ما الذي بدأ بعدما انتهى الصراع بين العشائر و”وحدات حماية الشعب”؟
ما الذي بدأ، بعدما انتهى الصراع بين العشائر ووحدات حماية الشعب YPG؟
نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2023 على موقع “fikirturu“
s
حاولت في مقالتي السابقة دراسة انتفاضة العشائر في دير الزور في إطار التوازنات العامة داخل سورية، وانتهت الجملة الأخيرة من المقال كالتالي: “إذا تراجعت أخبار الاشتباك(الصراع) خلال الأيام القليلة المقبلة فإن أحداث دير الزور قد تصبح الان مؤشر يجب مراقبته للمستقبل فقط.
ولكن إذا كنا لا نزال نتحدث عن الاشتباكات على خط منبج أو تل رفعت في منتصف أيلول/ سبتمبر، فإن ذلك يعني أننا نعود إلى عام 2019 في سورية…” ولقد وصلنا إلى منتصف أيلول/ سبتمبر ولم نعد نتحدث عن الاشتباكات في منبج أو تل رفعت، لذا انتقلت انتفاضة العشائر إلى مسار جديد.
في المقالة السابقة لم أخض في التفاصيل لأنه كانت هناك حاجة لتوفر إطار أوسع لفهم ما يحدث، ومر الان على انتهاء انتفاضة العشائر حوالي أسبوعين، وعليه أعتقد أنه اصبح لدينا ما يكفي من البيانات لإجراء تقييم، وحصلت على بعض البيانات التي استخدمتها في المقال خلال زيارتي الأخيرة إلى سورية.
في الواقع كنت في سورية عندما بدأ تمرد العشائر وكان لدي خلال ذلك الوقت، فرصة للحديث مع بعض أعضاء القبائل المشاركين في الصراع، لذلك، سأقوم كما هي العادة بإجراء تحليل مفصل يُركز على الديناميكيات المحلية، وأعتقد سيكون مفيداً لتسليط الضوء على المستقبل، وقبل الخوض في التفاصيل، سأقدم لكم نظرة عامة على الوضع في دير الزور.
ماهي حالة دير الزور؟
كانت محافظة دير الزور مكاناً لا يُعرف عنه الا القليل ولم تحظ بالكثير من الاهتمام خلال حرب سوريا “الأهلية”، ومع ذلك تعتبر وفق التنظيم الإداري في سورية ثاني أكبر محافظة من حيث المساحة بعد حمص، وتتركز كثافة السكان في المناطق القريبة من مياه النهر، حيث ينضب نهري الفرات والخابور اليوم، وتشكل الصحراء نصف مساحة المحافظة تقريباً.
ولكن، تحتضن هذه الأراضي الخالية من السكان معظم إنتاج النفط في سورية، حيث كان يصل إنتاج النفط قبل الحرب “الأهلية” إلى 400 ألف برميل يومياً، واليوم يبلغ إنتاج النفط حوالي 35 ألف برميل فقط، وجزء مهم من هذا الإنتاج في دير الزور، وعليه وبالرغم من قلة الاهتمام بها، فإنها تعتبر واحدة من أكثر المناطق قيمة في سورية بفضل الأراضي الزراعية الممتدة على طول النهر والنفط الموجود فيها.
كيف تأثرت بالحرب “الأهلية”؟
دير الزور هي واحدة من الأماكن القليلة التي تأثرت بالصراعات في كل المراحل خلال “الحرب الأهلية”، وباستثناء القاعدة العسكرية في وسط المدينة، كانت السيطرة على المحافظة متقلبة باستمرار، ففي وقت مبكر سيطر الجيش السوري الحر ثم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على دير الزور، وخلال عملية طرد “داعش” من المنطقة، شهدت منافسة حامية الوطيس بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وإيران و”الحكومة السورية”، وفي النهاية تم تقسيم المناطق شرق وغرب نهر الفرات بين الأطراف، حيث استولت منظمة حزب العمال الكردستاني (PKK/PYD) على شرق النهر نيابة عن الولايات المتحدة الامريكية، بينما سيطرت على غرب النهر مجموعات ميليشيا موالية لإيران تحت ستار الحكومة السورية .
خلال هذه الفترة من النزاع، فر معظم سكان دير الزور لخارج المحافظة، واليوم في إدلب يعيش الآلاف من أهالي دير الزور وفي المناطق التي أصبحت تحت سيطرة تركيا مع عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وفي تركيا، حتى انه يشكل أهالي دير الزور العمود الفقري لبعض مجموعات الجيش الوطني السوري (مثل أحرار الشرقية).
أما الذين لم يتمكنوا من مغادرة المحافظة فقد انقسموا فيما بينهم، حيث تعاون الموجودين في المنطقة الخاضعة لسيطرة إيران الفعلية مع إيران، انضم سكان المحافظات الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لإشراف الولايات المتحدة الأمريكية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي تحت أسماء مختلفة، ومع ذلك، على الرغم من أن الدولتان حاولتا السيطرة على المحافظة بأساليب مؤقتة وانتقائية، إلا أن ذلك لم ينجح، والسبب الرئيسي لذلك هو التركيبة الديموغرافية والاجتماعية للمنطقة.
البنية الاجتماعية والقبلية للعشائر
دير الزور جزء من بحر العرب السني، الذي يمتد من صحاري الأنبار في غرب العراق إلى ضواحي دمشق، ولهذه السبب بالتحديد كان نموذج التنظيم الاجتماعي الأساسي في المنطقة هو القبلية، حتى اننا لا نبالغ إذا ما إذا قلنا أنها من الأماكن التي تكون فيها العشائرية أقوى في سورية.
بالإضافة إلى القبائل الثلاثة الكبيرة المستقرة في دير الزور، وجميعها من العرب السنة، توجد قبائل لها جذور وفروع داخل وخارج المحافظة وعائلات بدوية كبيرة، وأكبر ثلاثة قبائل في المحافظة هي العكيدات والبكارة والبوسرايا. سأذكر أسماء الأخرين في المقال حسب الضرورة، ولكن يجب التأكيد مرة أخرى على أن العشائر والقبلية هي حقائق اجتماعية أساسية.
وبما أن دير الزور مقسمة إلى مناطق نفوذ على طول النهر، فإن جزءاً من بعض افراد القبيلة الواحدة يعيش في المنطقة التي تسيطر عليها إيران والجزء الآخر تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطر على المنطقة نيابة عن الولايات المتحدة، وتختلف البنية /الهيكلية السياسية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي اختلافاً كبيراً عن بعضها البعض، فتحافظ إيران على النظام الذي أنشأته في بقية انحاء سورية في دير الزور، وقد أنشأت ميليشيات مسلحة مختلفة من السكان ودربتهم وجهزتهم من اجل دعم قوات الأمن المحلية، ويمكنني تقدير وجود 7 مجموعات (وربما اكثر) شكلتها إيران من القبائل في دير الزور.
ومن ناحية أخرى، فضلت الولايات المتحدة الامريكية وضع القبائل العربية تحت سقف حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، لذلك لا يوجد تنظيم ميليشياتي منفصل لدى عشائر شرق الفرات، وهذه العشائر كغيرها من الأماكن الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة في إطار ما يسمى بالمجالس العسكرية، التي كان احدها مجلس دير الزور العسكري الذي أطلق شرارة البداية للأحداث الأخيرة.
كيف بدأت الانتفاضة وكيف انتهت؟
دعوني أذكركم كيف قامت الانتفاضة لمن لم يقرأ المقالات السابقة أو من تاه في التفاصيل الكثيرة في سورية.
الحدث الذي أثار الانتفاضة العشائرية وقع في 27 أب/ أغسطس، في ذلك اليوم تم اعتقال رئيس مجلس دير الزور العسكري “أبو خولة” وفريقه من قبل “حزب العمال الكردستاني”/وحدات حماية الشعب، وفي اليوم التالي بدأ بعض القادة المحليين في دير الزور يدعون إلى إطلاق سراح “أبو خولة”، ولكن سرعان ما تبين أن مطالبهم لم تقتصر على ذلك فقط، وأعلنت القبائل صراحةً رغبتها في إنشاء مناطقها الخاصة بها والعمل مع الولايات المتحدة فيها.
