مفاوضات طويلة بين الطرفين..كيف تغيرت علاقة النظام مع قسد
من "الوكيل" لـ"الند"
عاد قائد القوات الروسية في سورية ألكسندر تشايكو من القامشلي، دون حصول أي تغيير في موقف “قوات سوريا الديمقراطية”، حول المطالب التي قدمها في زيارته الأولى الشهر الماضي.
وذكر موقع قناة “الميادين” الممولة إيرانياً والمقربة من نظام الأسد، أن تشايكو التقى “قائد قسد مظلوم عبدي في مقره الذي يعدّ أيضاً قاعدة مشتركة لقسد مع التحالف”.
ولم يطرأ أي تغيير جدي على موقف “قسد”، حول انسحابها من الشريط الحدودي مع تركيا.
وقوة موقف “قسد” يعكسه الاعتماد على ورقتي دعم التحالف الدولي لها بقيادة الولايات المتحدة، وتهديدها الدائم بخطر عناصر “تنظيم الدولة” المتواجدين في سجونها.
بالمقابل، يحاول النظام في كل فرصة، عدم إعطاء “قسد” الكثير من الخيارات، بل يرفع سقف مطالبه في كل جولة مفاوضات معها، رغم العلاقات السابقة مع “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يشكل إلى جانب ذراعه العسكري (وحدات حماية الشعب)، عماد “الإدارة الذاتية” و”قسد”.
النظام أعاد التفكير في العلاقة
وشكلت عدة تطورات لدى النظام، فكرة إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع “قسد”، بحسب مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الإستراتيجية” معن طلّاع، خلال جديثٍ لـ”السورية نت”.
أولها أن طبيعة التدخل الأمريكي وحجمه وبقاءه، أعطى “حزب الاتحاد الديمقراطي مساحة في التفاوض مع النظام من منظور عال، والعلاقة لم تصبح لاحقاً كعلاقة بين موظفين”.
و”اليوم يشعر النظام أن قسد تعامله كند”، وهذا الند لا يستطيع التعامل معه في اللحظة الحالية لأن الأمريكي يقف خلفه.
ومن خلال النظام السياسي، قد يتوافق النظام مع تركيا في إنجاز أي تفاهم سياسي معين، لكن حجم التفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون ضئيلاً جداً.
ولن يعطي النظام “قسد” حتى على المستوى الإداري الكثير وسيتمسك أكثر، لأنه “يرى أن هذا الجسم فقدَ الثقة رغم أنه ما زال بالإمكان استخدامه كورقة ضاغطة ضد تركيا”.
استطاع الروس وقوات الأسد منذ عملية “نبع السلام” التركية ضد “قسد” في تشرين الأول / أكتوبر 2019، الانتشار بمناطق سيطرة “قسد” ومنها مدن وبلدات خرجت عن سيطرة النظام منذ العاملين 2012 و2013.
ومنحت العملية العسكرية التركية (المخلب السيف) فرصة لروسيا والنظام، للضغط على “قسد”، من أجل زيادة تواجدهم في مناطق سيطرتها، وهو أسلوب اتبعه الروس مع كل تهديد عسكري تركي ضد “قسد”.
ومازالت عملية المخلب السيف مقتصرة على الغارات الجوية والقصف المدفعي منذ إطلاقها في 20 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مع تأكيدات تركيا بقرب العملية البرية، ومعارضة كل من روسيا والولايات المتحدة.
“الند يرد”
اللقاء الأول لتشايكو مع عبدي منذ إطلاق تركيا عمليتها (المخلب السيف) كان في 27 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، وطلب من عبدي حينها انسحاب “قسد” مسافة 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية – التركية، ودخول قوات من جيش الأسد إلى المنطقة.
وذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، بأنه لم يحصل أي اتفاق بشأن انتشار قوات الأسد في المنطقة، وأن “الطلب هو رسالة تركية أخيرة قبل بدء العملية البرية”.
لكن “قسد” لم تتراجع عن موقفها بعدم سحب قواتها من الشريط الحدودي، رغم الضربات التركية وما رافقها من ضغط ومفاوضات من قبل الروس والنظام.
وفي لقائه مع صحيفة “الشرق الأوسط” المنشور، اليوم الأربعاء، قال عبدي، إن قوات الأسد الموجودة في الشريط الحدودي “هم القوات الأساسية وتبلغ ضعف” قواته، مشيراً إلى أنه إذا حصل هجوم على عين العرب ومنبج “فإن ذلك سيكون مشكلة للنظام أكثر من أن يكون مشكلة بالنسبة لنا، قوات النظام موجودة على الحدود، وهي التي ستكون مستهدفة”.
وأضاف عبدي، أنه في حال هجوم تركيا برياً على عين العرب ومنبج، فإن “على النظام أن يتخذ قراراً إما بالانسحاب وعدم القتال وترك تلك المناطق للجيش التركي والانسحاب منها، أو أن يقاتل”.
وذكر عبدي أنه لا يوجد ضرورة لانسحاب “قسد” ودخول قوات الأسد لأنها موجودة بالأصل، أما قوات الأمن الداخلي التابعة له (الأساييش) أو مؤسسات “الإدارة الذاتية” المدنية “فهذا أمر آخر، ونحن لن ننسحب”.
مراحل العلاقة بين الطرفين
منح النظام في العام 2012 أحزاباً كردية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، سلطة إدارية في ثلاثة مناطق، هي محافظة الحسكة مع بقاء مع الأماكن تحت سيطرته كالمربعات الأمنية ومطار القامشلي، ومدينة عين العرب/ كوباني شمال شرقي حلب، وعفرين شمال غربي حلب، وجميعها تقع بالقرب من الحدود التركية (ثلاثة كينتونات وهي الجزيرة وعين عرب وعفرين).
وكان “الاتحاد الديمقراطي” قد أسس “مجلس شعب كردستان”، إلى جانب أحزاب كردية أخرى أواخر 2011.
توسع “حزب الاتحاد الديمقراطي” لاحقاً في آلية إدارة هذه المناطق، وشُكل ما يسمى “الإدارة الذاتية الديمقراطية المؤقتة” في تشرين الثاني / نوفمبر 2013.
ثم أسست هذه الإدارة مطلع العام 2014 ثلاثة مجالس تشريعية وتنفيذية، في “كيتونات الجزيرة وعفرين وعين العرب”، اقتصر عملها على إدارة بعض الخدمات بهذه المناطق بالتنسيق مع النظام.
لكنها استمرت بالتمدد حتى أصبحت هي صاحبة الكلمة العليا في مختلف الصعد الإدارية والخدمية والأمنية والعسكرية.
من ناحية أخرى فإن تشكيل “وحدات حماية الشعب” لـ”قسد” في تشرين الأول / أكتوبر 2015 إلى جانب عدة فصائل عسكرية كردية وعربية وآشورية، وتلقيها دعماً كبيراً من “التحالف الدولي لقتال “تنظيم الدولة”، وسيطرتها على مناطق جديدة على حساب التنظيم، وعلى رأسها أماكن تواجد آبار النفط، منح “الإدارة الذاتية” (الاتحاد الديمقراطي) سلطة واسعة ودوراً أكبر في الساحة السورية.
حتى أنه في آذار 2016، طُرح مشروح فيدرالية شمال شرق سورية “فيدرالية روج آفا”.
وتجري مفاوضات بين النظام و”قسد” بشكل مستمر، قدم خلالها الطرفان مطالب، إلا أنهما لم يتوصلا إلى صيغة تفاهم أو اتفاق محدد.
وقال الباحث معن طلّاع، إن حجم التنازل لدى النظام “تضاءل جداً خاصة بعد وضوح الندية من قبل قسد”.
والند الذي سلمه النظام بضعة مناطق عام 2011 و2012، ليركز على قمع الثورة السورية بباقي المحافظات السورية، أصبح الآن يملك آلاف المقاتلين ويحاول أن يفرض شروطه.
فعبدي لا يمانع أن تكون “قسد جزءاً من المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام”، لكن لديه شروط وتفاصيل، بحسب ما جاء في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”
وذكر عبدي أن قواته تتجاوز 100 ألف عنصر، وأمضوا عشر ستوات في القتال، وهم بحاجة إلى حل دستوري وقانوني، فـ”قسد يجب أن يكون لها دور وخصوصية ضمن الجيش، الأمور العامة متفقون عليها (أي مع النظام)، لكن عند التفاصيل هناك مشاكل ما يجعل الأمر يأخذ وقتاً”.
وأكد عبدي أن “قسد” ترسل وفوداً إلى دمشق وأنه يريد الذهاب إلى دمشق “عندما تنضج الظروف للحل”.
وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” التي تشكل عماد “قسد”، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب، وشنت عدة عمليات عسكرية ضدهما في سورية والعراق آخرهم (المخلب السيف).