مرسوم “البيوع العقارية”..ثغرات قانونية وأهداف النظام غير واضحة
بعد نحو شهر، من إصدار رئيس النظام، بشار الأسد، لقانون “البيوع العقارية”، فإن مجموعة تساؤلات مازالت تُطرح حول أثاره وأهميته، إلى جانب إشارات استفهام عن توقيته والهدف من إصداره.
القانون، وإن كان حسب مختصين، يهدف في ظاهره إلى إعادة النظر بقيمة العقارات في كافة المناطق بسورية وتشجيع على المعاملات البنكية وزيادة إيرادات الدولة من خلال تعزيز العدالة الضريبية، فإن بعضهم وجد فيه أهدافاً غير مُعلنة، يسعى النظام إلى تحقيقها، و تتعلق بمرحلة “إعادة الإعمار” المستقبلية في سورية.
ماذا نص القانون؟
وتضمن القانون، الذي نشرته وكالة “سانا” الرسمية، 21 مادة، ونص على تشكيل وزير المالية في حكومة الأسد لجانًا مركزية ورئيسة وفرعية في المحافظات والمدن كافة، تكون مهمتها “اقتراح الشرائح السعرية ووسطي القيمة الرائجة للمتر المربع الواحد للوحدات العقارية لكل شريحة وفق المعايير المحددة لذلك، وتحميلها على الخرائط الإلكترونية المصممة لهذه الغاية ضمن نطاق عملها”.
وحدد القانون “مقدار الضريبة بمعدل من القيمة الرائجة للوحدة العقارية وفق الآتي: 1% للعقارات السكنية، و2% للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدق، و1% للأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي المصدق، و3% عن بيع العقارات غير السكنية، و1% للأسطح في العقارات السكنية”.
كما نص على إلزام “الخاضعين لأحكام هذا القانون في حالتي البيع والهبة بالآتي: تقديم تصريح خطي خلال 30 يوماً من تاريخ الواقعة وفق النموذج المعتمد لدى الدوائر المالية حصراً، وتسديد الضريبة المترتبة خلال٣٠ ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم التصريح المنصوص عليه”، مشدداً على أن “يحظر على دوائر السجل العقاري وكُتاب العدل وكل جهة مخولة بتسجيل الحقوق العينية العقارية وتوثيق أو تسجيل أي حق عيني عقاري، ما لم يبرز أصحاب العلاقة براءة الذمة من الدوائر المالية ذات العلاقة”.
وحول تعريف القانون يقول المهندس محمد مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية”، إن حكومة الأسد كانت كل عام تصدر قراراً يتعلق بتخمين سعر العقارات في كل المناطق، وتختلف الأسعار بين منطقة وأخرى، إذ أن سعر العقار في دمشق يختلف عن ريفها وعن المحافظات الأخرى، ثم يتم احتساب الضريبة حسب السعر التخميني.
وأشار شربجي في حديث لـ”السورية. نت” إلى أن القانون الجديد سمح للجان المشكلة بإعطاء القيمة الحقيقية للعقار وليس القيمة التخمينية، وهو نظرياً جيد لكن توقيته غير مناسب لأنه يجب أن يتناسب القانون مع الواقع المعيشي للمواطن، خاصة وأن راتب الموظف حالياً لا يتعدى 20 دولاراً أمريكياً.
وعقب صدور القانون انبرى مسؤولون في حكومة الأسد للدفاع عنه، والحديث عن أهمية إصداره سواء كان من قبل وزير المالية أو مسؤولين في هيئة الضرائب والرسوم.
واعتبر وزير المالية في حكومة الأسد، كنان ياغي، أن “قانون البيوع العقارية الجديد يهدف إلى تحقيق العدالة ما أمكن بين المكلفين، إضافة إلى معالجة التهرب الضريبي في مجال بيع وشراء وتأجير العقارات وهو ما يؤدي إلى فوات المنفعة والإيرادات على الخزينة العامة للدولة”.
أما مدير عام هيئة الضرائب والرسوم، منذر ونوس، فقد اعتبر في مقابلة تلفزيونية أن “القانون ينظم الضريبة على البيوع العقارية وفق آلية جديدة عملت عليها وزارة المالية تستهدف تحقيق العدالة الضريبية للمكلفين”.
وأشار ونوس إلى أنه “خلال الفترة السابقة كانت عملية البيوع العقارية خاضعة للقانون رقم 41 عام 2005 بالاعتماد على القيمة المالية للعقار الذي يتم بيعه حيث القيمة المالية للوحدات العقارية هي قيم مالية صغيرة نسبياً لا تعكس الواقع الحالي لقيم العقارات”.
ولم يكتف المسؤولون في حكومة الأسد بالتصريحات، وإنما أطلقت وزارة المالية ما يسمى “بوت” عبر “تلغرام” بعنوان “دليل قانون الضريبة على البيوع العقارية” هدفه عرض مزايا القانون للمواطنين ومعايير تقييم واحتساب القيمة الرائجة للعقارات.
كما أعلن مدير عام هيئة الضرائب والرسوم منذر ونوس، إطلاق “تطبيق جديد” يتم من خلاله حساب القيمة الرائجة لجميع العقارات في سورية، عبر إدخال رقم العقار وظهور القيمة الرائجة في البرنامج المؤتمت.
ثغرات قانونية
ورغم أهمية القانون، حسب تصريحات مسؤولي حكومة الأسد، إلا أنه حمل ثغرات قانونية واقتصادية، دفعت قانونيين ومحللين اقتصاديين لانتقاده.
و”أهم ثغرة في القانون هو تغوله على السلطة القضائية وفرض قيود عليها، مما ينال من استقلال القضاء الذي كفله الدستور”، حسب ما قاله أستاذ في القانون “للسورية. نت”، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.
من جهته قال المحامي عارف الشعال، عبر صفحته في “فيس بوك” إن “المادة 9 من قانون ضريبة البيوع العقارية تعد واحدة من أخطر مواد هذا القانون، حيث ألزمت المتعاقدين في حالتي البيع والهبة بتقديم تصريح خطي بالعقد خلال 30 ثلاثين يوماً من تاريخ البيع أو الهبة، وفق النموذج المعتمد لدى الدوائر المالية حصراً، (يعني لا يكفي أن يقوم المتعاقد بإخبار المالية باستدعاء عادي أو ببطاقة بريدية أو كتاب عن طريق الكاتب بالعدل)”.
واعتبر الشعال أنه “نصٌّ إشكالي سيثير الكثير من المتاعب للمتعاقدين، بحسبان أن مراحل عملية بيع العقار تستغرق أشهر في كثير من الأحيان (توقيع العقد، تسليم العقار، ترقين إشارات والفراغ في الطابو)، وعند كل مرحلة يدفع جزء من الثمن، ففي أي مرحلة ينبغي تقديم هذا التصريح؟!، معتبراً أن “هذه واحدة من الحالات التي يفتقد فيها المشرع للبصيرة!
وحول المادة 13 من القانون علق الشعال بالقول “حتى قانون أصول المحاكمات المعني مباشرة بقبول أو عدم قبول الدعوى، لم يخاطب المحكمة بلهجة سلطوية تتضمن الأمر والتوجيه، كما فعل قانون ضريبة البيوع العقارية في المادة 13/ د، عندما استخدم عبارات قبيحة مثل (يحظر على المحاكم …) أو (تقضي المحكمة برد الدعوى شكلاً …)”، مؤكداً أن “كل نص يسلب السلطة التقديرية للقاضي يعدُّ طغياناً على السلطة القضائية”.
هدف مبطن
أما الأثار الاقتصادية للقانون فانقسمت الآراء بين من يراه بأنه سيزيد من الإيرادات الضريبية للخزينة العامة، الأمر الذي يعود بالنفع العام على المواطنين وتنعكس إيجاباً على الخدمات المقدمة لهم، وبين من اعتبره باب جديد للفساد في تحصيل الضرائب المستحقة على بيع العقارات.
واعتبرت وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة الأسد، لمياء عاصي، عبر حسابها في “فيس بوك” أن “قانون البيوع العقارية، خطوة أولى وأساسية على طريق ترميم الإيرادات العامة، وتكريس مفهوم العدالة الضريبية، ولكن يلزمه البنية التحتية المناسبة من كوادر بشرية واجهزة وبرامج معلوماتية، لجعل تنفيذه ممكناً”.
لكن في المقابل توقع المهندس مظهر شربجي ارتفاع أسعار العقارات بعد إصدار القانون، بسبب تعويض القيمة الضريبية التي سيتم دفعها.
أما المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، فقد اعتبر أن الهدف الظاهر من القانون هو ملئ الخزينة بالأموال، لكن للقانون أبعاداً اقتصادية على المدى المتوسط والطويل.
وقال الكريم لـ”السورية. نت” إن هدف القانون هو خلق بيئة عقارية متكاملة وإعادة ترتيب البيئة الاقتصادية قبل تغيّر بالمشهد السوري، إذ أن إعادة الإعمار في سورية يقصد بها المقاولات والعقارات وبالتالي من الطبيعي أن يبدأ الأسد ترتيب البيئة بحيث لا يفقد الامتيازات، وبالتالي من الطبيعي إصدار قوانين لترتيب البيئة في حال انطلاق عملية إعادة الإعمار.
وأضاف الكريم أن الأسد يصدر قوانين هي بالعموم تبدو لصالح الدولة لكن الهدف منها إعادة تنظيم البيئة الاقتصادية، خاصة وأنها تأتي على مقاس شركات محددة كالمادة 14 من ذات القانون التي تنص على عدم أحكام القانون على “شركات مشاريع التطوير العقاري المرخصة وفق أحكام قانون التطوير العقاري النافذ، أي أن شركاء شركة دمشق الشام القابضة سوف يكونون محميين من هذا القانون وتبعاته، في حين الشركات الأخرى والأفراد فإنهم سوف يدفعون الرسوم”.