في 29 أب/أغسطس أعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم “عشائر دير الزور” التعبئة ضد وحدات حماية الشعب، واندلعت الاشتباكات الأولى في اليوم نفسه في قرية العزبة، وسرعان ما امتدت الاشتباكات إلى قرى مثل الشحيل، والحسينية، وجديد بكارة، وذيبان، وجديد عكيدات، والصبحة، وأبو حمام، والطيانة، والبصيرة، وفي اليوم التالي توسعت إلى قرى مثل سويدان وفي 31 من الشهر توسعت لقرى مثل الصورة وأبو حردوب والباغوز والجرزى والحويج وهجين، في 1 أيلول/سبتمبر، وصل التحالف القبلي إلى أوسع حدوده ضد وحدات حماية الشعب، لا تبحث عن هذه القرى واحدة تلو الأخرى على الخريطة، ستعرف لماذا كتبت أسماءها قريباً.
يمكننا القول أن المناطق التي ذكرتها أعلاه والخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) تمتد من جنوب دير الزور على طول الضفة الشرقية لنهر الفرات حتى الحدود العراقية، وهذه المنطقة ليست دير الزور بأكملها وحتى ليست نصفها، ولا ننسى أن نصف محافظة دير الزور، أي الجزء الغربي لنهر الفرات يقع بالفعل تحت سيطرة إيران.
الصراع بين العشائر ووحدات حماية الشعب الذي اتسع جغرافياً بين 29 أب/ أغسطس و2 ايلول/سبتمبر، لم يشهد امتداداً إلى منطقة أخرى بعد هذا التاريخ، على الأقل داخل دير الزور، بالإضافة إلى ذلك لم تشارك عشائر العرب السنة التي تشكل معظم السكان في مناطق مثل الرقة وجنوب محافظة الجزيرة وحتى العشائر في شمال دير الزور في هذا الصراع.
انتفاضة 1.5عشيرة
صراحةً لن يكون من الخطأ ان نسمي هذه الانتفاضة “انتفاضة 1.5قبيلة ” وليست انتفاضة كل القبائل في دير الزور، لماذا اسميها هكذا؟ لأنه كما ذكرت أعلاه يوجد حوالي 10 قبائل بعضها مستقر وبعضها رُحّل في هذه المحافظة، ومن بين هذه القبائل هناك ثلاث قبائل تعتبر أكبر من الأخرى وشاركت بشكل مباشر وبشكل كبير في الانتفاضة، لذا يمكن القول إن عدد القبائل التي شاركت في الثورة بشكل كبير هو 1.5.
حالياً، دعونا نضع الآخرين في المنطقة جانباً ولنركز على الثلاثة الكبار، دوراً قبيلة البوسرايا التي كانت الأكثر عدداً لكنها تأخرت من حيث القوة المادية وعدد المسلحين، وهذا الأمر جعلها لا تلعب دوراً مهماً في هذا الانتفاضة، وأحد أهم الأسباب لذلك هو أن جزءاً كبيراً من سكان القبيلة وقوتها يقعان في القسم الغربي من نهر الفرات، وبالتالي على الرغم من أنها قبيلة كبيرة عندما يتم النظر في الفرات ككل، إلا أن هذا أمر طبيعي لأنها صغيرة نسبياً من حيث المنطقة التي حدثت فيها الانتفاضة.
لنتحدث عن قبيلة البكارة… يمكن اعتبار مدينة دير الزور المركز الحالي لقبيلة البكارة، لكن لديهم فروع مهمة تعيش في الجزيرة والرقة، بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من أبناء العشيرة الذين فروا إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون بسبب الاشتباكات مع تنظيم داعش، ولهذه القبيلة ثلاثة فروع رئيسية في دير الزور وهي عابد وعبيد والبو سلطان، ويعيش معظم أفراد الفرع الأول غرب الفرات، ونواف البشير الذي يُزعم أنه قائد هذا الفرع وهو جزء من عائلة البشير، وكان له في وقت مضى توجهاً نحو تركيا ثم الى الولايات المتحدة الامريكية، وحالياً يعمل مع إيران، ولكن لا ينبغي أن نتجاهل الجزء من هذا الفرع الذي يعيش شرق الفرات، على الأقل في جديد عكيدات وبعض القرى المحيطة بها، شاركوا في الانتفاضة، لكنهم هُزموا بسرعة لأسباب لوجستية، وفرع البوسلطان من البكارة ضعيف نسبياً ويتعرض لضغوط من الميليشيات الإيرانية، لذلك دعونا نتجاوزه.
كان فرع العبيد أحد أهم العناصر الفاعلة في الانتفاضة، ولعبت عائلة العبيد، وهم أكبر ممثلي الفرع الجنوبي من قبيلة البكارة شرق الفرات، دوراً مهماً في السيطرة على العديد من القرى ضد وحدات حماية الشعب بما في ذلك قرية الباغوز بالقرب من الحدود العراقية، لذلك فإن النصف في 1.5 يأتي من هنا.
لقد وجدنا النصف، الآن دعونا نبحث عن الواحد (1). العكيدات هي القبيلة التي أشعلت شرارة الانتفاضة وشهدت أكبر مشاركة منها وتم تركها وحدها، إنها الواحد بذاتها، ولقبيلة العكيدات الكبرى ثلاثة فروع كبيرة أخرى ويوجد لها حوالي 11 فرع على قدر ما أستطيع معرفته، (خلال فترة الحرب “الأهلية” زادت الادعاءات بوجود قبائل وفروع جديدة، لكنني لا أعرف بعضها).
وبقدر ما أستطيع تتبعه، شاركت هذه الفروع الثلاثة الرئيسية وعشائرها الفرعية في الانتفاضة بطريقة ما، على سبيل المثال، الحسون في سوسة والباغوز والغبرة الواقعة تحت فرع البوكمال؛ عشيرة الشويط فرع البوكمال في أبو حردوب والصبيخان، فرع البوحسن في الدرناج، فرع القران في الطيانة، فرع الساهر في زيبان والحوايج والشحيل، وفرع البكير موجود في الدبلان وجديد عكيدات، وانخرطت الشعيطات التي قُتل المئات من أبنائها على يد داعش، في اشتباكات كبيرة مع حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب في أبو حمام والقرى المحيطة بها. (قد تكون هناك بعض الأماكن التي فاتتني، أعتذر مقدماً عن ذلك…)
لماذا لم تُقدم جميع القبائل في المنطقة الدعم؟
حسناً، ماذا فعلت القبائل الأخرى في المنطقة؟
القبائل والعشائر التي لم يكن مركزها في دير الزور، ولكن يوجد لها وجود في محيط المحافظة لم تشارك بشكل كبير في الانتفاضة، بل هي إما لم تشارك على الإطلاق أو قدمت دعماً ضعيفاً.
على سبيل المثال، قبيلة الدُليم التي لها وجود في سورية، ومركزها الرئيسي في العراق لم تشارك بشكل كبير في الاشتباكات في محيط مدينة الشدادي بسورية، حيث كانت مشاركة فروعها الموجودة في سورية تقتصر على مشاركة محدودة في الاشتباكات القصيرة الأمد بالكر والفر، وبالمثل لم تشارك قبيلة شُمر التي تعتبر من أهم القبائل في المنطقة التي تمتد من شمال دير الزور إلى الجزيرة في سورية في الانتفاضة على الإطلاق على الرغم من أن لديها مئات الآلاف من الأعضاء في العراق والمملكة العربية السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قبائل الجبور وطي وقبائل دير الزور الأصغر حجماً والتي تعود جذورها إلى العراق، لم تشارك في الصراعات. وأخيراً التزمت العشائر المتمركزة في الرقة والجزيرة المجاورة للمنطقة بالصمت أيضاً.
الدعم الخارج
الآن سيقول البعض؛ رأينا في الأخبار أن عشائر من خارج دير الزور جاءت للمساعدة أيضاً، ولكن الحقيقة ليست كذلك. عندما تنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنك أن ترى أن قبائل مثل بني خالد والحديدين والبو شعبان في ريف حلب وإدلب التي نزلت إلى الطرق لدعم أبناء عمومتها في دير الزور، ولكن الكثير من الدعم جاء من أفراد القبائل داخل مجموعات الجيش الوطني السوري الذين لم يتمكنوا من الدخول في الصراع باسمه.
الإجابة على السؤال حول السبب في عدم دخول الجيش الوطني السوري في الصراع باسمه، واضحة للغاية، روسيا منعت ذلك، فعندما تم فتح جبهة منبج التي ستحاصر وحدات حماية الشعب بشكل خطير من قبل رجال القبائل في الجيش الوطني السوري، وتم الاستيلاء على نقاط التفتيش المشتركة لوحدات حماية الشعب والجيش السوري واحدة تلو الأخرى، وصلت الطائرات الروسية وقصفت هذه المناطق.
كان هناك تطور أخر في هذه العملية لم تتم مناقشته بعد، حيث بدأ عناصر هيئة تحرير الشام الذين تسللوا وتنكروا بين أبناء العشائر القادمين من إدلب، بالظهور في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وبطبيعة الحال أثار هذا الوضع قلقاً داخل الجيش الوطني السوري، ففي واقع الأمر في الفترة من 13 إلى 14 أيلول/سبتمبر وقعت حوادث في جرابلس على يد مسلحين تسللوا متنكرين – سأشرح ذلك بالتفصيل لاحقاً- في هذه المرحلة يجب معرفة شيئين لتجنب الخلط، حيث لم تتلق الانتفاضة العشائرية (1.5) في دير الزور الدعم الكافي من المعارضين الآخرين، وكان ذلك لسببين: تهديدات روسيا بالقصف العنيف، والموقف الانتهازي لهيئة تحرير الشام في استخدام الانتفاضات القبلية للتسلل إلى المنطقة.
كيف انتهت الانتفاضة العشائرية؟
بما أن جميع قبائل المنطقة لم تجتمع وتتخذ موقفاً مشتركاً، وكان التنافس بينها دائماً مفتوحاً أمام استغلال القوى الأخرى، فقد تم قمع الانتفاضة في غضون أسبوع.
تتمتع منظمة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب “الإرهابية” بميزة واضحة على القبائل من حيث القدرة التنظيمية والأسلحة/المعدات والموارد المادية، علاوة على ذلك تمكنت من شراء زعماء العشائر خارج دير الزور الذين يمكنهم تغيير النتيجة إذا دعموا الانتفاضة.
بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن القبائل من إدارة عملية صراع مخططة بشكل جيد من الناحية التكتيكية تحت قيادة وسيطرة واحدة.
لكن الأهم من ذلك أنه لم تظهر بين القبائل أي قيادة مقبولة من قبل الآخرين، ولم يقبل آخرون قيادة إبراهيم هفل الذي ادعى أنه زعيم العقيدات الذي يريد قيادة الانتفاضة.
باختصار، فشلت القبائل خلال الانتفاضة لأنها لم تتمكن من تحقيق الوحدة فيما بينها وكانت غير كافية عسكرياً، والدعم الوحيد لهم يمكن أن يأتي من ريف حلب وإدلب، وليس من الرقة ودير الزور والجزيرة، وقد ضعف هذا الدعم بسبب الضغوط الروسية وتحركات هيئة تحرير الشام.
ماذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية؟
في هذه العملية، اتبعت الولايات المتحدة الامريكية سياسة الانتظار والترقب.
أعتقد أنه لو رأت أن القبائل العربية يمكنها أن تعمل بشكل مشترك وتشكل مركزاً للسلطة، لكان بإمكانها تغيير موقفها، بالطبع، هذا تقييمي الشخصي ويستند إلى الاحتمال.
ومع ذلك، فإن الاتهامات السخيفة التي وجهتها منظمة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب “الإرهابية” مثل “هؤلاء المتمردون هم داعش، إيرانيون، دخلاء…” لم تلقَ أي رد فعل في الولايات المتحدة الامريكية، حتى أنها التقت بممثلي العائلة التي تقود الانتفاضة في الدوحة، بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أنها لم تقدم دعماً عسكرياً مفتوحاً لوحدات حماية الشعب في هذه العملية تشير إلى أنه قد يكون هناك اختلاف في نهج الولايات المتحدة على المدى الطويل.
إلى أين نذهب؟
انتهت الاشتباكات واسعة النطاق في 8 أيلول/ سبتمبر، ولكن لا يمكن القول أن المياه ركدت بعد ذلك، دخل حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب إلى القرى التي يعيش فيها من دعموا الانتفاضة ودمروا بعض المنازل هناك؛ واعتقل العديد من الأشخاص وزاد من القمع، ولكن لم يتمكن إلا من الدخول والخروج من القرى والبلدات الكبيرة، والآن قد يعتقد المرء أن الانتفاضة قد انتهت، لكنني لا أعتقد ذلك تماماً.
أول سبب من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة ما زالت موجودة، القبائل العربية ترغب في إدارة أراضيها بأنفسها والاستفادة من مواردها الخاصة، بما في ذلك النفط، طالما بقي هذا الطلب مستمر، ستستمر البيئة التي تدفع لحدوث مثل هذه الانتفاضات مرة أخرى.
الثاني، انتقلت القبائل العربية إلى الطريقة التي تعرفها بشكل جيد: الهجوم والانسحاب (الكر والفر)، هذه القبائل قد لا تتمكن من الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة معينة بسبب أسلوب حياتهم وتعليمهم وأسلحتهم ومشكلات تنظيمهم، ومع ذلك، يبدو أن لديهم خبرة ورغبة في حرب العصابات. يعني، ربما يكون حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب قد أوقف الانتفاضة في هذه المرحلة، ولكن تم الدخول في مرحلة جديدة في عملية الصراع.
النقطة الثالثة يجب أن تكون هناك دروس مهمة تعلمتها الولايات المتحدة من هذه العملية، إذا كان الهدف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة هو وقف إيران، فإن الطريقة لتحقيق ذلك تتطلب بناء هيكل قوي حقيقي قريب من المنطقة (يمثل اهل المنطقة بشكل حقيقي)، وإذا تم وضع منظمة أخرى تعتنق أيديولوجية PKK على قمة العشائر العربية، فإن هذا الهيكل لن يكون ناجحاً في النهاية.
وأخيراً، من المؤكد ان إيران و”الحكومة السورية” تهدفان للاستفادة القصوى مما حدث، ويجب أن ندرك حقيقة أن عشائر دير الزور لا تحب إيران على الإطلاق، واستمرار إيران في نشاطها لتحويل سورية إلى دولة شيعية من حلب ودمشق إلى الميادين، والتي يمكن اعتبارها قلب دير الزور يثير غضب القبائل العربية السنية بشكل كبير، ورغم كل هذا فإن سر إيران هو السيطرة على المحلي من خلال المحلي.
وكما ذكرت أعلاه، فإن إيران قامت بشيء آخر إلى جانب جلب الرجال من أماكن أخرى إلى رئاسة القبائل في المنطقة؛ ومن أجل تجنيد رجال محليين أنشأت مجموعات ميليشيا لاستقطاب الأفراد المحليين وتوفير القوة لأولئك الذين يدعون لقيادة بديلة داخل القبائل، وايضاً يجب أن لا ننسى تأثير “الحكومة السورية، فلطالما كانت دمشق تتمتع بموهبة خاصة عندما يتعلق الأمر بالقبائل والعشائرية.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يمكن القول أن الانتفاضة العشائرية 1.5 في دير الزور قد توقفت مؤقتاً، لكن لن يكون مفاجئاً إذا ظهرت أقوى بعد فترة، بالطبع، ما لم تغير الولايات المتحدة موقفها أولاً وتنشئ إدارة جديدة من العرب السنة في المنطقة قبل ذلك.
(ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت