مراد عبد الجليل – السورية.نت
لم يكن اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، وسط الضاحية الجنوبية في بيروت، أول أمس الثلاثاء، حدثاً عابراً، إذ يمثل تحولاً في انتقال الحرب الاسرائيلية على غزة لمرحلة جديدة عنوانها “الاغتيالات” خارج ساحة المعارك.
وتطرح عملية الاغتيال تساؤلات حيال تحرك “حزب الله” الذي تلقى ضربة موجعة، بتنفيذ إسرائيل للهجوم داخل معقله الأساسي في ضاحية لبنان الجنوبية.
العاروري.. صلة الوصل مع طهران
يعتبر العاروري من كبار القيادين في حركة “حماس”، وهو “حلقة وصل استراتيجية بين ثلاث جهات، هي حماس وحزب الله وإيران”، حسب صحيفة “يو إس أيه توداي” الأميركية.
كما يعتبر من أبرز المطلوبين لإسرائيل، إذ تعتبره الأخيرة من أهم المسؤولين عن تخطيط لعملية “طوفان الأقصى” صباح 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي أغسطس/ آب الماضي، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، العاروري بشكل مباشر، في حين وصفته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، بأنه “رأس الأفعى”.
ولد العاروري في بلدة عارورة في رام الله بالضفة الغربية عام 1966، ودرس الشريعة الإسلامية في جامعة الخليل، حيث بدأ نشاطه مبكراً عندما قاد “العمل الطلابي الإسلامي” في جامعة الخليل في 1985.
انضم إلى حركة “حماس” بعد تأسيسها في 1987، مع بداية “الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، وأسهم في تسعينيات القرن الماضي، في تأسيس كتائب “عز الدين القسام”، الجناح المسلح لحركة حماس.
وفي 1992 اعتقل الجيش الإسرائيلي العاروري وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام، قبل الأفراج في عام 2007.
وبعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه، أعادت تل أبيب اعتقاله لمدة 3 سنوات، قبل الإفراج عنه مجدداَ في 2010، حيث قررت المحكمة العليا في إسرائيل إبعاده خارج فلسطين.
وخرج العاروري إلى سورية وبقي هناك لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى لبنان واستقر فيها، قبل انتخابه سنة 2017 نائباً لرئيس المكتب السياسي للحركة.
وفي عام 2018 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رصد مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن العاروري، معتبرة أنه يقوم “بتمويل وتوجيه عمليات حركة حماس العسكرية في الضفة الغربية”.
كسر الخط الأحمر
ولم يكن اغتيال العاروري ضربة قوية لـ”حماس” ورسالة إسرائيلية لقادتها فحسب، وإنما حملت الحادثة رسائل لعدة أطراف داخلية وخارجية.
الطرف الأول هو “حزب الله” اللبناني ، كون عملية الاغتيال كانت في معقله الأساسي، ورسالة واضحة لأمينه العام حسن نصر الله الذي رسم في خطاب سابق، “خطاً أحمراً” بشأن الرد على أي عملية اغتيال تقوم بها إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية.
ويرى المحلل السياسي اللبناني، محمود علوش، أن “اغتيال العاروري يشكل ضربة أمنية كبيرة لحزب الله وإحراج له، لاسيما المكان الذي جرت فيه العملية يقع في قلب الضاحية الجنوبية معقل حزب في بيروت”.
وأكد علوش لـ”السورية. نت”، أن “إسرائيل أرادت إرسال رسالة من الاغتيال، بأنها قادرة على الوصول إلى قادة الكبار في حماس، أينما كانوا والقضاء عليهم، وهذا نتيجة الوعد التي قدمه نتنياهو باستهداف قادة حماس في دول الخارج، كرد على هجوم السابع من أكتوبر”.
أما الطرف الثاني المعني برسائل اغتيال العاروري هو المجتمع الإسرائيلي، حيث اعتبر الباحث السياسي اللبناني، نضال السبع، أن رسالة إسرائيل من اغتيال العاروري ليست لنصر الله وإنما لداخل المجتمع الإسرائيلي بعد إخفاق نتنياهو وحكومته في العملية البرية في غزة.
وأشار السبع لـ”السورية.نت”، إلى أن نتنياهو بدأ باللجوء إلى الاغتيالات من إجل إيصال رسالة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي، بأن “الأجهزة الأمنية هي نشطة وقادرة للوصول إلى قادة حركة حماس وعناصر وضباط الحرس الثوري في دمشق”.
وكان القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، رضى موسوي، قتل في غارة قالت طهران إنها إسرائيلية على منطقة السيدة زينب بالقرب من دمشق، الأسبوع الماضي.
وتابع السبع أن “أولويات نتنياهو حالياً هو بالدفع اتجاه استمرار المعارك سواء في غزة أم في استمرار الاغتيالات في سورية ولبنان، لأن أي إيقاف للعملية العسكرية في غزة سيؤدي إلى ذهاب نتنياهو إلى المحكمة والسجن”.
أما الطرف الثالث، فهو الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما يعتبر أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني، إذ اعتبر أن “اغتيال العاروري رسالة إلى واشنطن بتسخين جبهة لبنان لإعادة البوارج الحربية والدعم الأمريكي لإسرائيل رغم أنف بايدن وحسابته الانتخابية”.
كرة النار
وتشير حادثة اغتيال العاروري إلى تحول مهم في استراتيجية إسرائيل الأمنية، وفقاً لتصريحات أمريكية، ويبدو أن هذه الخطوة ليست إلا البداية في سلسلة من العمليات التي تعتزم إسرائيل تنفيذها ضد أفراد من “حماس”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن مسؤول أمريكي “كبير”، قوله إن حادثة اغتيال العاروري هي “على الأرجح الأولى ضمن العديد من الضربات التي ستنفذها إسرائيل ضد نشطاء حماس المرتبطين بهجوم 7 أكتوبر”.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “لا أحد في مأمن إذا كان له أي دور في التخطيط لهذه الهجمات أو جمع الأموال لها أو تنفيذها”.
مشيراً إلى تعهد إسرائيل بمطاردة منفذي هجوم 7 أكتوبر أينما كانوا، وأضاف: “هذه مجرد البداية، وسوف تستمر لسنوات”.
ووصف الباحث السياسي، نضال السبع، عملية الاغتيال بـ”كرة النار” التي قد تفتح الباب أمام “الاغتيالات والاغتيالات المتبادلة، وربما بحكم المؤكد ستوسع نطاق العمليات العسكرية في جنوب لبنان”.
وقال السبع إن “الإسرائيلين وضعوا بعد الإخفاق في غزة، أجندة أمنية، وهي كلما توفرت لديهم معلومات عن شخصية ما في سورية أو لبنان أو في غزة سيقومون باغتيالها”.
بينما يرى المحلل السياسي محمود علوش، أن “اغتيال العاروري، وقبله اغتيال موسوي في دمشق، يعني أن هناك مرحلة جديدة في حرب ظل بين إسرائيل وإيران عنوانها الاغتيالات”.
وقال علوش إن “اغتيال العاروري يشكل بداية لنهج إسرائيلي جديد في الحرب، يقوم بشكل أساسي على محاولة تصفية قادة حماس البارزين في الخارج، وأيضا على تصعيد المواجهة مع إيران في سورية من خلال تصعيد العمليات الإسرائيلية، ضد قادة الحرس الثوري البارزين الذين يعملون هناك”.
وكان مدير وكالة المخابرات الداخلية الإسرائيلية (الشاباك)، رونين بار، قال في تصريحات للإعلام الرسمي الشهر الماضي إن تل أبيب “مصممة على قتل قادة حماس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات”.
وكذلك، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها، إن الاستخبارات الإسرائيلية تستعد لملاحقة وقتل قادة “حماس” في جميع أنحاء العالم.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أن ذلك المخطط جاء بأمر من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
هل سيرد حزب الله؟
وخلال الساعات الماضية توجهت الأنظار إلى إمكانية وطريقة رد “حزب الله” على الاغتيال، الذي قال أمينه العام، حسن نصر الله، في كلمته أمس الأربعاء، إن “هذه الجريمة لن تبقى دون رد وعقاب وبيننا وبينكم الميدان والايام والليالي”
وأضاف “جاءت رسائل بعد الاغتيال أن ليس المقصود لبنان وحزب الله ليس معنياً بما حصل وهذا الكلام لا يمر الا على الاطفال والجبناء”.
كما أصدر الحزب بياناً عقب الاغتيال، اعتبر فيه أن العملية “اعتداء خطير على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته”.
وأكد البيان أن “اغتيال العاروري تطور خطير في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة”، مشددأ على أنها “لن تمر أبدا من دون رد وعقاب”.
من جانبه أكد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، أن “الجيش في حالة تأهب دفاعاً وهجوماً، ونحن على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات”.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، أن عملية الاغتيالات أدت إلى “تضرر صورة حزب الله وقوة الردع لدى نصر الله، لكن من غير المتوقع رد فعل قاس”.
في المقابل تشير تصريحات الحزب وإسرائيل بعدم رغبة الطرفين بتوسيع نطاق الحرب، حيث لم يوجه نصر الله تهديدات ملموسة ضد إسرائيل.
وقال “إذا فكر العدو أن يشن حرباً على لبنان، سيكون قتالنا بلا سقوف وبلا حدود وبلا ضوابط وهو يعلم ما أعني”، مضيفاً “من يفكر في الحرب معنا سيندم ان شاء الله وستكون الحرب معنا مكلفة جداً جداً جداً”.
وحسب ما قاله مسؤول أمريكي لوكالة “رويترز”، بأن “حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب”، وأضاف “كل ما يمكننا قوله، ليس هناك رغبة واضحة لدى حزب الله في خوض حرب مع إسرائيل والعكس صحيح”.
وتوقعت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن “يتغاطى حزب الله عن اغتيال العاروري” لأنه “لن يرغب في قلب عربة التفاح والتصعيد إلى حرب واسعة النطاق”.
من جانبه اعتبر علوش أنه بعد نحو 3 أشهر من حرب غزة، أصبح من الواضح أن أولوية حزب الله كانت عدم الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، معتقداً أن “الأولوية ستبقى هي السائدة في استراتيجيات الحزب بعد الاغتيال”.
بينما يرى نضال السبع، إمكانية جصول رد من “حزب الله”، لأن نصر الله أكد سابقاً “معادلة المدني مقابل المدني، وكل ما استهدفت إسرائيل لمدنيين، فإن الحزب يستهدف المستوطنات”.
في حين اعتبر حسام الدجني أنه وفي حال عدم رد نصر الله “سيفقد مصداقيته” أمام حاضنته، وبالتالي هو “معني بالرد من أجل تثبيت هذه المصداقية”.
وتوقع الدجني أن يذهب نصر لله للرد على عملية الاغتيال، لأنه “إذا لم يرد من الممكن لاسرائيل أن توسع دائرة الاغتيالات وتستهدف نصر الله شخصياً”.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “نصر الله يواجه الآن القرار الأكثر تعقيداً الذي واجهه في الحملة الحالية”.