“نقل الغاز المصري إلى لبنان”.. حيثيات الصفقة و”مكاسب” نظام الأسد
في 21 من يونيو / حزيران الحالي وقع مسؤولون من لبنان والنظام السوري ومصر صفقة لاستيراد 22.95 مليار قدم مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان، عبر خط أنابيب يمر عبر الأردن وسورية.
ويمكن أن يولّد الغاز 450 ميغاواط إضافية من الكهرباء، مما يمنح المنازل اللبنانية أربع ساعات إضافية من الشبكة في اليوم.
وتنتظر الاتفاقية موافقة خطية من الجانب الأمريكي، بحسب تصريحات لوزير الطاقة اللبناني، وليد فياض.
وقال فياض إن الجانب الأمريكي وعد الحكومة اللبنانية، بتأمين ضمانات مكتوبة، بإعفاء الجانب المصري من “قانون قيصر” الأمريكي، الذي يفرض عقوبات على أية جهة تتعاون مع نظام الأسد.
من جانبها قالت متحدثة باسم الخارجية الأميركية في تصريحات صحفية، عقب ذلك: “نتطلع إلى مراجعة العقود النهائية وشروط التمويل من الأطراف، للتأكد من أن هذه الاتفاقية تتماشى مع سياسة الولايات المتحدة، وتعالج أية مخاوف محتملة تتعلق بالعقوبات”.
وأضافت المتحدثة: “لم ولن نرفع أو نتنازل عن العقوبات المفروضة على الأسد ونظامه حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، كما أننا نعارض إعادة الإعمار (في سورية) في ظل الظروف الحالية. لقد كنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا”.
وحتى الآن ما تزال تفاصيل صفقة نقل الغاز يشوبها نوع من الغموض، وعما إذا كانت ستتم على أرض الواقع، إضافة إلى نوعية المكاسب التي سيجنيها نظام الأسد من كل ذلك.
ونشر ويل تودمان زميل في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة قراءة أولية لصفقة نقل الغاز إلى لبنان، مستعرضاً حيثياتها في 3 أسئلة.
هل ستوفر للبنان كهرباء موثوقة؟
يجيب تودمان: “لا. حتى لو تم تنفيذ هذه الصفقة بالكامل، فإن معظم المنازل اللبنانية ستظل تتحمل 18 ساعة في اليوم دون الكهرباء التي توفرها الحكومة”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصفقة هي إصلاح قصير الأجل لا يفعل الكثير لمعالجة الفساد والخلل في قطاع الكهرباء في لبنان.
ويمكن أن تخفف فعلياً الضغوط على الدولة لإصلاح التزويد بالكهرباء.
ومع ذلك، فإن الكثيرين سيرحبون بالكهرباء الإضافية، خاصة خلال أشهر الصيف، ولاسيما أن حرق الغاز أنظف من الديزل، الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء والمولدات في لبنان، بحسب الباحث تودمان.
هل سيتم تنفيذها؟
لا تزال الإجابة عن هذا السؤال غير واضحة.
ويوضح تودمان أن “الاتفاقية لا تزال تتطلب موافقة الولايات المتحدة. على الرغم من أن السفيرة الأمريكية دوروثي شيا هي التي أعلنت عن الصفقة منذ عام تقريباً، إلا أن مصر والأردن لا تزالان تنتظران تأكيداً أمريكياً بعدم خضوعهما لعقوبات قانون قيصر”، التي تحظر التعامل مع النظام السوري.
وقال المسؤولون الأمريكيون مؤخراً إنهم لا يستطيعون التأكيد إلا على أن المشروع غير خاضع للعقوبات بعد توقيع لبنان ومصر على العقد، والكشف عن شروطه المالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تمويل البنك الدولي للمشروع مرهون بإصلاحات في قطاع الكهرباء اللبناني، بما في ذلك ضمان جمع الرسوم بشكل صحيح.
ويضيف تودمان: “لم يوافق البنك بعد على الوفاء بشروطه”.
ما هي سياسة الصفقة؟
صفقة نقل الغاز المصري هي نتاج “المنافسة الأمريكية الإيرانية في لبنان”، بحسب الباحث تودمان.
وكانت السفيرة الأمريكية، دوروثي شيا قد أعلنت عنها في أغسطس 2021، بعد ساعات فقط من إعلان زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله أنه حصل على شحنات وقود من إيران.
ويقول تودمان إن “الولايات المتحدة حساسة تجاه اتهامات حزب الله بأن العقوبات الأمريكية تسبب المعاناة في لبنان، وهي حريصة على دعم المبادرات التي تعمل على تحسين أوضاع اللبنانيين بشكل واضح”.
وقد تمنح هذه الصفقة أيضاً الولايات المتحدة نفوذاً على الحكومة اللبنانية في مفاوضات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والتي تقودها الولايات المتحدة وتسعى من خلالها إلى الحصول على تنازلات لبنانية أكبر.
كما أن الاتفاق مكسب لحكومة الأسد، ويمثل بحسب الباحث “أول تحرك رئيسي نحو التكامل الاقتصادي لسورية مع المنطقة، منذ أن هزت احتجاجات الربيع العربي سورية في مارس 2011، مما أوقف جهود التكامل السابقة”.
وعلى الرغم من أن النظام السوري لن يتلقى مدفوعات مباشرة، إلا أنها سيتلقى جزءاً من الغاز، مما سيساعده على معالجة مشاكل الطاقة الخاصة بحكومته.
وسيكتسب نظام الأسد أيضاً “القدرة على قطع إمدادات الغاز عن لبنان، مما يعزز النفوذ على بيروت. كما أن إدراجه في الصفقة يضفي الشرعية على بشار الأسد ويمثل خطوة نحو إعادة تأهيل سورية دولياً”.
وكانت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، نقلت عن مصدر في وزارة النفط التابعة لحكومة النظام، الأسبوع الماضي، أن حصة سورية من هذه الاتفاقية ستكون 8% من كمية الغاز التي سيتم نقلها يومياً إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
وأضاف المصدر، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أن “سورية ستحصل على 8 بالمئة من حصتها بالغاز، مقابل مروره عبر أراضيها، بموجب الاتفاقيات الموقعة، بمعدل 130 ألف متر مكعب يومياً”.
وحول المكاسب التي ستجنيها حكومة النظام، قال المصدر إن قبول البنك الدولي تمويل هذا المشروع، يعني أنه سيموّل المشتريات التي تستفيد منها حكومة الأسد، وبالتالي هو مضطر إلى رفع “الشركة السورية للغاز” من قوائم العقوبات الغربية.
وكذلك يُعتبر توقيع الاتفاقية بمثابة “إعادة تشبيك” لحكومة النظام بالاقتصاد العربي، بحسب المسؤول في وزارة النفط، مضيفاً أن أهمية هذه الاتفاقية “تكمن في إعادة الربط الاقتصادي بين الاقتصادات العربية”، حسب تعبيره.