خلال سنوات القطيعة السياسية بين النظام السوري وتركيا، دار الحديث حول اتفاقية “أضنة” الموقعة بين الجانبين، مرات عدة، خاصة في أعقاب التهديدات التركية بشن عملية عسكرية على الأراضي السورية، ضد التنظيمات التي تصنفها تركيا “إرهابية”.
مؤخراً، ومع تصاعد الخطاب التركي حول بدء عملية برية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمالي سورية، أُعيد طرح اتفاقية “أضنة” وإمكانية إجراء تعديلات عليها، خاصة في ظل حديث أنقرة عن إمكانية فتح حوار سياسي مع النظام السوري، عبر لقاء يجمع الأسد- أردوغان.
أبرز المكاسب التي تسعى تركيا إلى إحرازها من هذا التعديل في حال حصوله، هو السماح لها بتشكيل “منطقة آمنة” وتنفيذ عمليات عسكرية على عمق 30 كيلومتراً داخل الحدود السورية، وهو أمر حددته الاتفاقية بـ 5 كيلومترات فقط.
قبول روسي
تشير المواقف والتحركات الروسية الأخيرة إلى قبول روسيا إجراء تعديلات على اتفاقية “أضنة” الموقعة بين النظام وتركيا عام 1998، إذ سبق وأن طرحت موسكو عقد لقاء بين أردوغان والأسد لبحث ذلك.
وبحسب صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، أجرى قائد القوات الروسية، ألكسندر تشايكو، زيارة إلى مدينة القامشلي، الأحد الماضي، التقى خلالها قائد “قسد مظلوم عبدي، وحمل له رسالة “أخيرة” من تركيا.
وتتضمن الرسالة، بحسب الصحيفة المقربة من النظام، مطالب بسحب القوات الكردية مسافة 30 كيلومتراً على طول الحدود الشمالية لسورية، على أن تحل مكانها قوات من “الجيش السوري”.
وتابعت: “لم يحصل أي اتفاق حتى الآن بين قسد والحكومة السورية بشأن هذا الانتشار”.
وكانت روسيا قد طرحت على تركيا، في أغسطس الماضي، مراجعة اتفاقية “أضنة” المبرمة مع النظام السوري، خلال لقاء جمع الرئيسين الروسي والتركي في مدينة سوتشي الروسية.
وقالت الصحفية التركية هاندا فرات، التي رافقت أردوغان خلال زيارته إلى سوتشي، إن روسيا طرحت على تركيا مراجعة اتفاقية “أضنة”، إلا أن تركيا رأت المقترح الروسي “غير واقعي” في هذه المرحلة.
من جانبه، اعتبر الرئيس السابق لـ “الائتلاف السوري” المعارض، نصر الحريري، أن مطالب تركيا بتشكيل “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، هو بمثابة “مفهوم جديد” لاتفاقية أضنة.
وأضاف في تغريدة له، اليوم الأربعاء، أن ذلك “لمصلحة الشعبين السوري والتركي، وتخلص من إحدى مظاهر التطورات السلبية وعوائق الحل السياسي في سورية، ناهيك عن الفرصة الكبيرة لعودة آلاف المهجرين إلى مناطقهم”.
بنود “أضنة” وأوجه خلاف
تعود اتفاقية أضنة لعام 1998، وتعتبر نقطة تحول في مسار العلاقات بين دمشق وأنقرة، خاصة أنها جاءت عقب تدهور كبير في العلاقات بين الجانبين، حول قضايا الحدود والمياه ودعم النظام السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” (PKK) وزعيمه عبد الله أوجلان آنذاك.
إذ صعّدت تركيا عسكرياً ضد النظام السوري، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998، الذي كان يرأسه حافظ الأسد، وحشدت قوات كبيرة على الحدود، مطالبةً النظام برفع الحماية عن عبد الله أوجلان، الذي اتخذ من دمشق ملاذاً له.
ذلك التصعيد أفضى إلى توقيع اتفاقية بين النظام السوري وتركيا، عقب وساطات عربية وإقليمية، سعت إلى تهدئة الوضع وتصحيح مسار العلاقات بين الجانبين، عرفت باتفاقية “أضنة”، التي طلبت روسيا إعادة مراجعتها خلال قمة “سوتشي” الأخيرة.
تنص اتفاقية أضنة على بنود عدة، أبرزها التعاون بين أنقرة ودمشق في مكافحة “الإرهاب” على الحدود المشتركة بينهما، وإنهاء الدعم السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” وإخراج زعيمه من الأراضي السورية.
كما تنص على السماح لتركيا بملاحقة التنظيمات “الإرهابية” على الأراضي السورية، ضمن مسافة 5 كيلومترات في الداخل السوري.
وتنازل النظام بموجب الاتفاقية عن حق سورية في المطالبة بلواء اسكندرون، الذي ضمته تركيا رسمياً لحدودها السياسية عام 1939، وتم حذفه من الخريطة السورية عام 2004.
وبموجب تلك الاتفاقية اعتبر الجانبان أن الخلافات بينهما قد انتهت، وأتبعها اتفاقيات اقتصادية وتجارية وثقافية وغيرها من المجالات.
إلا أنه بعد اندلاع الثورة السورية وانقطاع العلاقات بين النظام السوري وتركيا، أعاد النظام طرح اتفاقية “أضنة”، مطالباً تركيا الالتزام بها.
إذ قالت وزارة خارجية الأسد في بيان سابق، إنها “تستهجن”، إصرار الرئيس التركي، على “الاستمرار بالكذب والتضليل إزاء سلوكياته في سورية، وخاصة ادعاءه فيما يتعلق بدخول قواته إلى شمال حلب بموجب اتفاق أضنة لمكافحة الإرهاب”.
وأضافت أن “اتفاق أضنة يفرض التنسيق مع الحكومة السورية باعتباره اتفاقاً بين دولتين، وبالتالي لا يستطيع أردوغان وفق موجبات هذا الاتفاق التصرف بشكل منفرد”.