تثير التقارير التي نشرتها وسائل إعلام إيرانية رسمية حول نية طهران تسليم النظام السوري منظومة الدفاع الجوي “خرداد 15” الكثير من التساؤلات، وبينما تتعلق البعض منها بالأسباب التي تقف وراء ذلك ترتبط أخرى بالخطوات التي قد تتخذها إسرائيل، وما إذا كانت ستنعكس على “معادلة الحرب بين الحروب” التي تقودها، منذ سنوات.
وكان التلفزيون الإيراني الرسمي قد ذكر، يوم الجمعة، أن “سورية بحاجة إلى إعادة بناء شبكة دفاعها الجوي وتتطلب قنابل دقيقة لطائراتها المقاتلة”، وأنه “من المرجح جداً أن نشهد قيام إيران بتزويد إيران بالرادارات والصواريخ الدفاعية، مثل نظام خرداد 15 لتعزيز الدفاعات الجوية السورية”.
كما نشرت وكالة “تسنيم” الإيرانية تسجيلاً مصوراً دعائياً لآلية عمل المنظومة واستهدفت به إسرائيل، بالقول: “قريباً ستكون الشبح الذي يلاحق سلاح الجو الإسرائيلي في سورية. منظومة 15 خرداد للدفاع الجوي الإيراني، ستكون بحوزة الجيش العربي السوري”.
وفي حال صحّت المعلومات التي نشرتها الوسائل الإيرانية ستكون هذه الخطوة الأولى من نوعها في سورية، رغم أن طهران زجّت بالكثير من الميليشيات في البلاد، منذ عام 2012، لدعم نظام الأسد، بعدما انطلقت الاحتجاجات ضده، ومن ثم تحوّل المشهد إلى حراك مسلح.
ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي من طهران بشأن هذه الخطوة، إلا أن “التلفزيون الإيراني” روّج لها على أنها ستكون “أمراً واقعاً في الأيام المقبلة”، وهو ما أثار اهتمام إسرائيليين، من صحف وإعلاميين ومراكز أبحاث، من منطلق أن عملية التسليم “ستغّير قواعد اللعبة”.
وتمتلك إيران مجموعة واسعة من منظومات الدفاع الجوي، من بينها: منظومة “باور373” ومنظومة “خرداد 15″، وفي حين تم تطوير منظومة “باور” ليصل مداها إلى 300 كيلومتراً، يصدل مدى المنظومة التي من المقرر تسليمها لنظام الأسد 150 كيلومتراً وبتتبع 120 كيلومتراً.
وقد تم الكشف عن نظام خرداد 15 لأول مرة في عام 2019 وتباهت إيران في ذلك الوقت بأن النظام الجديد يمكنه تتبع 6 أهداف في نفس الوقت، بما في ذلك الطائرات والطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات.
وكانت الأحاديث المتعلقة بنية التسليم للنظام السوري قد جاءت في أعقاب زيارتين، الأولى أجراها قبل أيام إلى طهران قائد القوى الجوية في قوات الأسد، اللواء صلاح الدين كاسر الغانم، والثانية قبل قرابة شهر لـ”وزير الدفاع السوري”، علي محمود عباس.
“5 أسباب”
في حديث لموقع “السورية.نت” يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، محمود البازي أن هناك أسباب متعددة دفعت طهران لتحويل المنظومة الدفاعية (خرداد) للنظام السوري.
ويتعلق السبب الأول بأن “إسرائيل باستهدافها المطارات المدنية السورية تجاوزت كل الخطوط الحمراء في قواعد الاشتباك الإيرانية-الإسرائيلية”.
إذ يوضح البازي أن “استهداف المطارات يعيق عملية نقل الأسلحة إلى سورية، والقصف الأخير الذي حدث في كفرسوسة أثار مخاوف إيرانية من استهداف القيادات الإيرانية العليا العاملة في سورية”.
وكانت مقاتلات إسرائيلية قد استهدفت، الأسبوع الماضي، مبنى في حي كفرسوسة بالعاصمة السورية دمشق، وبينما تحدثت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري عن مقتل خمسة أشخاص بينهم عسكري، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر أن الضربة استهدفت منزلاً كان يجتمع فيه مسؤولون إيرانيون وخبراء فنيون في مجال تصنيع الطائرات المسيرة.
وقال مصدر مقرب من حكومة النظام للوكالة، إن الضربة استهدفت اجتماعاً لخبراء فنيين سوريين وإيرانيين، بهدف تطوير برامج الطائرات المسيرة والقدرات الصاروخية لإيران في سورية.
وأشار إلى أنه لم يُقتل أي مسؤول إيراني “رفيع المستوى”، في حين قتل مهندس سوري يعمل في مركز البحوث العلمية التابع للنظام، والمتورط بإنتاج أسلحة كيماوية، كما قُتل مسؤول إيراني “ليس رفيع المستوى”.
في حين قال مصدر أمني إقليمي للوكالة إن أحد مهندسي “الحرس الثوري” أصيب بجروح خطيرة، ونُقل إلى مستشفى في طهران، بينما لم يصب عضوان آخران بـ”الحرس الثوري” في الاجتماع بأذى.
من جانب آخر تحدث البازي عن سبب ثانٍ وراء نية تسليم المنظومة، حيث “يبدو أن الروس يتحفظون على استخدام السوريين لمنظومة الدفاع الجوي إس 300 ضد الطائرات الإسرائيلية”، ولذلك يأتي تسليم “خرداد” كبديل مؤقت.
كما تعول طهران والنظام السوري على خلاف قد يظهر إلى العلن في القريب العاجل بين روسيا وإسرائيل، إثر حديث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أوكرانيا، مما يزيد الفرص من استهداف الطائرات الإسرائيلية التي تهاجم دمشق في المستقبل.
“أبعد من سورية”
“وخرداد 15” منظومة دفاع جوي مصممة لاستهداف الطائرات المقاتلة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرّة، ولذلك يهدف تسليمها “منع الطائرات الإسرائيلية من دخول الأجواء السورية”.
وبالإضافة إلى ذلك فإن المنظومة “فاعلة حتى إذا قررت إسرائيل ضرب أهداف في سورية من الأجواء اللبنانية أو من خلال صواريخ بالستية”.
ومنذ تدخل إيران في سورية في 2011 أو 2012 كان هدفها “تعزيز القواعد العسكرية الإيرانية هناك لتكون عامل ردع من استهداف الداخل الإيراني”، حسب ما يوضح البازي.
ويقول إن “طهران تنظر إلى سورية كعمق استراتيجي لها، ولذلك ولتعدد الضربات الإسرائيلية أصبح من المهم تزويدها بمنظومة دفاع جوي قادرة على ردع إسرائيل”.
في المقابل يشير الباحث إلى “المناورات الأمريكية الإسرائيلية المشتركة المسماة Juniper Oak 23 والتي اختتمت في 27يناير 2023، وهي أكبر مناورات مشتركة في تاريخ إسرائيل والولايات المتحدة، ويبدو بأنها تحاكي حرب كلاسيكية مع إيران”.
وكذلك يجب الإشارة إلى طلب إسرائيل من الولايات المتحدة تسليمها طائرات “إف 15 أي إكس” الأكثر تطوراً، وهي قادرة على حمل قنابل بشكل أكبر من طائرات إف 35، وذلك لاستهداف المواقع النووية الإيرانية، ويبدو بأن تسليم هذه الطائرات سوف يتم في عام 2028.
وعلى الطرف المقابل هناك حديث عن محاولة طهران شراء طائرات روسية من طراز سوخوي 35 وهي قد بنت لهذه الطائرات مخبأ تحت الأرض يسمى “عقاب 44” كشفت عنه قبل أيام.
ولذلك يعتبر الباحث البازي أن “إيران بتسليحها لسورية ونقلها لطائرات مسيرة إلى حزب الله تحاول خلق معادلة ردع متعددة الأطراف (سوريا-لبنان-فلسطين) لمنع أي عمليات مستقبلية تستهدف أراضيها بشكل مباشر”.
هل تتغير قواعد اللعبة؟
وفي تحليل نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، اليوم السبت قالت إن “تداعيات مزاعم إيران واضحة، فهي تريد أن تُظهر قدرتها على تزويد سورية بنظام يمكن أن يغير قواعد اللعبة”.
وذلك لأن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية “يمكن أن توفر غطاء لأنواع أخرى من التمركز الإيراني في البلاد”، بعدما كان يندرج خلال السنوات الماضية ضمن سياق عمليات التهريب “براً وجواً وبحراً”.
وجاء في التحليل أن “التقدير العام هو أن المنظومة مهمة لسورية وسيزيد من دفاعاتها الجوية. ولها تداعيات عليها، في وقت يجري رأس النظام السوري بشار الأسد زيارات خارجية، آخرها إلى سلطنة عمان”.
كما أن لها تداعيات على دور روسيا، وربما على دور تركيا والولايات المتحدة، وكذلك “على سياسة إسرائيل في منع ترسيخ إيران في سورية”.
وغرد عبد الرسول ديفسلار، الأستاذ الزائر في جامعة كاتوليكا والباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط: “يزعم التلفزيون الإيراني الحكومي أن طهران تبيع أنظمة الدفاع الجوي إلى سورية، بما في ذلك 3-Khordad SAMs”.
وقال: “كانت هناك اعتبارات كثيرة في طهران تعارض هذا القرار. ومع ذلك، يبدو أن قرار طهران نهائياً. وإذا حدث فإن المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مستوى آخر”.
بدوره يقول الباحث البازي لـ”السورية.نت”: “من الناحية الأمنية فإن الإيرانيين يبنون معادلة الردع المتعددة على المدى المتوسط، ولذلك فمن الممكن أن نشهد هجمات إسرائيلية جديدة على سورية، ولكن الهدف الأصلي من خرداد وغيرها من الأسلحة هو ترسيم معادلات اشتباك جديدة”.
ويضيف: “تظهر أهميتها كذلك على المدى المتوسط وبصورة واضحة في حال تم استهداف الأراضي الإيرانية”.
ويعتمد جيش النظام السوري بشكل عام على منظومتي “إس 200” و”بانتسير”، وأنظمة أخرى ثبت عدم كفاءتها، عندما كانت إسرائيل تشن هجمات جوية وصاروخية متواصلة.
ومن المفترض، وفق تحليل “جيروزاليم بوست” أن يمثل تسليم “خرداد أمراً نوعياً من الدعم من قبل إيران، مما يزيد من القدرات العسكرية لسورية أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي”.
وحتى الآن ليس من الواضح عدد أنظمة الدفاع الجوي التي قد يحصل عليها النظام السوري، وتشير التقارير ظاهرياً إلى إرسال عدة أنظمة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان سيتم تسليمها ومتى أو ما إذا كانت إيران قد حاولت بالفعل تسليمها.