منظمات إنسانية سورية: التحديات تتفاقم مع زيادة المحتاجين للمساعدات
تحذيرات من كارثة ستصيب مئات آلاف السكان
شهدت الأيام والأسابيع القليلة الماضية، نشاطاً لمنظمات دولية وإنسانية، وحراكاً من قبل شخصيات سياسية دولية، قبيل نحو شهر من اجتماع لمجلس الأمن الدولي، للبت بمسألة “حسّاسة” تثير سجالاً معتاداً بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، وبين روسيا حليفة نظام الأسد من جهة أخرى، فحواها إصرارٌ روسي على إنهاء تفويض الأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى الشمال السوري، الخارج عن سيطرة النظام.
ومع قرب انتهاء التفويض الأممي في العاشر من الشهر القادم، ظهرت مساعٍ من المنظمات المحلية العاملة في الشمال السوري لإيجاد بدائل فيما لو تكرر سيناريو العام الماضي، أو رُفعت يد الأمم المتحدة عن العملية الإنسانية في سورية بفعل “فيتو” روسي محتمل، ضد قرار المساعدات العابرة للحدود بعد نحو خمسة أسابيع.
بدائل مطروحة مسبقاً..ومخاوف
مدير “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج، يقول في حديثه لـ”السورية نت” إن تعطيل قرار المساعدات العابرة للحدود من قبل روسيا هو “أمر متوقع” وسبق أن تمت مناقشته العام الماضي، مشيراً إلى أن البدائل مطروحة منذ العام الماضي رغم وجود تحديات بتطبيقها.
وأبرز تلك البدائل، حسب حلاج، تتمثل بعودة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ماقبل قرار التفويض الأممي رقم 2165، من خلال العمل خارج نطاق آلية التفويض.
وكذلك تحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة، إلى منظمات دولية غير حكومية، تقوم بتوزيع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية (منظمات المجتمع المدني، جمعيات،… الخ).
وتحدث مدير “منسقو الاستجابة” عن ضرورة إنشاء صندوق للتمويل الانساني خاص بسورية، بدلاً من صندوق التمويل الانساني الخاص بالأمم المتحدة، وإنشاء كتل تنسيق رئيسية موزعة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وأضاف أنه “بإمكان أي دولة عضو في مجلس الأمن الدولي، الدعوة إلى اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة والتصويت على القرار الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وذلك خارج نطاق مجلس الأمن وبذلك يتم ضمان عدم استخدام حق النقض من قبل روسيا”.
من جانبه تحدث المدير التنفيذي لمنظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، براء صمودي، عن مصاعب في إيجاد بدائل حقيقية عن المساعدات الأممية العابرة للحدود، مشيراً إلى أن الخطة الأولية في حال تم تعطيل التفويض تتمثل بزيادة التواصل مع الداعمين الحكوميين والمنظمات الدولية للتأكد من استمرار الدعم المخصص للمحتاجين له بالوتيرة ذاتها.
وتحدث صمودي لـ”السورية نت” عن جهود وخططٍ لمواجهة التحديات التي ستنتج فيما تمت عرقلة تمديد القرار الدولي، لضمان عدم انقطاع الخدمات والمساعدات الإنسانية التي يستفيد منها مئات آلاف السكان في شمال غرب سورية.
وفيما أكد “وجود حاجة كبيرة ومُلحّة لمئات آلاف السكان في الشمال السوري”، فقد أشار إلى أن الخطط البديلة إذا فشل مجلس الأمن بتمديد القرار، تتمحور بضرورة تحويل التمويل المخصص للأمم المتحدة ومنحه لمؤسسات أخرى فاعلة في مجال العمل الإنساني، بحيث يكون للمنظمات المحلية صلة مع تلك المؤسسات، وبذلك يتم ضمان استمرار وصول المساعدات للمحتاجين إليها.
ورغم أن المقترحات السابقة تمثل رغبة معظم المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، في حال تم تعطيل التفويض، يرى مدير “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، أن هناك تحديات ومخاوف من تطبيقها.
وتتمثل تلك المخاوف باستهلاك مدة زمنية طويلة لتطبيق المقترحات، والتي قد تستغرق من ستة أشهر إلى سنة، وبالتالي حرمان مئات آلاف المدنيين من المساعدات الغذائية وتفشي أكبر لفيروس “كورونا” وعدم القدرة على ضبطه.
إلى جانب مخاوف متعلقة برفض المانحين الدوليين تحويل الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، خارج نطاق وكالات الأمم المتحدة إلى جهات أخرى، وبالتالي نقص التخصيص في كمية المساعدات.
وأشار حلاج إلى وجود “مخاوف من استهداف القوافل الإنسانية الداخلة إلى سورية بعد انسحاب روسيا من آلية تحييد المنشآت والقوافل الإنسانية”، خاصة في حال رُفعت يد الأمم المتحدة عن العملية الإنسانية.
التنسيق مع الجهات النافذة وأبرز الصعوبات
رغم أن تعطيل التفويض الأممي سيضع المنظمات العاملة في الشمال السوري أمام عددٍ كبير من التحديات، إلا أن مصاعب العمل الإنساني هي موجودة بالأساس بحسب ما تؤكده تلك المنظمات منذ سنوات، وتتمثل بتذبذب التمويل واستمرار القصف والعمليات العسكرية وتفاقم الحاجة الإنسانية لملايين السوريين.
أما فيما يتعلق بالمساعدات العابرة للحدود، فإنها تضع تلك المنظمات أمام مصاعب من نوع آخر، تتمثل بالحاجة الكبيرة للتنسيق بين الحكومات والجهات النافذة المسيطرة على الأرض، بحسب مدير “إحسان للإغاثة والتنمية”.
وأشار ذات المتحدث لوجود حاجة للتنسيق الكبير مع الحكومة التركية من جهة، على اعتبار أنها ممر للمساعدات العابرة للحدود، ومع السلطات المحلية في الشمال السوري من مجالس محلية وفصائل مسلحة وغيرها، الأمر الذي يتطلب إجراءات إدارية معقدة.
فيما تحدث مدير “منسقو الأستجابة”، محمد حلاج، عن تعقيدات تفرضها الجهات النافذة في الشمال السوري، تتسبب بعرقلة مرور المساعدات الإنسانية بالسلاسة المطلوبة، إلى جانب “مضايقات وآتاوات تُفرض أحياناً على العاملين في المجال الإنساني”.
وأضاف: “قد يتوقف مشروع معين تابع لمنظمة معينة بسبب رفض الجهات المسيطرة له، أو طلبها نسبة كبيرة مقابل تنفيذ المشروع، ما يضطر المنظمة إلى تعليقه أو نقله لمنطقة أخرى”.
بالمقابل، تسود مخاوف من مصاعب جديدة قد تواجه القطاع الإنساني في الشمال في حال إيقاف التفويض الأممي، تتعلق بأن انسحاب الأمم المتحدة سوف يؤدي إلى غياب “نظام القطاعات” الذي ينظم العمل الإنساني في الداخل، بحسب براء صمودي، الذي أشار لعدم وجود بديل واضح عنه إلى الآن، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على استمراريته.
ما هي الآلية الدولية لإيصال المساعدات إلى سورية؟
في العام 2014، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم “2165”، وينص على إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية، وإلى ما وراء خطوط التماس في سورية، لمدة عام واحد قابل للتمديد، وذلك عقب تقارير أممية تؤكد حاجة 13 مليون سوري للمساعدات الإنسانية.
ومنذ ذلك العام، يتم تمديد الآلية في كل عام، لتدخل عامها السابع على التوالي، في ظل مساعٍ روسية وصينية لتقويض الآلية الدولية، عبر تقليص المدة إلى ستة أشهر ثم إلى شهرين، بالإضافة إلى إدخال المساعدات عبر معبرين فقط، وصولاً إلى توقفها، وتحويل المساعدات الأممية بالكامل لدمشق، وهو ما يثير مخاوف من استفادة نظام الأسد منها سياسياً، وعدم توزيعها للمناطق السورية التي يصنفها”معادية”، كما حصل سابقاً في الغوطة الشرقية وسواها.
وكانت المساعدات عادة تدخل عبر أربعة معابر حدودية، هي معبر الرمثة مع الأردن، واليعربية مع العراق، وباب السلام وباب الهوى مع تركيا، قبل أن تضغط روسيا في مجلس الأمن، لإغلاق ثلاثة من أصل أربعة معابر.
وقرر مجلس الأمن مدد العام الماضي إدخال المساعدات إلى سورية، عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط، وذلك بعد ثلاثة أيام من تعطيل روسي- صيني، لمشروع قرار يتيح إدخال المساعدات عبر ثلاثة معابر، هي: باب السلامة، باب الهوى، معبر اليعربية مع العراق.
وتدّعي روسيا أن إدخال المساعدات الأممية إلى سورية “ينتهك السيادة السورية”، على اعتبار أن نظام الأسد لم يوافق على الآلية الدولية، كما تدّعي أن شحنات المساعدات تصل إلى “الإرهابيين” في تلك المناطق، الأمر الذي ترفضه الأمم المتحدة، عبر تأكيدها إجراء فحص دقيق لضمان أن الشاحنات تحوي مساعدات فقط، وتصل إلى المخازن السورية عن طريق مراقبين.
وخلال اجتماع حضره دبلوماسيون من بعثات واشنطن ولندن وبرلين وأنقرة وبروكسل وغيرها في جنيف الشهر الماضي، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ”المنتدى السوري” غسان هيتو، أن “مصداقية المجتمع الدولي ستكون موضع تساؤل” فيما لم يتحرك بجدية لإجهاض التحركات الروسية التي سيتضرر منها ملايين السكان.
وقال إنه “من المحزن أن بعض الدول في الأمم المتحدة ماتزال تؤمن أن السيادة أفضل من حياة الناس”، مطالباً استمرار “تقديم المساعدات الإنسانية بعيداً عن التسييس(..) للأسف مازلنا نناقش اعراض المرض السوري بدل البحث عن علاج شامل”.
وأضاف أن “الوضع مريع. هذه أسوأ أزمة إنسانية. الملايين من الناس تحت خط الفقر، هذا تجويع مُمنهج للشعب السوري ونحن كعاملين في المجال الإنساني سنفعل كل ما يتطلبه الأمر لإيصال المساعدات”.
الاحتياجات الإنسانية في أرقام
تؤكد المنظمات الدولية تفاقم الاحتياجات الإنسانية في سورية خلال العام المنصرم، نتيجة دخول “الحرب” عامها العاشر دون وجود بوادر حل لأزمة النزوح التي يعاني منها الشمال السوري، إلى جانب تأثير انتشار فيروس “كورونا” وما تبعه من إجراءات حظر على الأوضاع المعيشية في المنطقة.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عرض لمحةً عن المأساة في سورية خلال عشر سنوات مضت، موضحاً في تقرير له، في مارس/ آذار الماضي، أن 13.4 مليون شخص في سورية بحاجة للمساعدات الإنسانية.
وأضاف: “هذا هو أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص المحتاجين الذين حددهم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في نهاية عام 2012”.
وبحسب التقرير فإن 7.6 مليون شخص فقط وصلت إليهم العمليات الإنسانية في جميع أنحاء سورية شهرياً، بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2020.
من جانبه، أصدر “منسقو استجابة سوريا” بياناً، أمس الخميس، أوضح فيه أن إنهاء التفويض الأممي للمساعدات العابرة للحدود سيؤدي إلى حرمان أكثر من 1.8 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، وسيحرم 2.3 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب.
وأشار إلى أن عدم تمديد التفويض سيؤدي إلى انقطاع الدعم عن مادة الخبز وبالتالي حرمان مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية في الأسواق وانخفاض دعن المخيمات إلى أقل من 25%.
عواصم غربية تحذر من “كارثة إنسانية”
وأكد دبلوماسيون غربيون في التاسع عشر من الشهر الماضي، أن المساعدات عبر الحدود لشمال سورية، هي بمثابة شريان حياة لملايين السكان، محذرين من كوارث إنسانية ستشهدها تلك المناطق السورية، إذا أجهضت روسيا قرار مجلس الأمن بالتمديد.
وجاء ذلك في اجتماع دعت له “هيئة المفاوضات السورية”، الأسبوع الماضي، حضره ممثلون دبلوماسيون من بعثات الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وألمانيا وكندا والاتحاد الأوروبي إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف.
وقال أنتوني بيرد، وهو رئيس فريق العمل الأمريكي في البعثة الدائمة للولايات المتحدة في جنيف إن “الاحتياجات الإنسانية، زادت منذ إغلاق معبري باب السلامة واليعربية(بسبب الفيتو الروسي السنة الماضية)، ومازال معبر باب الهوى هو الوحيد القادر على ادخال المساعدات الغذائية، وتلك الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا”، مشيراً إلى أنه “من الواضح أن نقطة عبور واحدة غير كافية”.
دبلوماسيون غربيون ومنظمات إنسانية: المساعدات عبر الحدود شريان حياة لملايين السكان
من جهتها، قالت نائبة الممثل الدائم لتركيا في بعثة جنيف، آرزو ارتشيليك، إن أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من مجموع السكان في شمال غرب سورية “بحاجة ماسة للمساعدات، والسوريون في هذه المناطق(شمال غرب) هم من اكثر السوريين تأثراً، وبحاجة ضرورية لتمديد قرار إيصال المساعدات عبر الحدود”.
وقال توماس فولك، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في جنيف، إن “ملايين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، واكثر من 3.5 في شمال غرب سورية يحتاجون للدعم الإنساني”، مؤكداً أنه ومنذ “سنة 2014 كانت المساعدات العابرة للحدود أمر أساسي لعبور الاحتياجات الأساسية لملايين النساء والأطفال والرجال. القدرة على الوصول يجب أن يتم، وعبور المساعدات من دمشق لن يكون مناسباً لتلبية احتياجات كل السوريين”.
وأكدت ميريام تشيرمن، نائب ممثل البعثة البريطانية في جنيف، أن “الواقع الإنساني في سورية يبقى كارثة بعد عشر سنين من النزاع”، مشيرةً إلى ضرورة استمرار تدفق “الدعم الإنساني عبر الحدود. يجب ان يتابع مع مستوى الحاجة الإنسانية”.
وأضافت أن من استخدموا حق النقض “الفيتو” في السنة الماضية، زعموا أن “المساعدات ممكن أن تمر عبر دمشق ولكن الأدلة تثبت أن هذا غير صحيح”، على اعتبار أن النظام لن يسمح بتمرير مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يستهدفها بالقصف.
كذلك رأى جورج سيب، من البعثة الألمانية في مقر الأمم المتحدة في جنيف، أن “النظام السوري لا يلتزم بتقديم المساعدات الإنسانية، ولذلك فقد توجهنا لمجلس الامن للموافقة على إرسال المساعدات عبر الحدود، ونحن ندعم الأمم المتحدة في جهودها. الاستجابة عبر الحدود يجب ان تكون شاملة لإنقاذ حياة المحتاجين”.
وطالب السكرتير الأول للبعثة الدائمة لكندا في جنيف، رود سيب، بـ”استمرار إيصال المساعدات الإنسانية في سورية”، مشدداً على ضرورة “زيادة المعابر، فالعمليات الخاصة بالحدود مهمة اليوم بالذات بسبب تحديات كوفيد 19 والحاجة لتمرير اللقاحات”.
وقدم ممثلو المنظمات الإنسانية في الاجتماع، مجموعة توصيات للدبلوماسيين الحاضرين، أهمها “ضمان وصول المساعدات عبر الحدود، لمساعدة ملايين المدنيين السوريين المحتاجين وتوسيع ذلك لمعابر أخرى”، “و زيادة عمليات إرسال المساعدات عبر الحدود لمناطق شمال غرب وشمال شرق سورية”.