عام ألفين وخمسة، كنتُ في موسكو، وكانت قيمة الروبل الروسي أربعة سنتيمات؛ أي أن الدولار الواحد يساوي خمسة وعشرون روبلاً. الآن، قيمة الروبل أقل من سنتيم (الدولار يساوي الآن 112روبل) بقدر نسبة زيادة سعر الدولار ازداد عدد ” المليارديرية” في روسيا. شكّل هؤلاء حاشية بوتين. وضعوا أيديهم على مقدرات روسيا التي ورثت مقدرات الاتحاد السوفييتي. ما كان ملكاً مركزياً للدولة السوفيتية أصبح بتلك الأيادي باسم روسيا الاتحادية: الغاز، النفط، السلاح، الفضاء، إضافة إلى مقعدٍ في مجلس الأمن، وسياسة خارجية يقودها حاقد ينفذ ما تريده الحاشية العصابة برئاسة رجل استخبارات أوجد إمبراطورية إعلامية على طريقة “غوبلز” هتلر، لتجعل منه قيصراً جديدا.
مناسبة هذا الكلام تلك الإطلالة البهية لبوتين خلال زيارة إلى نقطة حجر طبية فيها مرضى بفيروس “كورونا” بلباس “رائد فضاء”. تلك الصورة الإعلامية تلخص عقل العصابة السائد في حكم موسكو؛ والمتمثل بنجاة العصابة حصراً، وعدم الاكتراث بملايين روسيا. وفي هذا السياق انتشرت الصورة ذاتها لبوتين يدخل اجتماعاً لمجلس وزرائه. إضافة لذلك، الجالسون في ذلك الاجتماع وملايين روسيا يعرفون أن السيد بوتين نقل مكان إقامته كلياً خارج موسكو. وغير خفي على أحد تكتم إدارة بوتين على الإصابات بالفيروس في روسيا؛ وما لم ترصده محطات بوتين الإعلامية، وتسعى لإخفائه هو التململ الشعبي والغليان غير المسبوق في روسيا بسبب التجاهل والإغفال لهذه الجائحة الكارثية.
تعتقد إدارة بوتين أنها استطاعت التعامل مع هذه الجائحة؛ ولكنها تعاملت معها فقط سياسياً عبر التعمية والتضليل؛ وهذا لن ينقذ البلاد والعباد. اقتصادياً وطبياً، موسكو غير جاهزة على الإطلاق. فالاقتصاد المعتمد على المواد الخام، وتحديداً بيع النفط لا يمكن أن يواجه هكذا جائحة تترنح تحت وطأتها الاقتصادات العفيّة الطبيعية؛ فما بالك بالهشّة. ماذا سيفعل السيد بوتين تجاه برميل النفط الخام الذي أصبحت قيمته ٢٣ دولارا بعد أن كانت بحدود الثمانين دولاراً؟ ماذا سيفعل عندما تكون كلفة الشهرين الأخيرين من حربه في سوريا مليار ونصف المليار من الدولارات؟ وهل لديه اعتراض على المليارات التي خرجت من موسكو خلال الأيام الماضية فقط؟!
صحيح أن السيد بوتين نجح في برمجة مجلس دماه ومحاكمه بتصفير عداد رئاساته عبر تعديلات دستورية، فهل يضطر إلى إلغاء الاستفتاء الشعبي على التعديلات المقرر بعد أيام في ظل هذه الجائحة والتململ الشعبي الذي تولده بهلوانياته المافياوية؟! وهل يؤجل حدثاً استعراضياً آخر في التاسع من أيار للاحتفال بذكرى الانتصار على ألمانيا، حيث ينوي عرض مئات الأصناف من الأسلحة؛ وخاصة تلك التي جرّبها “بنجاح” في سوريا؟!
شريكة بوتين في احتلال سوريا “إيران” تعاني الأمر ذاته، لكن بفجائعية أكثر. فهي تستغيث بالبنك الدولي وبصندوق النقد الدولي كي يؤمنا لها خمسة مليارات دولار لمواجهة جائحة الكورونا؛ وما من مجيب. فالجماعة يعرفون أن تلك الأموال ستذهب إلى “المجهود الحربي العسكري للحرس الثوري” كما ذهبت المليارات التي قدمها “أوباما” أيام الاتفاق النووي، ولن يرى الإيراني منها “توماناً” واحداً لانقاذه من مصيبة الكورونا التي أخفاها الملالي لأشهر تاركين الإيرانيين يواجهون حتفهم بكتمان مريب.
وهل الحديث عن مواجهة جائحة كورونا يشمل منظومة الاستبداد التي يحميانها في دمشق؟! ولا ندري إن كان السيد بوتين قد سمع تصريح وزير صحة نظام الأسد بأن “الجيش العربي السوري” قد قضى على كل الجراثيم والفيروسات في سوريا؛ وأن البلد خال من فيروس كورونا؟! وهل يؤنب السيد “شويغو” وزير دفاع بوتين السيد وزير صحة الأسد على إغفاله شكر القوات الروسية بمساهمتها بالقضاء على الفيروسات والجراثيم في سوريا؟!
ربما الجميع الآن منشغلون بتغريدة ولي عهد الإمارات ينتظرون الترياق الإماراتي. لقد قال كًثيرون أن حملة بوتين العسكرية في سوريا تمولها الإمارات، والمليارات التي نهبتها عصابة النظام لعقود. وهنا لا بد أن يسأل المرء عمّا إذا كان ذلك الدعم الموعود قد كان خفياً في السنوات السابقة، والآن فرصة “الكورونا” تجعله علنياً. فتحت يافطة الوقوف مع سوريا في وجه جائحة الكورونا يأتي الدعم الآن علناً، ويتحوّل إلى أدوات قتل للشعب السوري، الذي لم تعبأ به يوماً منظومة الاستبداد.
في هذا السياق نستذكر أيضاً الجهود الروسية – الصينية في الأمم المتحدة لرفع العقوبات عن دول بينها سوريا لمحاربة فيروس كورونا. تلك الجهود تأتي رداً على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لوقف شامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وإرسال لجان تفتيش لمعتقلات النظام. وهنا تُغفل روسيا أن تلك العقوبات وُضعت، كي تتوقف الأعمال الإجرامية؛ التي سعت روسيا للتغطية عليها وحمايتها باستخدام الفيتو.
ظواهر منظومة الاستبداد في دمشق، وابن زايد في الإمارات، وخامنئي في إيران، وبوتين في موسكو زوائد خبيثة على كوكبنا تراها بالعين المجردة وترى أفعالها الدموية وجعاً ومراراً لا بد من أن يشهد العالم خلاصاً منها وبآفات تشبهها. أي مخاليق هذه التي تسلطت على منطقتنا وعالمنا؟! وأي عهر هذا الذي أصاب كوكبنا؟! وهل يكفيه جائحة واحدة ليعود طبيعياً؟!. قد لا تكون كورونا إلا مزحة بسيطة لتخلص عالمنا من آفات كهذه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت