ليست هجمات وسائل الإعلام الروسية تجاه بشار الأسد ومقرّبيه جديدة. فخلال العام الماضي اتسعت المقالات والتقارير التي تهاجمه، ووصلت مقالات لرامي الشاعر، المقرّب من الدوائر السياسية الروسية إلى حد استخدام عباراتٍ لاذعة ضد الأسد، الأمر الذي دفع المستشار الروسي في الملف السوري، فيتالي نعومكين، آنذاك، إلى التساؤل عما إذا كانت تعليقات رامي الشاعر تعبيراً عن موقفه الشخصي، أو رسالة من الكرملين وجهت من خلاله.
زادت في الأيام الماضية حملة وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد: من كشف معلومات عن شرائه لوحة فنية بقيمة 30 مليون دولار، إلى انتقادات السفير الروسي السابق في سورية، ألكسندر أكسينينوك، مروراً بتقرير وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوكة من يفغيني بريغوجين، المعروف باسم “طبّاخ الكرملين” ثم في صحيفة برافدا.
أن تهاجم وسائل إعلام روسية الأسد ومقرّبيه، فهذا يحمل إشارات وترميزات سياسية، ولكن أن تزداد هذه الهجمات في هذا التوقيت، فهذا يعني أن ثمّة استياءً روسيا، بل ربما مخاوف وقلقاً شديدين حيال مستقبل الأوضاع في سورية. ولافت أن رامي الشاعر، المقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو، والمعروف بكتاباته الناقدة للأسد، كتب، قبل أيام، في مقاله في صحيفة “زافترا”، أن الحملات في وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد أخيراً، هي من حيث المضمون والتوقيت من أجل زرع بذور فتنة خبيثة في علاقات روسيا مع النظام السوري. ولا يستقيم هذا الرأي إطلاقاً مع واقع الحال. فهل يعقل أن تتفق صحيفة “البرافدا” ووكالة الأنباء الفيدرالية الروسية والسفير الروسي معاً على مهاجمة الأسد، وفي توقيت واحد؟ ثم ألا ينطبق هذا الاتهام على مقالته هو نفسه السابقة التي هاجمت الأسد.
في السنوات الأخيرة، جاءت الهجمات الروسية، الرسمية وغير الرسمية، على خلفية مواقف معينة، ففي أثناء زيارة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، موسكو في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت “زافترا” مقالاً للشاعر بعنوان “تجاهل دمشق للقرار 2254 لا يخدم مصالح الشعب السوري”، في إشارة إلى المعوقات التي يضعها النظام أمام اللجنة الدستورية. وفي 2016 اعتبر المبعوث الروسي إلى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن تصريحات الأسد عن نيته استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية تسيء إلى الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية. أما الهجمات الروسية أخيراً، فلم تأتِ كرد فعل على موقف أو تصريح معين من النظام، بقدر ما جاءت تعبيراً عن رؤية استراتيجية ضد منظومة العمل السياسي ـ الاقتصادي للأسد ونظامه، وهذا تطور مهم، له أسبابه، وخصوصاً أنه يأتي في ظل تطورين بالغي الأهمية: اقتراب دخول قانون سيزر حيز التنفيذ (يونيو/ حزيران المقبل)، والأزمة الاقتصادية العالمية جرّاء وباء كورونا.
تخشى روسيا من أن يؤدي الاستمرار في سياسة النظام الاقتصادية القائمة على الفساد الممأسس إلى حدوث انفجار شعبي، يطيح كامل المنظومة الحاكمة، مع ما يعنيه ذلك من عودة الأمور إلى النقطة الصفر، وبالتالي فتح المجال مجدّداً أمام التدخلات الإقليمية ـ الدولية التي طالما عملت موسكو على تحجيمها وإضعافها. ويعني هذا السيناريو خسارة استراتيجية هائلة لروسيا، لأنه سيفقدها القدرة على ترتيب الأوضاع في سورية من جديد.
وتعتبر روسيا أن طبيعة منظومة حكم النظام غير قادرة على استيعاب طبيعة المرحلة المقبلة التي تتطلب الانتقال من المرحلة العسكرية إلى المرحلة السياسية ـ الاقتصادية، وما كان مسموحاً به في الأمس لا يجب أن يستمر. وتعتقد أن مواجهة التحديات المقبلة تتطلب إنهاء الفساد الذي يتطلب بدوره تغير استراتيجية الحكم، منعاً لسقوطه. وما قاله السفير الروسي السابق في سورية ليس عبثاً، “علينا أن نعيد التفكير بمستقبل سورية، وتحديداً في مصير قيادات الحكم، فدمشق ليست مهتمة بإظهار منهج بعيد المدى ومرن، بل تراهن على الحلول العسكرية فقط”.
كذلك إن استمرار النظام في عرقلة الجهود السياسية الدولية يضرّ بالاستراتيجية الروسية التي تعتقد أن الحوار السياسي بين النظام والمعارضة هو الحل، بعيداً عن أية محاولة لإسقاط النظام بالقوة العسكرية أو السياسية. وبقاء الوضع السوري على ما هو عليه سنوات مقبلة، مع استمرار العقوبات الأميركية ـ الأوروبية، يجرّد روسيا من القدرة السياسية والاقتصادية على إحداث أي خرق سياسي أو إنساني تستطيع بموجبه استثمار انتصاراتها العسكرية. فضلاً عن ذلك، ثمّة تفاهم روسي/ أميركي، تعيد بموجبه موسكو تأهيل النظام، للانخراط في العملية السياسية وفق الخطوط الدولية المتفق عليها، وعدم تحقيق موسكو ذلك سيجعلها شريكاً ضعيفاً للولايات المتحدة في سورية.
وتضرّ سياسة النظام في بعض المناطق السورية بسمعة روسيا وحضورها، خصوصاً ما يجري في درعا، مع انقلاب النظام على اتفاقات المصالحة التي رعتها روسيا. وضغوط النظام للاستمرار بشنّ الحملات العسكرية في الشمال الغربي من سورية وشمالها الشرقي تعني أنه في حاجة إلى عدو مستمر لإلهاء الشعب عن الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، فيما ترفض روسيا هذه المقاربة، وتعتبر أن مسألة المعارك العسكرية تخضع لاعتباراتٍ تتجاوز ثنائية النظام/ المعارضة. ولهذا تصرّ موسكو على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، بدلاً من التوجه إلى فتح معارك عسكرية ستؤثر سلباً بروسيا.
إلى ذلك، تمضي إيران في تعزيز حضورها العسكري والأمني في سورية، وبدعم مباشر من النظام، حيث يتماهى الموقف الإيراني تماماً مع موقف النظام إزاء الحل السياسي، وكلما اقتربت المعارك العسكرية من نهايتها، واقترب مسار التسوية السياسية، برزت التناقضات بين النظام السوري وإيران من جهة وروسيا من جهة أخرى.
لا يعني كل ما تقدّم أن روسيا بصدد التخلي عن النظام السوري، بل تعتقد أن استمرار النظام في الحكم يتطلب منه تنازلات سياسية لا تغير في جوهر سلطته. أما النظام السوري وإيران، فلا يريدان تقديم أية تنازلات، مهما كانت بسيطة. ومع ذلك، تؤشر هجمات وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد على أن مرحلة روسية جديدة قد تظهر في المرحلة المقبلة.
أن تهاجم وسائل إعلام روسية الأسد ومقرّبيه، فهذا يحمل إشارات وترميزات سياسية، ولكن أن تزداد هذه الهجمات في هذا التوقيت، فهذا يعني أن ثمّة استياءً روسيا، بل ربما مخاوف وقلقاً شديدين حيال مستقبل الأوضاع في سورية. ولافت أن رامي الشاعر، المقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو، والمعروف بكتاباته الناقدة للأسد، كتب، قبل أيام، في مقاله في صحيفة “زافترا”، أن الحملات في وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد أخيراً، هي من حيث المضمون والتوقيت من أجل زرع بذور فتنة خبيثة في علاقات روسيا مع النظام السوري. ولا يستقيم هذا الرأي إطلاقاً مع واقع الحال. فهل يعقل أن تتفق صحيفة “البرافدا” ووكالة الأنباء الفيدرالية الروسية والسفير الروسي معاً على مهاجمة الأسد، وفي توقيت واحد؟ ثم ألا ينطبق هذا الاتهام على مقالته هو نفسه السابقة التي هاجمت الأسد.
في السنوات الأخيرة، جاءت الهجمات الروسية، الرسمية وغير الرسمية، على خلفية مواقف معينة، ففي أثناء زيارة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، موسكو في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت “زافترا” مقالاً للشاعر بعنوان “تجاهل دمشق للقرار 2254 لا يخدم مصالح الشعب السوري”، في إشارة إلى المعوقات التي يضعها النظام أمام اللجنة الدستورية. وفي 2016 اعتبر المبعوث الروسي إلى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن تصريحات الأسد عن نيته استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية تسيء إلى الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية. أما الهجمات الروسية أخيراً، فلم تأتِ كرد فعل على موقف أو تصريح معين من النظام، بقدر ما جاءت تعبيراً عن رؤية استراتيجية ضد منظومة العمل السياسي ـ الاقتصادي للأسد ونظامه، وهذا تطور مهم، له أسبابه، وخصوصاً أنه يأتي في ظل تطورين بالغي الأهمية: اقتراب دخول قانون سيزر حيز التنفيذ (يونيو/ حزيران المقبل)، والأزمة الاقتصادية العالمية جرّاء وباء كورونا.
تخشى روسيا من أن يؤدي الاستمرار في سياسة النظام الاقتصادية القائمة على الفساد الممأسس إلى حدوث انفجار شعبي، يطيح كامل المنظومة الحاكمة، مع ما يعنيه ذلك من عودة الأمور إلى النقطة الصفر، وبالتالي فتح المجال مجدّداً أمام التدخلات الإقليمية ـ الدولية التي طالما عملت موسكو على تحجيمها وإضعافها. ويعني هذا السيناريو خسارة استراتيجية هائلة لروسيا، لأنه سيفقدها القدرة على ترتيب الأوضاع في سورية من جديد.
وتعتبر روسيا أن طبيعة منظومة حكم النظام غير قادرة على استيعاب طبيعة المرحلة المقبلة التي تتطلب الانتقال من المرحلة العسكرية إلى المرحلة السياسية ـ الاقتصادية، وما كان مسموحاً به في الأمس لا يجب أن يستمر. وتعتقد أن مواجهة التحديات المقبلة تتطلب إنهاء الفساد الذي يتطلب بدوره تغير استراتيجية الحكم، منعاً لسقوطه. وما قاله السفير الروسي السابق في سورية ليس عبثاً، “علينا أن نعيد التفكير بمستقبل سورية، وتحديداً في مصير قيادات الحكم، فدمشق ليست مهتمة بإظهار منهج بعيد المدى ومرن، بل تراهن على الحلول العسكرية فقط”.
كذلك إن استمرار النظام في عرقلة الجهود السياسية الدولية يضرّ بالاستراتيجية الروسية التي تعتقد أن الحوار السياسي بين النظام والمعارضة هو الحل، بعيداً عن أية محاولة لإسقاط النظام بالقوة العسكرية أو السياسية. وبقاء الوضع السوري على ما هو عليه سنوات مقبلة، مع استمرار العقوبات الأميركية ـ الأوروبية، يجرّد روسيا من القدرة السياسية والاقتصادية على إحداث أي خرق سياسي أو إنساني تستطيع بموجبه استثمار انتصاراتها العسكرية. فضلاً عن ذلك، ثمّة تفاهم روسي/ أميركي، تعيد بموجبه موسكو تأهيل النظام، للانخراط في العملية السياسية وفق الخطوط الدولية المتفق عليها، وعدم تحقيق موسكو ذلك سيجعلها شريكاً ضعيفاً للولايات المتحدة في سورية.
وتضرّ سياسة النظام في بعض المناطق السورية بسمعة روسيا وحضورها، خصوصاً ما يجري في درعا، مع انقلاب النظام على اتفاقات المصالحة التي رعتها روسيا. وضغوط النظام للاستمرار بشنّ الحملات العسكرية في الشمال الغربي من سورية وشمالها الشرقي تعني أنه في حاجة إلى عدو مستمر لإلهاء الشعب عن الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، فيما ترفض روسيا هذه المقاربة، وتعتبر أن مسألة المعارك العسكرية تخضع لاعتباراتٍ تتجاوز ثنائية النظام/ المعارضة. ولهذا تصرّ موسكو على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، بدلاً من التوجه إلى فتح معارك عسكرية ستؤثر سلباً بروسيا.
إلى ذلك، تمضي إيران في تعزيز حضورها العسكري والأمني في سورية، وبدعم مباشر من النظام، حيث يتماهى الموقف الإيراني تماماً مع موقف النظام إزاء الحل السياسي، وكلما اقتربت المعارك العسكرية من نهايتها، واقترب مسار التسوية السياسية، برزت التناقضات بين النظام السوري وإيران من جهة وروسيا من جهة أخرى.
لا يعني كل ما تقدّم أن روسيا بصدد التخلي عن النظام السوري، بل تعتقد أن استمرار النظام في الحكم يتطلب منه تنازلات سياسية لا تغير في جوهر سلطته. أما النظام السوري وإيران، فلا يريدان تقديم أية تنازلات، مهما كانت بسيطة. ومع ذلك، تؤشر هجمات وسائل الإعلام الروسية ضد الأسد على أن مرحلة روسية جديدة قد تظهر في المرحلة المقبلة.
المصدر
العربي الجديد
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت