من بلدته مرعيان في ريف إدلب الجنوبي، نزح أحمد الخطيب نحو إدلب المدينة، خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوات الأسد على المنطقة في فبراير/شباط الماضي، لكنه قرر العودة مجدداً إلى منزله تحت رهانٍ غير مضمون، فرضه اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في مارس/ آذار الماضي.
يتحدث أحمد الخطيب لـ”السورية نت” عن حالة من الاستقرار النسبي التي بدأ يتعود عليها مع عائلته المؤلفة من زوجة وابنتين، في بلدji مرعيان المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، حيث حصد موسم الكرز وبدأ يؤمن قوت يومه ضمن ظروف معيشية صعبة، يعيشها أهالي تلك المناطق، وسط غياب الخدمات الأساسية.
ورغم الظروف الصعبة، التي أسهب أحمد في الحديث عنها، في مناطق ريف إدلب الجنوبي القريبة من خطوط التماس، يرى أن كل المعاناة والمخاوف وحالة عدم الأمان التي تهيمن على المنطقة “أرحم بكثير” من ظروف النزوح التي عاش تجربتها مع عائلته على مدى شهرين، متخوفاً من تكرار التجربة مرة أخرى في حال عدم استمرار الاتفاق بين الروس والأتراك.
عشرات الآلاف عادوا نحو المجهول لهذه الأسباب
تُشير إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال السوري، إلى أن أكثر من 283 ألف نازح، عادوا إلى قراهم وبلداتهم في ريفي إدلب وحلب، منذ اتفاق موسكو المُبرم بين روسيا وتركيا في 5 مارس/ آذار حتى 31 مايو/ أيار الماضيين.
“منسقو الاستجابة” حذر من ظروف صعبة يعيشها العائدون إلى بلداتهم، وسط غياب الخدمات الأساسية وضعف الاستجابة الإنسانية لاحتياجاتهم، وتخفيض كمية المساعدات المقدمة من “برنامج الأغذية العالمي” (WFP)، داعياً المنظمات المعنية بالتدخل الفوري لإنقاذ الوضع.
كل ذلك طرح تساؤلات حول الأسباب التي دفعت الأهالي إلى العودة لقراهم المنكوبة، والعيش تحت رحمة تلك الظروف، أجاب عنها أحمد الخطيب، الذي نزح من بلدة مرعيان في جبل الزاوية نحو مدينة إدلب، مطلع العام الجاري، بقوله إن غلاء الأسعار في أسواق المدينة وارتفاع إيجارات المنازل كانت عبئاً ثقيلاً على النازحين، الذي يضطرون إلى دفع ما يصل إلى 400 دولار مصروف شهري، وهو مبلغٌ فوق طاقة معظمهم.
وأضاف: “هنا في بلدتنا لا نضطر لدفع إيجارات، كما أن مصروفنا الشهري لا يصل إلى نصف ما كنا ندفعه في مناطق النزوح”.
ومع ذلك تحدث أحمد عن صعوبات تواجه أهالي بلدته العائدين، وعلى رأسها عدم توفر الخدمات الأساسية، مشيراً إلى أن أهالي المنطقة يعاودون تدريجياً تفعيل الخدمات عبر فتح المحلات والأفران وغيرها.
واستغرب أحمد، الشاب الثلاثيني، من غياب المنظمات الإنسانية عن المنطقة بشكل كامل، بقوله: “الغريب أن المنظمات لا تتوجه لمناطقنا في جبل الزاوية رغم أن 80% من سكان بلدة مرعيان عادوا إلى منازلهم، وبحاجة للمساعدات الإغاثية”.
آخرون يرفضون العودة
رغم مرور ثلاثة أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، فضّل 72% من النازحين بسبب الحملة العسكرية الأخيرة للنظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، ويُقدّر عددهم بنحو 755 ألف نازح، عدم العودة إلى قراهم التي تشهد هدوءاً نسبياً، بسبب ما أسموه مخاوف من “غدر” قوات الأسد وخرقها للاتفاق.
مهند اليماني، الذي غادر مدينة أريحا بعد تعرضها للقصف نحو مدينة إدلب، قبل أربعة أشهر، قطع آماله بالعودة إلى مدينته، متحدثاً عن مخاوف من تقدم النظام نحوها أو تعرضها للقصف مجدداً.
وقال مهند في حديث لـ”السورية نت”، هذا الأسبوع، إنه لم يفكر في العودة إلى أريحا ضمن الظروف الراهنة، وحتى إن تم تثبيت الاتفاق بين الروس والأتراك على المدى الطويل، مشيراً إلى أن الأهالي “لا يثقوا بالتزام قوات الأسد بالاتفاق”.
قرار مهند بعدم العودة، لا يعني كما قال، ارتياحه الكامل في مدينة إدلب، التي نزح إليها رفقة زوجته وابنته، واستطاع إيجاد عمل في مجال الإعلام فيها، إذ إن غلاء الأسعار وارتفاع إيجارات المنازل “الجنوني” والحنين إلى المنطقة التي ترعرع فيها، كل ذلك يُشكّل هاجساً يصعب تخطيه بالنسبة لمهند.
وفي حين أن أحمد الخطيب الذي عاد من مدينة إدلب نحو بلدته الأصلية مرعيان في جبل الزاوية، عبّر عن ارتياحه لقرار العودة، إلا أنه يفكر “مجبراً” بالنزوح مجدداً إلى إدلب المدينة، حسبما يقول لـ “السورية نت”، نتيجة التطورات العسكرية الأخيرة، وتحليق الطيران الروسي في أجواء المنطقة.
أحمد تحدث هذا الأسبوع، عن تحليق مكثف لطيران الاستطلاع في أجواء بلدته، منذ أكثر من 15 يوماً، مشيراً إلى مخاوف كبيرة بين الأهالي من تقدم قوات الأسد وشن عملية عسكرية جديدة بمساعدة الروس والمليشيات الإيرانية.
وقال: “لا نأمل كثيراً من اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا. النظام خرق الاتفاق أكثر من مرة، وفي حال تقدم في المنطقة ستحدث كارثة إنسانية كبيرة وستعود موجات النزوح مجدداً”، وتابع “أفكر جدّياً بنقل أغراضي إلى مدينة إدلب قبل أن ننزح بشكل مفاجئ”.
وتشير أرقام “منسقو الاستجابة” إلى أن 46% من النازحين غير قادرين على العودة إلى بلداتهم بسبب سيطرة قوات الأسد عليها، في حين أن 8% من مجمل النازحين لا يرغبون بالعودة إلى المناطق “الآمنة نسبياً” والتي لم تصلها قوات الأسد في ريف إدلب وحلب، بسبب مخاوف من حملة عسكرية جديدة، وبالمحصلة فإن نسبة العائدين من النازحين لا تتخطى 28%.
خطر العودة يهيمن على المنظمات
مدير “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج تحدث لـ”السورية نت”، الثلاثاء 2 يونيو/حزيران الحالي، عن أبرز الأسباب التي دفعت 283 ألف نازح من أصل 1.2 مليون، إلى العودة لقراهم وبلداتهم في ريف إدلب، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ملخصاً إياها بالكلفة العالية للنزوح، وسط انعدام القدرة الشرائية لدى أغلب النازحين، واضطرارهم لاستئجار منازل بكلفة مرتفعة.
حلاج أضاف أن المخاوف من انتشار فيروس “كورونا” أثرت بشكل مباشر على قرار النازحين بالعودة، خاصة الذي نزحوا إلى المخيمات، مشيراً إلى أن شرط التباعد الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق في المخيمات التي يفصل بين الخيمة والأخرى فيها أقل من متر، وتابع “المخيمات تُعتبر أكثر بيئة حاضنة لأي وباء قد ينتشر”.
وتحدث مدير “منسقو الاستجابة” أيضاً عن ضعف الاستجابة الإنسانية لاحتياجات النازحين في المناطق التي نزحوا إليها، ما دفعهم إلى العودة لبلداتهم رغم الخطر، وأضاف “يوجد العديد من البرامج والمشاريع التي تنظمها بعض المنظمات الإغاثية في مناطق النزوح، إلا أنه بسبب الأعداد الهائلة للنازحين بسبب الحملة العسكرية الأخيرة، أصبحت المنظمات عاجزة عن تغطية الاحتياجات بالكامل”.
ويُقدّر “منسقو الاستجابة” نسبة الاستجابة لاحتياجات النازحين بنحو 41% فقط، في حين تصل النسبة إلى 9% فقط للعائدين إلى بلداتهم.
وعن الأوضاع المعيشية والإنسانية والأمنية في المناطق التي عاد إليها النازحون، قال حلاج، إن الخدمات الأساسية من أفران ومحطات المياه والكهرباء والمدارس، جميعها غير مُفعّلة في تلك المناطق، فضلاً عن غياب كبير للخدمات الطبية التي قد يحتاج إليها الأهالي.
وأضاف أن غياب النشاط الإغاثي عن المنطقة يعتبر مشكلة كبيرة، إذ إن المنظمات الإنسانية لا تزال ترى في تلك المناطق بيئة “خطرة” وغير مناسبة للعمل، خاصة في ظل الخروقات العسكرية المتكررة التي يشهدها ريف إدلب الجنوبي.
وناشد فريق “منسقو الاستجابة”، كافة الجهات الدولية المعنية بالشأن السوري، العمل على تثبيت وقف إطلاق النار شمال غربي سورية، وإيقاف الخروقات المتكررة، مطالباً المنظمات الإنسانية بالعمل على تأمين احتياجات العائدين إلى مناطقهم وتفعيل المنشآت والبنى التحتية الأساسية.