تحت مسميات “العودة الطوعية” و”الآمنة” للاجئين السوريين، خاصة من دول الجوار، ينهمك أكثر من طرف في الإعداد لصفقات من أجل تحقيق هذه العودة، برغم علم الجميع بأن سوريا ما زالت بلداً غير آمن، ولم تتحقق بعد الظروف الملائمة لعودة اللاجئين اليها.
ومع تفهم أن دول الجوار، وحتى دولاً بعيدة مثل الدانمارك، تريد التخلص من عبء اللاجئين، بعد أن تحولوا إلى مادة للتجاذب السياسي الداخلي، مع تحميلهم أوزار الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها تلك البلدان، إلا أنه من غير المفهوم الانخراط المتزايد للأمم المتحدة في هذه الجهود، التي يطرب لها نظام الأسد، ليس حبا باللاجئين الذين هجرهم بنفسه، بل على أمل أن تكون هذه الجهود مدخلا لفتح أبواب المساعدات الدولية عليه، بحجة إعادة تأهيل مناطق اللاجئين، وما يرافق ذلك من انفتاح سياسي يسرع في إعادة تعويم النظام على الساحة الدولية.
وبعد زيارته إلى سوريا قبل أيام، حيث التقى وزير خارجية النظام فيصل المقداد، عرج المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي على الأردن، وأطلق من هناك تصريحات قال فيها إن المفوضية “تستمر في العمل مع حكومة النظام السوري للمساعدة في خلق ظروف مواتية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”. ويأتي ذلك برغم التحذيرات الصادرة عن جهات محلية ودولية عديدة بأن سوريا بلد غير آمن لعودة اللاجئين، وآخرها تقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا ” منتصف الشهر الجاري بأن الأوضاع في مناطق سيطرة النظام لا تزال تشكل “عقبات أمام عودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين” مشيرة إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية في جميع أنحاء سوريا، وخاصة مناطق سيطرة قوات النظام، في ظل أوضاع اقتصادية هي الأسوأ منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
كما حثت عدة منظمات حقوقية دولية رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على وقف برنامج العودة إلى سوريا. وذكرت منظمات العفو الدولية “أمنستي” و”هيومن رايتس ووتش” و”مراقبة حماية اللاجئين”، في رسالة وجهتها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن “سوريا غير آمنة للعودة”، داعية الأمم المتحدة إلى وقف البرامج التي يمكن أن تحفز العودة المبكرة وغير الآمنة”.
وتشير عدة تقارير إلى تواصل عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والموت بسبب التعذيب، بمن فيهم اللاجئون العائدون إلى مناطق سيطرة النظام، فضلا عن الاستخدام التعسفي للموافقات الأمنية التي يفرضها النظام السوري بهدف تقييد الحريات، وتعد شرطاً مسبقاً للحصول على حقوق الملكية وممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري.
وتتزامن هذه التحركات مع جهود تبذلها بعض الدول المضيفة للاجئين المجاورة لسوريا لتسريع عودتهم، بالتنسيق مع النظام السوري، بغض النظر عن المخاطر التي تكتنف هذه العودة، حيث من المقرر أن تصل بعد أيام قليلة أول دفعة من اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، وذلك بناء على اتفاق بين حكومتي لبنان والنظام السوري، ويبلغ قوامها 15 ألف لاجئ وفق وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين، في حين تبذل تركيا التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين جهودا مماثلة لإعادة جزء منهم إلى سوريا، سواء لمناطق سيطرة المعارضة في الشمال، حيث أعلنت عن خطط لإعادة مليون لاجئ، وفق تفاهمات يجري العمل عليها بين الجانبين برعاية روسية، وإن كانت لم تثمر بعد عن نتائج عملية.
غير أن المعطيات على الأرض لا تشير إلى جهود حقيقية لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين العائدين، حيث تعاني المناطق التي يسيطر عليها النظام من ضائقة اقتصادية وأزمات معيشية متفاقمة، ما يدفع الكثيرين إلى مغادرتها والبحث عن سبل للهجرة إلى الخارج، فضلا عن الأوضاع الأمنية المتردية في بعض المناطق مثل الجنوب السوري.
وفي رأي يعكس حقيقة تفكير النظام السوري، بعيدا عن التصريحات الاستهلاكية المرحبة بعودة اللاجئين، رأى زياد غصن رئيس تحرير جريدة “تشرين” الحكومية سابقا في مقال له نشره في 10 من أيلول الماضي على موقع تلفزيون “الميادين” أنه “من المستحيل على أي بلد تحمل زيادة مفاجئة في عدد السكان تصل إلى نحو 27% فيما لو تقرر إعادة جميع اللاجئين في الدول المجاورة، داعيا إلى اعتماد مشروع دولي يدعم عودة اللاجئين السوريين على مراحل زمنية يجري خلالها توفير البيئة الاقتصادية والاجتماعية اللازمة.
والواقع أن نظام الأسد لا يهتم بعودة اللاجئين، بل هو في الحقيقة لا يرغب بهذه العودة، خاصة للفئات المنحدرة من مناطق ثارت عليه، ويعتبر أن التخلص منهم كان أمرا جيدا، وفق نظرية “الشعب المتجانس” التي أطقها رئيس النظام قبل سنوات، والذي وصف ملايين السوريين المعارضين بالخونة والجراثيم. وحقيقة الأمر أن النظام يسعى في هذا الملف إلى “عقد الصفقات” سواء مع الأمم المتحدة لاستجرار الدعم المالي تحت ذريعة إعادة تأهيل مناطق النازحين التي كان النظام نفسه دمرها عمدا في غالب الأحيان، أم مع دول الجوار مثل تركيا حيث يحاول مقايضة عودة اللاجئين بقضايا سياسية، وكأنهم ليسوا مواطنين سوريين، وليس من حقهم الطبيعي العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم. والنظام الذي استباح طوال السنوات الماضية دماء وممتلكات اللاجئين، ينظر إليهم بشكل عام بعين الريبة من الناحية الأمنية، وبعين اللص من الناحية الاقتصادية، حيث عينه على المساعدات الخارجية التي قد تصله على بندهم، وعلى ما تبقى لهم من ممتلكات، بحثا عن طريقة تمكنه من الاستيلاء عليها بشكل “قانوني” تحت حجج وذرائع شتى.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت