كيف يمكن لمراقب خارجي أن يقرأ مبادرة “رئيس دولة” لحضور إطلاق مرحلة أولى من مشروع للطاقة الكهروضوئية، محتفلاً مع عدد من أركان حكومته، بإنتاج كهرباءٍ، بنسبة تغطي نحو 2 بالألف من العجز الكهربائي المزمن في بلده؟
هذا ما فعله بشار الأسد، يوم الخميس الفائت. إذ حضر إطلاق المرحلة الأولى من مشروعٍ لإنتاج الكهرباء باستخدام ألواح الطاقة الشمسية، قرب العاصمة دمشق. المشروع يُنتج الآن 10 ميغاواط، فيما العجز الكهربائي في سوريا، يُقدّر بنحو 4500 ميغاواط. كان الأسد قد حضر وضع حجر الأساس للمشروع ذاته، في حزيران/يونيو 2021. فيما الهدف المُعلن للمشروع، إنتاج 100 ميغاواط من الكهرباء. أي أن إنتاج عُشر الكمية المُستهدفة، تطلب 14 شهراً!
لكن، لماذا كل هذا الاهتمام من جانب الأسد بهذا المشروع تحديداً؟ يتبدى الجواب إن قمنا بالبحث عن كلفته. إذ وفق مستثمرين في مجال الطاقات المتجددة بسوريا، يُكلّف إنشاء محطة شمسية تُنتج 1 ميغاواط، حوالي 4.5 مليار ليرة سورية، أي نحو 950 ألف دولار، وفق سعر الصرف الرائج في الوقت الراهن. والمشروع المشار إليه، يستهدف إنتاج 100 ميغاواط، أي أن تكلفته المزمعة قد تصل إلى نحو 95 مليون دولار، وهو استثمار ضخم بالمقارنة مع الاستثمارات التي دخلت الاقتصاد السوري في السنوات الثلاث الأخيرة. ومع الإشارة إلى أن استرداد رأس مال مشروع الطاقة المتجددة في سوريا، يتطلب نحو 10 سنوات، وفق العارفين بهذا المجال، فإن ذلك يفسّر البطء في تنفيذ المشروع. إذ يبدو أن القائمين عليه يريدون تمويل المراحل القادمة من حصيلة أرباح المراحل المُنجزة. وهو ما يؤشر إلى أن ممولي المشروع ليسوا من أصحاب الملاءة المالية الضخمة. فمن هم؟ لا يكشف الإعلام الموالي ذلك. إذ يكتفي بالإشارة إلى أن المشروع هو شراكة بين القطاع العام والخاص. وهذه الشراكة ليست برأس المال. فرأس المال هو فقط من القطاع الخاص. ويوضح هذا الإعلام، أن المشروع هو استثمار جماعي لعدد من رجال الأعمال. دون أن يكشف عن هوياتهم.
الملفت هو أن وسائل الإعلام الموالية، حينما عكفت في اليومين الماضيين على الترويج لتصريحات الأسد بهذه المناسبة، اتفقت –بالإجماع!- على استخدام توصيف “المعادلة” لرؤيته حيال مستقبل الكهرباء بسوريا. فما هي أبرز مكونات هذه “المعادلة”؟
المكوّن الأول، تنظيري، إذ يقوم على مبدأ يعاكس الطبيعة. فالأسد يصف رأس المال “الوطني” بأنه شجاع. فيما رأس المال “الجبان”، ليس وطنياً أو أنه أجنبي. وهذا هو “النموذج” الذي يريد الأسد تعميمه لرأس المال “الوطني”. أما سبب هذا البعد التنظيري، فهو أن المدى الزمني المطلوب لاسترداد رأس المال في مشاريع الطاقة المتجددة في سوريا، بعيد للغاية. وبالتالي، هو منفّر لمعظم المستثمرين، خاصة في بلد كسوريا، لا تتمتع بمؤشرات استقرار بعيد المدى، كما وتغيب عنها الضمانات القانونية التي تحمي المستثمرين.
المكوّن الثاني، تنظيري هو الآخر، لكنه مفيد في فهم قراءة النظام للواقع والأفق الزمني القريب. إذ أنه يطلب من رجال الأعمال الدخول في استثمارات جماعية في مجال الطاقة البديلة. الاستثمار الجماعي هنا، لزوم الكلفة المرتفعة، وطول مدة استرداد رأس المال. وهو ما يؤشر إلى رغبة النظام في الاعتماد على مستثمرين محليين، متواضعي الملاءة المالية –قياساً بالاستثمار الأجنبي-. وهو يؤشر أيضاً إلى تراجع رهانات النظام على استثمارات خليجية ضخمة في هذا القطاع تحديداً.
أما المكوّن الثالث، فيتعلّق بتوزيع الأدوار. فـ “الدولة” تُعنى بالطاقة التقليدية المولّدة من محطات الوقود الأحفوري. وهو ما أوضح الأسد أن حكومته تركز عليه في الفترة القادمة، أي إعادة تأهيل محطات التوليد القائمة أساساً. فيما سيُعنى القطاع الخاص بالاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة. لكن بـ “شراكة” مع القطاع العام.
وهنا ننتقل إلى المكوّن الرابع، وقد يكون الأهم، وهو توصيف هذه “الشراكة” بين العام والخاص. فهي لن تكون على صعيد التمويل، بل على صعيد شراء الطاقة المُنتَجة، ومن ثم بيعها للمستهلك، باستخدام شبكات النقل والتوزيع الكهربائية. أي أن “الدولة” ستكون وسيطاً بين القطاع الخاص والمستهلك السوري. وهو شكل واضح من أشكال الخصخصة لقطاع الكهرباء، التي لطالما حذّر مُطلعون منها، جراء المعطيات المتوافرة التي تفيد بأن مستثمري محطات الطاقة البديلة في سوريا، هم إما من المحسوبين على إيران، أو من رؤوس الأموال التي تدور في فَلَك المكتب الاقتصادي بالقصر الجمهوري. وذاك قد يكون بيت القصيد من دعم الأسد الجلّي لهذه المشاريع، وصولاً إلى زيارتها وتفقدها، من حين لآخر، وذلك رغم محدودية أثرها في تغيير الواقع الكهربائي في البلاد، خلال المدى الزمني القريب أو حتى المتوسط.
معالم هذه الشراكة، أوجزها الأسد حينما قال إن “الدولة” ستكون شريكاً من خلال “تسهيل العملية ودعم المستثمر”. وهنا يجب أن نضع عدة خطوط تحت عبارة “دعم المستثمر”. وهو ما مهّد له الأسد منذ عام، حينما أصدر في تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت، قراراً بإنشاء صندوق لدعم استخدام الطاقة المتجددة، يموّل المستثمرين بقروض دون فوائد. وهو تمويل سيُقتطع دون شك من ميزانية الدعم الاجتماعي المتضاءلة، بذريعة التأسيس لخيار استراتيجي مستقبلي في مجال الطاقة. تمهيد النظام للمسار الراهن، استُكمل “تشريعياً” في كانون الأول/ديسمبر من العام الفائت، حينما أصدر الأسد مرسوماً بجواز شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقات المتجددة. وبذلك يكون هذا المسار قد حظي بالتوطئة القانونية المناسبة.
وبناءً على ما سبق، يمكن استشراف مستقبل الكهرباء في سوريا، وفق “المعادلة” التي قدّمها الأسد. فحكومته أعلنت عن خطة تقول إنها في عام 2030 ستتمكن من توفير 2000 ميغاواط من الكهرباء المُنتجة من الطاقة المتجددة. وهو رقم أقل من نصف العجز الكهربائي الحالي في سوريا (4500 ميغاواط). فيما ترميم وإعادة تأهيل محطات الطاقة التقليدية، تتطلب مئات ملايين الدولارات التي لا تملكها حكومة النظام، لذلك عقدت اتفاقيات مع شركات إيرانية وروسية في هذا المجال، خلال السنة الأخيرة تحديداً. ومن غير الواضح كيف ستدفع حكومة النظام المبالغ الضخمة التي تعهدت بها لتلك الشركات، مما يجعل النتيجة جلّية. فالكهرباء التقليدية باتت في قبضة الإيرانيين والروس، فيما الكهرباء “المتجددة” باتت في قبضة مستثمرين مجهولي الهوية، يحظون بدعمٍ مباشر من رأس هرم النظام، مما يعزز فرضيّة أنهم محسوبون عليه.
باختصار، هي محاصصة بين حكام سوريا الأجانب والمحليين. وعلى السوريين ألا يتوقعوا أن تُنار منازلهم على مدار 24 ساعة، في نهاية العقد الراهن. لكنهم يمكن أن يتوقعوا أن الكهرباء ستصبح واحدةً من أغلى السلع في سوريا. فحكام البلاد يراهنون على الاستثمار فيها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت