مجلس الأعمال السوري – الجزائري..هدف اقتصادي أم معنوي؟
تسارعت خلال الأسابيع الماضية خطوات تطوير العلاقات بين نظام الأسد والجزائر، سواء على الصعيد السياسي وما نتج عنها من زيارات وفود دبلوماسية رفيعة المستوى، أو على الصعيد الاقتصادي وتفعيل النشاط التجاري بين البلدين.
وصدرت تصريحات من قبل مسؤولي النظام حول تطوير العلاقات الاقتصادية في مختلف المجالات التجارية والاستثمارية وإقامة شركات مشتركة بين رجال أعمال سوريين وجزائريين، وإعادة تفعيل دور “مجلس الأعمال السوري- الجزائري”، الذي أعلن عن تشكيله منتصف شهر يوليو / تموز الماضي.
ويطرح تشكيل المجلس تساؤلات حول الهدف منه وفائدة نظام الأسد الاقتصادية، خاصة وأن الجزائر لا تعتبر سوقاً مميزاً للمنتجات السورية أو العكس، حسب أرقام الاستيراد والتصدير ما قبل 2011.
“إعادة تشكيل المجلس”
يُعرف “مجلس الأعمال” بالتجمع الاقتصادي الذي يضم مجموعة من رجال أعمال البلدين، وهم من اتحاد غرف التجارة، ويهدف إلى تفعيل العلاقات الاقتصادية والتشجيع على الاستثمار لكلا الطرفين.
الحديث عن تطوير العلاقات مع الجزائر والدعوات إلى إعادة تشكيل المجلس ولعبه دوراً في ذلك ليس بجديد.
إذ أعلن سفير نظام الأسد في الجزائر، نمير وهيب الغانم، خلال لقائه مع وزير التجارة الخارجية الجزائري كمال رزيق، في يناير/ كانون الثاني 2021، أن الجزائر ترغب في “إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سورية”.
ونقل الغانم عن الوزير الجزائري قوله: “حان الوقت لرؤية السلع الجزائرية في الأسواق السورية، والسلع السورية في الأسواق الجزائرية، ولتحقيق ذلك الهدف من الضروري إعادة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية الموقعة بين البلدين”.
كما أعلن أن الجانب الجزائري طرح خلال الاجتماع ضرورة إعادة تفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك، مؤكداً “هذا الأمر بدأ التحرك به على الفور”.
من جهته أكد رزيق، حسب ما ذكرته وزارة التجارة الجزائرية عبر “فيس بوك“، أن “رفع قيمة المبادلات التجارية هدف يمكن تحقيقه، من خلال تشجيع الاستثمار المنتج وفتح شراكات في مجالات جديدة”.
وبعد أكثر من عام ونصف، أعلن وزير الاقتصاد في حكومة الأسد، محمد سامر الخليل، في 17 يوليو/تموز الماضي، تشكيل “مجلس الأعمال السوري- الجزائري”، والذي يهدف إلى “تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية”.
ويتألف مجلس الأعمال السوري- الجزائري من سبعة أعضاء هم: رئيس المجلس خالد الزبيدي، نائب الرئيس مصطفى كواية.
إضافة إلى الأعضاء مجد ششمان وحسام فلو وإياد محمد وماريا سعادة وأحمد غازي، في حين لم تعلن الجزائر حتى إعداد التقرير عن أعضاء المجلس من جانبها.
“تضارب في أرقام التصدير”
ولتشكيل المجلس أهداف متعددة، إذ يرى رئيس المجلس، خالد الزبيدي، أن الهدف هو زيادة التعاون بين رجال أعمال البلدين في المرحلة المقبلة، ورفع حجم التجارة وفتح آفاق تصدير المنتجات السورية إلى الجزائر، وإقامة شراكات ومشاريع استثمارية مشتركة في كل القطاعات.
لكن بالعودة إلى أرقام الاستيراد والتصدير بين البلدين، يظهر التضارب بين التصريحات والأرقام.
وحسب تصريح سفير النظام في الجزائر لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية في فبراير/ شباط 2021، فإن “حجم التبادل التجاري بين سورية والجزائر قبل العام 2011 وصل إلى ما يقرب من 600 مليون دولار سنوياً، مع أفضلية في الميزان التجاري لصالح سورية، التي كانت تصدر إلى الجزائر السلع الغذائية والأدوية والأقمشة والقمح والأنسجة والقطن والألبسة والأحذية وسلعاً أخرى.
في المقابل “تستورد سورية من الجزائر مواد كيميائية”.
لكن حسب أرقام “المكتب المركزي للإحصاء” التابع لحكومة الأسد عن إحصائيات الاستيراد والتصدير لعام 2009، فإن الصادرات السورية إلى الجزائر بلغت 1.85% فقط من إجمالي الصادرات التي بلغت 5 مليارات و456 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 100 مليون دولار أمريكي فقط. فيما خلت المستوردات من أي بضائع جزائرية.
واعتبر المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، أن “تشكيل المجلس هدفه معنوي أكثر من اقتصادي”، إذ أن نظام الأسد يسعى إلى إيصال رسالة بأن الأمور في سورية بدأت تعود إلى سابق عهدها، ما يشجع باقي البلدان على إعادة العلاقات السياسية معه، مثل تونس ومصر.
ويقول الكريم لـ”السورية. نت” إن الهدف من تشكيل المجلس هو “مد العلاقات مع تجار الجزائر”، لأن العلاقات التجارية بين رجال الأعمال معفية من قانون “قيصر” الأمريكي، عدا أن العلاقات التجارية تعيد تعويم نظام الأسد، مشيراً إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل “عمل المجلس سيأخذ دوره الحقيقي أم يبقى فقط شكلياً؟”.
وحاور فريق “السورية.نت” أحد أعضاء مجلس الأعمال السوري- الجزائري ما قبل 2011 (طلب عدم الكشف عن اسمه)، إذ أكد أن دور أي مجلس مشترك هو تشجيع التجار على الاستيراد والتصدير والتعريف بمنتجات البلدين.
وقال العضو إن المجلس السوري- الجزائري أعيد تفعيله في 2010 برئاسة نزار أسعد، الذي كان يترأس مجلس إدارة شركة “ليد للتعهدات والتجارة المحدودة”، والتي نشطت في الجزائر بمشاريع خاصة.
وأضاف أنه منذ تشكيل المجلس وحتى حله في 2013 بقرار من وزير الاقتصاد حينها، محمد ظافر محبك، لم يجتمع المجلس سوى مرة واحد عقب تشكيله.
كما لم يكن لديه مقراً للاجتماع، ولم يقم بأي دور أو فعالية أو يفيد بأي شيء نهائياً.
وأشار المتحدث إلى أنه لم يوجد أي تبادل تجاري بين سورية والجزائر قبل 2011 باستثناء بعض الصادرات، التي كان يهربها تجار سوريون إلى الجزائر شكل غير نظامي.
“مشاريع حكومية في الجزائر”
ورغم عدم وجود أي دور أو فعالية لمجلس الأعمال قبل 2011، إلا أن الجزائر، إلى جانب ليبيا والسودان، كانت سوقاً لشركات البناء في حكومة الأسد، عبر الحصول على تعهدات بإقامة مشاريع إنشائية كبيرة، بهدف استيعاب يد عاملة سورية، إلى جانب تغطية الشركات الحكومية مصاريفها.
ويتحدث عضو المجلس لـ”السورية.نت” عن خفايا المشاريع الضخمة التي استثمرتها شركات تابعة لحكومة الأسد في الجزائر سنة 2009.
وحسب قوله فإنه تم الاتفاق مع الحكومة الجزائرية على تأسيس شركة تحت اسم “شبدار”، مؤلفة من مجموعة من الفرقاء، على أن تحصل الشركات السورية التابعة لحكومة النظام نسبة 75%.
وتم الاتفاق على ثلاثة مشاريع:
الأول في العاصمة الجزائرية على مساحة 5 آلاف هكتار، ويتضمن إنشاء خمسة فنادق من فئة خمسة نجوم ووحدات سكنية سياحية على البحر.
أما الثاني كان يبعد عن العاصمة 30 كيلومتراً، وهو عبارة عن إقامة قرى سياحية.
في حين يتضمن المشروع الثالث إقامة قرى ومجمعات سكنية سياحية شرق الجزائر، وفق العضو.
وأشار إلى أنه وعقب البدء في تنفيذ المشاريع تفاجأ الجميع بإحضار حكومة الأسد لـ” Sub-contractor” وهو ما يسمى “متعاقد من الباطن”.
ويعرف هذا المصطلح بأنه فرد أو شركة توقع عقداً لأداء التزامات عقد آخر، بينما يقوم دوره على تنفيذ الوظيفة التي استأجرها المقاول أو المتعهد الأساسي.
وأوضح المتحدث أن المتعاقد كان شركة لبنانية يرأسها ناصر قنديل، النائب السابق في البرلمان اللبناني، ما أدى إلى اعتراض من قبل بعض رجال الأعمال السوريين، الذين رفضوا بداية إحضار الأخير، وحاولوا الضغط على مالك المشاريع، الذي لم يكن لديه أي اعتراض، وإنما هدفه هو تنفيذ المشاريع.
وأشار إلى أن تخوف بعض رجال الأعمال كان يتمثل في محاولات التلاعب والسرقة بالمشاريع، ما يضر بسمعة الشركات السورية.
وذلك ما حصل بالفعل، إذ بدأ بالتلاعب بأنواع الحديد والإسمنت، قبل سنة 2011 وتغيير مدراء الشركات، ما أدى إلى إيقاف المشاريع الضخمة بشكل نهائي في 2011، وتسليم ما نُفذ منها للمالك.