة توزيع النفوذ فيه. أما الحلفاء الروس والإيرانيين، فلديهم ما هو أهم منها في سوريا لكي يهتموا به. الإسرائيليون يواصلون غاراتهم على سوريا، وكان آخرها بالأمس على اللاذقية، متحدين هذا الاستحقاق الديموقراطي الذي يجري تحت أنظار قادة طائراتهم الحربية. وبنيامين نتانياهو مرتاح أشد الارتياح لوجود بشار الأسد في قصر المهاجرين.
إذاً الرئيس يريد المضي بمسرحيته الركيكة على رغم كل هذا. الأرجح أن الرئيس مصاب بنوع من الانفصال أو النكران. والأرجح أن انعدام الوظيفة السياسية لهذا الحدث، مواز لحال من انعدام التوازن في شخصية الرئيس.
سألت عشرات السوريين عن سر هذا الإصرار على إجراء الانتخابات، فلم يعثروا على إجابة باستثناء واحد قال إن بشار يريد أن “يدشن” الدستور الجديد الذي سمح له بالترشح مجدداً! في سوريا دستور جديد، وهو يتيح لبشار الأسد أن يترشح! الأرجح أن هذا تحديداً هو ما دفع أهل المحور إلى الإشاحة بوجوههم عن الرئيس. قالوا لندعه يفعلها بعيداً من أنظارنا، لنعود بعدها ونقول إننا أمام الرئيس “الشرعي” لسوريا. لن يقولوا إننا أمام الرئيس المنتخب خوفاً من سخرية أطفالهم منهم. سيقولون إنهم أمام الرئيس “الشرعي” ويمضون إلى مجازرهم.
يبدو أن درساً في النكران تعلمه الأسد هو ما دفعه لمواصلة هذه المهزلة. اعتراف العالم به سيأتي. السوريون آخر همومه، والعالم من حولهم مراوغ ولا يعنيه البعد “الأخلاقي” لتثبيت هذا المجرم في موقعه. بالأمس أبرمت فرنسا صفقة طائرات مقاتلة مع نظام عبد الفتاح السيسي في مصر بقيمة 4 مليارات يورو، وقبل ذلك بلعت الولايات المتحدة الأميركية جريمة النظام السعودي في سفارة المملكة في إسطنبول. الأسد يعد وليمة مشابهة، على رغم أن الجريمة تفوق جريمة أقرانه في حجمها. “واقعية” العالم ستدفعه للاعتراف بنظام الجريمة في دمشق، والتطبيع مع هذا النظام باشرته الرياض وكانت سبقتها أبوظبي، ولأنقرة نوافذ كثيرة على النظام، أما القاهرة فهي لم تقطع أصلاً علاقاتها معه. إنه “الحضن” العربي، وسيكون ممهداً لقبول العالم بنظام بشار.
لكن هذا المشهد “الواقعي” ينطوي على عدم انسجام كبير. فالنظام في سوريا بلغ من الخراب مستوى لا يمكن رأبه بأي رغبة في تعويمه. سوريا مخترقة اليوم باحتلالات كثيرة، روسية وايرانية وإسرائيلية وتركية، وسوريا مفلسة ومدمرة ومقسمة ومنتهكة، وفي ظل كل هذا لن يستقيم نظام مهما كان العالم متواطئاً. الشرط الوحيد لبقاء بشار في السلطة هو الحرب، ومواصلة الحرب لا تنسجم مع شروط التعويم. إذاً نحن أمام استعصاء وأمام استحالة، وهي حال سيواصل معها النظام انهياره، وإيران ستواصل نفوذها وإسرائيل غاراتها، وروسيا رعايتها مشهد الخراب السوري.
سيفوز بشار الأسد في الانتخابات، وهو لن يحظى بمقال واحد لتفسير هذا الفوز وللبناء عليه. الصحف التي تصدرها طهران في بيروت وبغداد وغزة وصنعاء لن تنبس ببنت شفا حول هذا الحدث، والأرجح أن الأسد نفسه لن يحتفل. لكن رئاسته لن تستقيم من دون مواصلة الحرب.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت