تحت عنوان “روسيا جاءت لتبقى”، بث “التلفزيون العربي” قبل يومين ، تحقيقاً عن الدور الخفي لقاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، الذي تجاوز مهمة محاربة الإرهاب أو حتى ضمان بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وباتت منصة رئيسية للانتشار العسكري الروسي المتزايد في عدد من بلدان القارة الافريقية، بدءا من السودان وليبيا، وصولا الى جمهورية أفريقيا الوسطى.
لكن التحقيق لم يتطرق الى مدة بقاء روسيا وقاعدتها الجوية في سوريا، وما إذا كانت هناك معاهدة ثنائية شاملة تنظم استخدام قاعدة حميميم ومرفأ طرطوس وغيرهما من المواقع العسكرية الروسية على الأراضي السورية، وتجيب بشكل أو بآخر على السؤال البديهي، غير المطروح بجدية، اليوم: الى متى ستبقى القوات الروسية في سوريا؟ نصف قرن؟ أم 99 عاماً؟ أو الى الأبد، مثلا؟.
وهو سؤال لا يطرح على الأميركيين الذين يكررون بين الحين والاخر أنهم سينسحبون في المستقبل المنظور (خلال سنة أو سنوات قليلة) من شرق سوريا وحدودها مع العراق، وهم كادوا يخلون قواعدهم السورية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وبموجب تغريدات على حسابه في تويتر، لولا تدخل العسكر الأميركي ومطالبته بمنحهم المزيد من الوقت لتنظيم خروجهم وتوفير الحماية اللازمة لحلفائهم، الأكراد طبعا.
كما أنه سؤال لا يطرح على الايرانيين، الذين باتت سوريا قاعدتهم المركزية المتقدمة، في العالم العربي، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً.. لكنهم يمكن بل يتوقع أن يغادروها في أي لحظة، إذا استدعت ذلك الصفقة المرتقبة مع الأميركيين، أو إذا تغير النظام في إيران، وتسلم القيادة فريق إيراني يتولى مهمة وقف المغامرات الخارجية المكلفة وإعادة بناء ما فات من برامج لتحديث الاقتصاد والاجتماع الإيراني الداخلي.
لكنه سؤال طُرح ولا يزال يُطرح على الأتراك، سواء من داخل تركيا أو من خارجها، لاسيما بعد أن تقلص الدور العسكري التركي على مدى الاعوام العشرة الماضية من السعي لتغيير النظام في دمشق، بأدوات سورية لم تثبت جدواها ولا كفاءتها، الى الدفاع عن الحدود التركية السورية، وحماية الأمن الداخلي التركي المهدد بالإرهاب، الكردي تحديداً، ولو بالاستعانة بحلفاء إسلاميين سوريين، لا تنقصهم تلك الصفة الإرهابية.
هذا السؤال بالذات، أثير قبل يومين تحديداً، من جانب الروس، ومندوبهم الأبرز في سوريا ألكسندر لافرنتييف، الذي سرب عمداً، وبغرض الشغب على الأتراك، كلاماً للوفد التركي في الاجتماعات الاخيرة لمسار أستانة، يفيد بأن الجنود الأتراك سيغادرون الأراضي السورية في أول فرصة ممكنة، من دون أن يوضح موعد توافر تلك الفرصة، ما اضطر الجانب التركي الى الرد بسرعة بتحديد وإعلان الشروط الاربعة للانسحاب من سوريا، ثلاثة منها شروط سياسية، تطمح، كما في بداية التدخل التركي في سوريا، الى تغيير النظام وتشكيل حكومة شرعية بعد إنتخابات حرة ونزيهة وشاملة لجميع الشرائح السورية. أما الشرط الرابع والاخير فهو “القضاء على “حكومات” التنظيمات الإرهابية (الكردية طبعا) التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود التركية السورية”.
هذا السجال الروسي التركي هو، كما يبدو، جزء من لعبة التجاذب والتنافس بين الحليفين اللدودين، اللذين فرقت بينهما الأقدار السورية، بينما قربت بينهما جميع الأقدار الاخرى، التي نبذ فيها حلف شمال الاطلسي بقيادة أميركا الشريك التركي القوي، وانحدر به الى صفة الحليف الاستراتيجي الى مرتبة العضو المراقب في الحلف الغربي التاريخي. لكن السجال لن يصل الى حد المواجهة التركية الروسية، في سوريا، طالما ظلت إيران تحدياً مشتركاً للبلدين، وطالما بقي مصير النظام في سوريا خارج البحث حالياً.
مع ذلك، فإن تركيا كانت وستظل الأقرب الى سوريا، فالقواعد( العسكرية والسياسية) التي بنتها داخل سوريا، وفي أوساط الكتلة الكبرى من اللاجئين السوريين على أراضيها، لا يمكن لروسيا، ولا لإيران، أن تخترقها، أو أن تزعزعها..حتى ولو ازداد إلحاح السؤال الافتراضي:”من ينسحب من سوريا أولا: تركيا أم إيران..أم روسيا”.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت