مَن هم حلفاء بوتين ضد أردوغان؟

الجديد في قمة بوتين-أردوغان يوم الاربعاء 29 أيلول/سبتمبر أن التمهيد العسكري لها لم يقتصر على إدلب، فالطيران الروسي شن غاراته أيضاً على منطقة النفوذ التركي في عفرين. من نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح لافروف بأن هناك “بؤرة إرهاب” واحدة متبقية في سوريا، هي إدلب، مشدداً على مكافحتها. يصعب فهم تهديد لافروف الخاص بإدلب من دون ربطه بكلمة أردوغان أمام الجمعية العامة قبل أربعة أيام، إذ استنكر الرئيس التركي “المفاضلة بين التنظيمات الإرهابية”، قاصداً بقوله حزب الاتحاد الديموقراطيPYD ومنظومته العسكرية.

إذاً، لا توافق موسكو على تصنيف أنقرة الخاص بالإرهاب؛ هذه رسالة مزدوجة. الوجهة الأولى، المدعومة بالغارات الروسية على عفرين، هي الإدارة الذاتية الكردية وقوات قسد، فموسكو تطمئن الإدارة الذاتية بأنها لن تكون طرفاً خاسراً على مائدة القمة، فضلاً عن إغرائها بالطيران الروسي الذي يداعب أحلامها باستعادة عفرين. الرسالة الموجهة لأنقرة يمكن اختزالها بأن زمن المقايضات قد انتهى، فموسكو تريد أن تأخذ في إدلب من دون أن تعطي على حساب قسد على تخوم عفرين. بل على أنقرة ألا تركن حتى إلى سيطرتها على عفرين، لأن بقاءها فيها رهن بالإيعازات التي تُعطى للطيارين الروس.

ردود الأفعال التركية على الغارات الروسية توضح بدورها موازين القوى في قمة الغد، فالفصائل التابعة لأنقرة في إدلب وعفرين تحاشت الرد باستثناء استهداف بسيط لقوات الأسد هنا أو هناك، ومن عيار المناوشات التي تحدث بين الجانبين من دون أن تصل إلى الإعلام. ذلك بينما كان لافروف من نيويورك يتحدث عن هجمات ضد قواته وقوات الأسد يشنها “إرهابيون” من منطقة خفض التصعيد في إدلب، وهذه كذبة روسية يكررها المسؤولون الروس كلما كان هناك قرار باستهداف كذبة أخرى هي منطقة خفض التصعيد.

تريد موسكو أن تأخذ، وعلى أنقرة أن تتنازل، لقد انتهى زمن المقايضات. لماذا يدخل بوتين غداً قمته مع أردوغان بهذه القوة؟ أو بهذا الاستقواء؟

إذا تجاوزنا الانكفاء الأمريكي، وهو بالتأكيد له النصيب الأكبر من التأثير على ما عداه، يمكن القول أن بوتين يحظى الآن بمجموعة واسعة من الحلفاء، لم تتهيأ له مع الظروف المواتية منذ تدخله العسكري في سوريا. وكي لا يُبخس حقه، أنجز بوتين لنفسه حصته من تلك الظروف بإدارة تدخله العسكري بحنكة، خاصة باختراعه مسار أستانة ومناطق خفض التصعيد التي لم يبقِ منها سوى إدلب خارج سيطرة الأسد. ذلك المسار العسكري، مسار الـ”خطوة خطوة”، أُرفق بتجميد العملية السياسية التي كان يُفترض أن تمضي برعاية أممية، وعنى ذلك عملياً الإقلاع شيئاً فشيئاً عن فكرة التغيير في سوريا. بعمومية؛ حلفاء بوتين اليوم هم كل الذين يرون أن الحرب قد انتهت بانتصار بشار وحلفائه، وينبغي التسليم بهذه الحصيلة والشروع فيما بعدها.

واحد من الترتيبات المرتبطة بإعادة تدوير الأسد هو الوجود الإيراني في سوريا، وإبعاد إيران كما نعلم مطلب إسرائيلي يكاد يكون أقوى مما تطالب به دول عربية بينها وبين إيران خصومة. مطلب إبعاد إيران شغل ويشغل حيزاً من اهتمام الإعلام، بخلاف إنهاء الوجود التركي الذي يبدو مطلباً لبشار ومنظومة الإدارة الذاتية فحسب. لكن دولاً عربية، تقود علناً أو سراً قاطرة التطبيع مع بشار وإعادته إلى جامعة الدول العربية، تريد أيضاً إنهاء الوجود التركي. سبق لبعض هذه الدول التعبير عن هذه الرغبة، ورغم تواري التصريحات مع انفتاح أردوغان على مصر والإمارات والسعودية إلا أن التطبيع التركي مع هذه الحكومات لا يغير في تطلعها إلى رحيله عن سوريا تحت يافطة حربها على الإسلاميين. قد تدعم أنظمة عربية سيناريو تنسحب بموجبه ميليشيات إيرانية مع إجبار أنقرة على الانسحاب، وهذا لا يقوض النفوذ الإيراني المتغلغل في سلطة الأسد بينما يقوض النفوذ التركي المقترن بالفصائل المنتهية معه، وثمة مؤشرات قوية على أن بعض الأنظمة نقل رهانه السوري من واشنطن إلى موسكو.

حالياً، لا توجد جبهات اشتباك عديدة بين موسكو وأنقرة، كما كان الحال أيام اشتعال المواجهة في ليبيا أو في إقليم ناغورني قره باغ، وتالياً لا وجود لإمكانية مقايضة بينهما عابرة للحدود. وبينما تشهد علاقات أنقرة بأوروبا تراجعاً، ولم يطوِ النسيان السجال الحاد بينها وبين باريس ضمن اجتماع للحلف، لا يخلو من مغزى أن أول اجتماع للافروف على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة كان بأمين عام حلف الناتو، والأجواء الإيجابية بين الطرفين شجعت أحد الصحفيين على سؤاله عما إذا كانت بلاده تنوي الانضمام إلى الحلف فنفى ذلك. أبعد من هذا، تشجع الأجواء الإيجابية على الاعتقاد بوجود محاولة غربية، بقيادة أمريكية، لاستمالة روسيا أو تحييدها في المواجهة مع الصين، ورشوتها بتركها تملأ الفراغ الذي يخلفه الانسحاب الأمريكي والناتو من مناطق نفوذ سابقة.

حتى تهديد أوروبا بتدفق اللاجئين مع دورة عنف جديدة صار من الماضي، وأزمة اللاجئين في طليعة أزمات باتت تسحب من رصيد أردوغان الداخلي بدل منحه قوة في مواجهة أوروبا. لقد اضطرت حكومة أردوغان مؤخراً، تحت ضغط المعارضة والشارع، إلى اتخاذ إجراءات تمييزية ضد اللاجئين السوريين بمن فيهم المجنسين، مع التصريح بعودة مئات الآلاف إلى مناطق نفوذها في سوريا لإبراز فوائد وجودها أمام الجمهور. خسر أردوغان وحزبه من شعبيتهما الكثير في السنة الأخيرة، وأية مواجهة عسكرية خاسرة مع خسائر بشرية تركية ستصب لمصلحة خصومه المتأهبين للانتخابات المقبلة.

يدخل بوتين إلى القمة غداً مدعوماً بأفضل الظروف منذ تدخله العسكري في سوريا، حلفاؤه المباشرون وغير المباشرين كثر، من واشنطن إلى أوروبا إلى العدد الأكبر من الدول العربية المؤثرة، وأخيراً المتاعب السياسية الداخلية لأردوغان، في حين فاز حزب بوتين للتو بالانتخابات التشريعية ولو على الطريقة الأسدية كالمعتاد. يعرف بوتين كيف يستغل أوراق القوة التي صنعها بنفسه والتي وُهبت له بسبب المتغيرات الدولية، ويعرف أيضاً أنه ليس من الحصافة رمي كافة الأوراق دفعة واحدة على الطاولة، فرغم ما سبق يُتوقع أن يحسب بوتين حساباً للجار الأكبر على الحدود السورية، بمنطق الواقعية لا بموجب ميزان القوى العسكري فحسب. في الواقع، ثمة سلاح غير مكلف لأنقرة إذا أرغمت على الرحيل بلا ثمن هو سلاح مياه الفرات، وتعامل أثيوبيا مع مياه النيل ومع مصر والسودان يشرح فقط جزءاً مما في حوزة أنقرة، ومما لا يفيد معه التشكي والتباكي.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا