هراء الوزراء في حكومة بشار الأسد اللبنانية
لا، ليست سقطات عابرة أو مجرد زلات ألسن، ذلك الهراء الذي تفوه به وزراء “حكومة العمل والأمل” اللبنانية. فالوزراء الجدد تعاقبوا على إذهالنا بمتوسط ذكاء منخفض إلى حد مذهل، ناهيك عن مكاشفتنا منذ اليوم الأول من تسلمهم حقائبهم عن أن النزاهة والأخلاق ليسا مجالهم.
وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية هيكتور الحجار فاتح اللبنانيين بكذبة صفيقة، مفادها أن عليهم يحتذوا بالصين، التي قدم منها لتوه، وأن يقلعوا عن البذخ عبر استعمالهم المتواصل لحفاضات الأطفال، أما المناديل الورقية، بحسب الوزير، ففرنسا التي يعرفها دون غيره من اللبنانيين أقلعت المطاعم فيها عن تقديمها لزبائنها. ولا يكمن الذهول بما خلفه كلام الوزير باللبنانيين في أنه لم يحترم ذكاءهم، إنما في أن كلامه ينطوي على كذب صريح، ذاك أن اللبنانيين، وقبل إقلاعهم عن “تحفيض” أطفالهم توجهوا إلى غوغل ليكتشفوا أن الصين تتصدر لائحة مستهلكي حفاضات الأطفال. أما قضية المناديل الورقية، لم يكونوا بحاجة إلى غوغل ليعرفوا أن فرنسا لم تقلع عن استعمالها، ذاك أنها أمنا الحنون، ونتابع ما يجري في مطاعمها، والوزير خلط الكذب بالغباء، فصدر عنه ما صدر.
أما وزير الاقتصاد الجديد أمين سلام، فقد أحضر معه زوجته في يوم تسلمه الوزارة. كيف لا والرجل صادر عن ثقافة تعتقد أن الوزارة شأن عائلي. وصلت السيدة الأولى في وزارة الاقتصاد مرتدية أبهى ما لديها من أثواب، هذا فيما الاقتصاد منهار واللبنانيون مختنقون على أبواب المستشفيات ومحترقون في لهيب الشمس أمام محطات الوقود.
والحال أن وزير الإعلام جورج قرداحي الذي يعتبر أن بشار الأسد شخصية العام وكل الأعوام، باشر يومه الأول في وزارته عبر الطلب إلى وسائل الإعلام الكف عن استقبال المحللين والصحفيين الذين يقولون “أننا سائرون نحو جهنم”! فبالإضافة إلى ما يعنيه هذا الطلب من مؤشر مقلق على الحريات في لبنان، فات الوزير أن أول من قال إننا سائرون نحو جهنم هو رئيس الجمهورية ميشال عون فهل يشمله طلب الوزير؟ لكن يبقى الأهم بما حمله لنا الوزير قرداحي هو إعجابه بالنموذج البعثي وهو ما دفعه إلى استعارة عبارة “حكومة الأمل والعمل” من بشار الأسد لكي يسمي حكومته بها، وعلينا والحال هذه أن نطلق خيالنا وراء الصور المتولدة عن هذا الإعجاب للحريات التي ينعم بها زملاؤنا في دمشق وحمص وحماه.
والوزراء اللبنانيون الجدد اختارتهم الأحزاب المذهبية عينها، تلك التي سطت على موازنات الدولة وعلى ودائع الناس في المصارف، وهذا أمر لا يخفى على أحد. هم أقنعة لوجوه النهب والفساد والارتهان، لا بل جرى تخصيبهم بمزيد من القابلية لأن يكونوا خدماً صغاراً لكبار النظام. وزير الطاقة وليد فياض هو جبران باسيل، ولكن مكثفاً ومستعداً لأن يواصل بث العتمة وتثبيتها بوصفها قدرنا، ومليارات الدولارات التي يتوقع أن يحصل عليها من صندوق النقد الدولي ستذهب كما ذهبت أسلافها من المليارات إلى جيوب العائلة الحاكمة.
أما حزب الله، فله في هذه الحكومة ما لم يكن له في غيرها ممن سبقها، ونحن إذ كنا أطلقنا الحكومة السابقة اسم “حكومة حزب الله” وهو ما ثبتت صحته عبر شراسة أمين عام الحزب حسن نصرالله في الدفاع عنها، فإن هذه الحكومة هي ما بعد حكومة الحزب، أي أنها حكومة سلطته المباشرة، وليست رعايتها لطلائع صهاريج النفط القادم من طهران عبر سوريا، إلا مؤشراً ستعقبه المزيد من المؤشرات.
لكن ثمة جديداً في الملهاة اللبنانية ربما ساعدنا على هضم الكارثة، ويتمثل في انخفاض حاد في ذكاء وخيال الوزراء كشفته إطلالاتهم الأولى، فبين وزير صور نفسه على أنه ضفدعاً فاقد للسمع وهو، بحسب ما قال، ما سيستعين به لكي ينجو الحملات عليه، ووزير آخر كشف للبنانيين أن عصفوراً صغيراً تمكن من إخماد حريق هائل في إحدى الغابات، مشبهاً نفسه بهذا العصفور! والأرجح أن انخفاض منسوب الذكاء في الكابينة الحكومية اللبنانية ليس صدفة، فالوزراء هؤلاء هم أقنعة وخدم لدى أسياد هم بدورهم أقنعة وخدم، وهذا التعاقب والتدرج في المهمة يفترض بكل حلقة منه أن تكون أضعف من سابقتها على صعيد الخيال لكي تؤدي وظيفتها المتمثلة بمواصلة الفساد، بأمانة. أما اللبنانيون الغارقون بالانهيار فالحكومة الجديدة تمكنت من انتزاع ابتساماتها على رغم ما يمرون به من محن. وثمة أمر آخر يمكن أن يخلف رضاً عن واقعة تشكيل هذه الحكومة الرهيبة، وهي أنها تليق بأن تكون خاتمة حكومات عهد ميشال عون، وصورة أمينة عنه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت