“نسلّم أمرنا لله”.. سوريون في قلب مباني لبنان الآيلة للسقوط
مراد عبد الجليل – السورية.نت
“الفقير يسكن في هيك بنايات ويقول التسليم إلى الله”، تعكس هذه العبارة، التي عبّر عنها اللاجئ السوري في لبنان، صادق عزو، عن الواقع الصعب الذي يعيشه كثير من السوريين في لبنان.
وإلى جانب معاناة السوريين من الخطاب العنصري لبعض السياسيين اللبنانيين، يتحدث اللاجئ لـ”السورية.نت”، عن اضطرار الكثير منهم للعيش في مبان متهالكة ومهددة بالسقوط، “مجبرين بسبب رخص الإيجار”، حسب تعبيره.
ويضيف، وهو أحد أقارب الضحايا الذين توفوا في انهيار مبنى في الشويفات الاثنين الماضي، أن السوريين يعلمون بأن العيش في هذه الأبنية يشكل خطراً على حياتهم، لكن الظروف المالية الصعبة تجبرهم على قبول هذا الخيار.
ماذا حصل في الشويفات؟
قبل عام، قرر النازح من مدينة إدلب محمد عزو طكو ابن الـ 30 عاماً الزواج من شام نزار العلي، والانتقال من العيش في مكان عمله كموزع خبز في شركة “أفران الوفاء” اللبنانية، إلى مبنى في حي العين في منطقة الشويفات بمحافظة جبل لبنان.
لكن محمد، كما يروي قريبه، لم يكن يعلم أن البناء قد ينهار، ويلقى حتفه مع زوجته وطفله ابن الـ 9 أشهر، إلى جانب شقيق زوجته البالغ من العمر 12 عاماً.
وكان أحد الأنبية، المؤلف من عدة طوابق وتسكنه عائلات سورية مكونة من 17 شخصاً، انهار في منطقة الشويفات، مساء الاثنين الماضي، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص، وإصابة أربعة آخرين.
فيما تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن إنقاذ سوريين آخرين من تحت الأنقاض بينهم أطفال.
وحسب روابة صادق عزو، فإن صخرة كبيرة انجرفت من الجبل الملاصق للبناء، أعقبها انهيار ترابي ما أدى إلى انهياره.
صادق يؤكد أن المبنى مهدد بالانهيار منذ سنوات، بسبب عدم وجود أساسات أرضية له، وإنما الأساسات مبنية على وجه الأرض، ما يجعله غير آمن ويزيد من خطورة انهياره في أي لحظة.
وحسب المحامي في بلدية الشويفات، سعيد السوقي، فإن المبنى المنهار عمره أكثر من 30 عاماً، وهو لمالك واحد وجزء من عقار واحد فيه ثلاثة أبنية.
ويقول السوقي لـ”السورية.نت” إنه منذ خمس سنوات حصل هبوط لبعض الصخور والأتربة من الجبل المجاور للمبنى، وعقب ذلك كلفت البلدية خبيراً هندسياً بملاحقة الموضوع، وأوصى بضرورة بناء “حائط دعم” للأساسات.
وينفي السوقي أن الانهيار سببه أساسات المبنى، وإنما إلى الأمطار الغزيرة التي تسببت بهبوط صخور واتربة على الطابق الأخير من المبنى ما أدى إلى سقوطه.
بدوره يرى المستشار القانوني لنقابة المالكين المحامي، شربل شرفان، أن هناك أكثر من 15 ألف مبنى مهدد بالانهيار في لبنان.
ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها قدم هذه المباني حيث يعود عمرها إلى 60 و70 عاماً.
ويقول شرفان لـ”السورية. نت” إن هذه المباني بقيت دون ترميم وصيانة، وخاصة المأجرة منها.
ومما زاد الأمر تعقيداً، تصدع هذه الأبنية بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020، والزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سورية في فبراير/ شباط العام الماضي.
ويضيف شرفان أن الدولة لم تقم بمسح شامل ودقيق لعدد الأنبية المهددة بالانهيار.
كما أنها لا تلزم أحداً بالترميم، وبالمقابل لا تأخذ على عاتقها مسؤولية المساعدة بالترميم، إضافة إلى توقف القروض منذ 2018 للمالكين من أجل صيانة الأبنية.
من يتحمل المسؤولية؟
منذ اللحظات الأولى لانهيار المبنى، بدأ تبادل الاتهامات والمسؤوليات حول هذا الحادث المأساوي.
وتجسدت هذه التبادلات في محاولات كل طرف لتبرئة نفسه وتحميل النازحين السوريين قاطني المبنى المسؤولية.
ومن أمام موقع المبنى المنهار، قال “رئيس الحزب الديمقراطي” اللبناني طلال أرسلان، لقناة “MTV” اللبنانية” علمنا أن بلدية الشويفات سبق ووجّهت إنذاراً إلى أصحاب هذا المبنى منذ سنتين بسبب وضعه غير السليم”.
أما المنسق العام “للحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين” النقيب مارون الخولي ، اعتبر أن سقوط المبنى في الشويفات “هو نتيجة مباشرة لهذا الإهمال والفوضى التي يعيش فيها النازحون السوريون في لبنان”.
واتهم الخولي، في بيان نقلته “الوكالة الوطنية للإعلام“، الحكومة اللبنانية والبلديات والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان بالإهمال في التعاطي في ملف النازحين.
وقال إن الإهمال “وصل لحدود السكن في مبنى تم اخلاؤه من سكانه قبل سنتين بحجة الخوف من انهياره، وهذا ما سبب بوقوع ضحايا كانوا يقيمون فيه من النازحين السوريين”.
وأضاف “يشهد لبنان حاليا وضعا مأساوياً، يتسم بانتشار النازحين السوريين في أكثر من 1000 بلدة لبنانية، من أصل 1050 بلدة، دون أي رقابة أو تنظيم من السلطات المعنية، فهذا الوضع ليس مقبولا بأي حال من الأحوال”.
لكن المحامي في بلدية الشويفات، سعيد السوقي، أكد أن المبنى المنهار لم يكن مصنفاً ضمن المباني المهددة بالانهيار، ولم يكن يوجد خطراً عليه، وإنما الخطر كان على المبنى الذي بجانبه.
وفي بث مباشر للقناة اللبنانية من أمام المبنى، حصل سجال بين أحد القاطنين السوريين، وأحد الأشخاص حول التحذيرات التي قدمتها البلدية بضرورة إخلاء المبنى قبل سنتين.
وأكد النازح السوري أنه يعيش في المبنى منذ أربع سنوات مع عائلته دون تلقي أي إنذار بضرورة الإخلاء، بينما قاطعه أحد الأشخاص بأن هذا الادعاء غير صحيح وأنه تم توجيه التحذيرات للقاطنين.
وأوضح المراسل اللبناني أن أعضاء في بلدية الشويفات أكدوا أنهم قد كشفوا على المبنى منذ خمس سنوات وطلبوا إخلائه، وكشفوا مرة أخرى عليه قبل عامين وطلبوا أيضاً إخلائه.
من جانبها أفادت قناة “الجديد” اللبنانية، أن سكان المبنى كانوا على علم بخطورة الوضع بسبب تحطم جزء من حائط الدعم.
ونقلت القناة عن أحد السكان السوريين أنه قد حذر صاحب المبنى من أن حائط الدعم الذي بناه سابقًا قد “انكسر”، ولكن المالك رد عليه بتجاهل الإنذار وقال: “ما بدكم.. ارحلوا”.
لكن إبراهيم ريشاني، وهو أحد أقارب صاحب العقار، أكد لقناة “الجديد” أنه لم يتم إبلاغهم من سكان المبنى بهبوط حائط الدعم.
ووفقاً للمستشار القانوني لنقابة المالكين، المحامي شربل شرفان، فإن المسؤولية عن الحادث تقع على من أخطأ، سواء كانوا السكان القاطنين في المبنى إذا كانوا على علم بضرورة الإخلاء، أو المالك، أو البلدية.
وأوضح شرفان أنه في حال توجيه البلدية إنذاراً للمالك بضرورة إخلاء المبنى وتجاهله هذا الإنذار وقام بتأجير المبنى، فإن المسؤولية تقع عليه.
كما أشار إلى أن البلدية في بعض الحالات، لا توجه إنذارات بشكل مباشر وإنما يتم لصق الإنذارات على حائط المبنى.
وهذا الإجراء يمكن أن يكون غير فعال في بعض الأحيان نظراً لتعرض اللافتات للتآكل بفعل الطقس والعوامل البيئية، مما يجعل المالك غالباً لا يكون على علم بوجود الإنذار، وفق شرفان.
حوادث سابقة
لم يكن انهيار المبنى في الشويفات الأول، ولن يكون الأخير حسب ما بيان صادر عن نقابة مالكي الأبنية المستأجرة.
وقبل أسبوع انهار جزء من مبنى مؤلف من طابقين، في منطقة الرحاب في الضاحية الجنوبية لبيروت، يقطنه عمال سوريون، واقتصرت الأضرار على الماديات من دون وقوع إصابات بشرية.
وقال رئيس بلدية الغبيري، وهي من بلدات قضاء بعبدا، معن خليل، إن “المبنى شيد بالتعدي على أملاك الغير، وإن الشخص الذي قام ببنائه يستخدمه كما أبنية أخرى مشابهة في الاستثمار، من خلال تأجير العقارات للعمال السوريين”.
وأضاف، حسب “الوكالة الوطنية للإعلام“، أن المالك “كاد أن يتسبب بمجزرة في حق هؤلاء العمال، لأن تلك الأبنية بنيت بشكل تجاري على ألواح التنك”.
وفي 11 من الشهر الحالي، انهار مبنى مؤلف من 5 طوابق في صحراء منطقة الشويفات يوجد فيه سوريون، بعد إخلائه بـ 10 دقائق.
وفي 23 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لقي الشاب السوري إبراهيم عبد الله حتفه إثر انهيار مبنى سكني قديم في محلة المقاصد في صيدا القديمة مقابل حديقة الإمارات، فيما نجا باقي أفراد عائلته.
على شفير الخطر
هذه الحوادث فتحت باب التساؤلات حول الأسباب التي تدفع بالنازحين السوريين للعيش في أبنية غير آمنة ومهددة بالسقوط.
ويرجع المحامي في بلدية الشويفات سعيد السوقي، السبب إلى الوضع المادي الذي وصفه بـ”الصعب” ليس على السوريين فقط وإنما على اللبنانين.
وقال السوقي إن الوضع المادي يدفع الشخص أحياناً إلى العيش في مبان دون أخذ بعين الاعتبار بسلامتها.
في حين يرى المستشار القانوني لنقابة المالكين المحامي شربل شرفان، أن النازحين السوريين منتشرون في كل لبنان، وكونهم عائلات مهجرة فوضعها المادي صعب، مايضطرها إلى الاستئجار في مباني قديمة.
وحسب شرفان فإن هذه الأبنية يترواح أجارها بين 100 و200 دولار أمريكي شهرياً، بينما المباني الجديدة يبدأ الأجار من 400 دولار وما فوق، ولذلك أغلب النازحين السوريين يسكنون في هذه الأبنية.
وأشار إلى أن هذه المباني يعيش غالباً فيها عائلتين في شقة واحد، والتي لا تتجاوز مساحتها 80 متراً، بينما اللبنانيون يفضلون العيش في منازل مساحتها 120 متراً وما فوق.
ويؤكد اللاجئ السوري في لبنان، صادق عزو، أن ما يجبر السوريين على العيش في هكذا مباني بسبب رخص الآجار الذي لا يتجاوز 150 دولار أمريكي، بينما في باقي المناطق يصل الآجار إلى 400 دولار.
وقال عزو إن السوري ليس لديه الإمكانيات إلى العيش في شقة غالية جداً، إلا إذا كان من أصحاب الشركات ولديه دخل جيد.
مضيفاً أن “السوري لا علم له بشيئ حول سلامة المبنى، أما المالك لا يهمه سوى أن يقبض الأجار”.
بدوره أكد المحامي والمحلل السياسي أمين البشير، لـ”السورية.نت” أن بعض البلديات تضيق على السوريين ما يضطرهم إلى العيش في مناطق الأبنية فيها أقل سلامة.
وقال البشير إن إيجار المنازل وصل إلى حدود 500 دولار أمريكي، في ظل استغلال بعد أزمة النزوح من الجنوب اللبناني.
وأضاف أن ذلك أدى إلى ارتفاع تكاليف الأجار على النازح السوري ما يضطره للبحث على أبنية غير صالحة ومهددة بالسقوط.