نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 22 أيار 2022 على موقع DW Turkis
هل يعتبر حزب “النصر- Zafer”، الذي يروج للمشاعر المعادية للاجئين في تركيا، مثالاً جديداً عن الأحزاب “اليمينية الشعبوية” أو “اليمينية المتطرفة” التي تزداد قوة في العديد من البلدان الأوروبية؟
من الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن الأحزاب السياسية التي توصف بأنها “شعبوية يمينية” أو “يمينية متطرفة” في العديد من بلدان أوروبا، بدءاً من فرنسا إلى ألمانيا، ومن الدنمارك إلى إيطاليا، قد عززت قوتها وانتشارها عبر مناهضة اللاجئين أو كراهية الأجانب. وحسبما يرى خبراء السياسة، فإنه بشكل شبهاً لما في أوروبا، حيث يوجد لدى حزب “النصر” القدرة على النمو وهو الحزب الذي يثير مشكلة اللاجئين، إذا استمر الجدال والنقاش حولها.
حزب “النصر – Zafer” حزب جديد أسسه “اوميت اوزداغ “Ümit Özdağ” في 26 أب/ أغسطس 2021، وهو الذي كان لديه نشاطاً سياسياً سابقاً في حزب الحركة القومية MHP ومن ثم في حزب الجيد İYİ. وبالرغم من أن حزبه حديث التأسيس، إلا أنه مؤخراً أصبح أحد أكثر التشكيلات السياسة الداخلية إثارة للجدل في تركيا، وخاصة بسبب تركيزه على قضية اللاجئين، والجدل الكبير الذي أثاره حولها، وشهدت القضية تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي.
في السنوات الأخيرة شهدت العديد من البلدان الاوربية نمواً متزايداً لتيار “يميني متطرف شعبوي”، وركز هذا التيار على المهاجرين وكراهية الأجانب، وظهرت أحزاب مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا AfD ” في ألمانيا، و”الجبهة الوطنية” في فرنسا، وحزب “الحرية FPÖ ” في النمسا، وحزب “فيدس Fidesz ” في المجر، و”الفجر الذهبي” في اليونان، والتي لا تشكل سوى عدداً قليلاً من هذه الأحزاب لهذا التيار.
يرى المحللين السياسيين انه كان يوجد أحزاب في تركيا يمكن وصفها بـ “يمينية متطرفة” بشكل دائم، ولكن يبقى حزب “النصر” وحده المثال الأول الذي لديه وجه تشابه مع أحزاب “اليمين الشعبوية” المنتشرة في أوروبا مؤخراً.
أين يقع حزب “النصر” على الساحة السياسية؟
حسناً اذاً، هل لدى حزب “النصر” موقع في الساحة السياسية التركية بشكل مماثل لأحزاب “اليمين الشعبوي” أو “اليمين المتطرف” التي اكتسبت قوة في أوربا مؤخراً؟
يصف الدكتور” إلكر أيتورك – İlker Aytürk”، عضو هيئة التدريس المساعد في جامعة “بيلكنت – Bilkent Üniversitesi “، أن حزب “النصر”، هو “الممثل الجديد لليمين المتطرف في تركيا” قائلاً:” “لم نرَ أحزاباً يمينية متطرفة (راديكالية) في تركيا كما تعنيه في أوروبا، وما نعنيه باليمين المتطرف (الراديكالي) هو: الذي بدأ بالظهور في أوربا منذ نهاية السبعينيات(1970م)، ولكن بمرور الوقت انتشر في كل انحاء الدول الغربية، وظهرت حركات يمينية جديدة في جميع أنحاء أوروبا، والميزة الرئيسية لهم أنهم يعترضون على شيء ما. ولكن الشيء المثير للاهتمام هو أنه لم يكن يوجد حزب يميني متطرف في تركيا حتى وقت قريب”.
ما يعنيه “أيتورك” هنا، هو اليمين المتطرف المماثل لليمين الموجود في أوروبا، مشيراً إلى انه دائماً ما كان يوجد أحزاب “يمينية متطرفة” في تركيا منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي(مابعد1940)، وأنها يمكن أن تكون قومية أو إسلامية، وأنه دائماً يرى تركيا مختلفة، كما يشير أيتورك إلى أن أحزاب “اليمين المتطرف” (الراديكالية) التي تشبهه تلك الموجودة في أوروبا هي ظاهرة جديدة في تركيا.
ووفقاً للأستاذ الدكتور “مراد سومير – Murat Somer ” عضو هيئة التدريس في جامعة “كوش- Koç Üniversitesi”، فإن وصف هذه الأحزاب بأنها “متطرفة” أو “راديكالية” مرتبط بالدلالة على الديمقراطية. يقول سومير:”لأن فهمهم للسياسة والمشاريع التي يقترحونها على المجتمعات ليست مقترحات متوافقة مع الأنظمة الديمقراطية والليبرالية”.
لماذا “الشعبوية” و”اليمينية المتطرفة” على حد سواء؟
يعتقد الدكتور “بيرك إيسن – Berk Esen”، الأستاذ المساعد في جامعة “سابانجي Sabancı Üniversitesi”، إن حزب النصر هو “الحركة اليمينية الشعبوية المتطرفة” النموذجية كالتي ظهرت في الدول الغربية، ويوضح “إيسن” لماذا حزب “النصر” و “أوميت أوزداغ” شعبوي ويميني متطرف في نفس الوقت:
“في الحقيقة يتضح من خطابه بانه شعبوي، وهذا ليس لأنه معادي للاجئين فقط، فهو يضع الأحزاب الحاكمة والمعارضة ضمن فئة واحدة، ويصور أحد الجانبين على أنها نخب شريرة تسمح بالغزو الصامت، ويصف الباقين بأنهم الأشخاص الذين يحاولون مخاطبتهم. وبالطبع، يقدم نفسه وحزبه كالشخص الوحيد الذي يستطيع أن ينقذنا من هذا الخطر!، هذه بالفعل استراتيجية شعبوية للغاية، وحقيقة أنه يميني متطرف تعود إلى مشاعره الفعلية المعادية للمهاجرين ولقوميته”.
ويتابع “إيسن”: “كان من المثير للدهشة ألا تخرج مثل هذه الحركة حتى الآن، لأن ملايين اللاجئين يعيشون في تركيا منذ فترة طويلة”. مشيراً إلى أن حزب الحركة القومية، الذي كان “أوزداغ” عضوا ً فيه من قبل، ليس حزباً “شعبوياً يمينياً متطرفاً” نموذجياً ويختلف عن نظرائه في أوروبا، يتابع “إيسن” قائلاً:
“حزب الحركة القومية هو حزب قومي تقليدي ذو قوة شبه عسكرية، وقد دعمته الدولة في الستينيات إلى حد ما لوقف الموجة اليسارية الصاعدة، ويمكننا أن نُظهر أن حزب الحركة القومية هو الأقرب إلى حزب النصر، لكنه يختلف من حيث طرحه للاستراتيجيات والخطابات والاجندات التي لا يستخدمها حزب الحركة القومية”.
ما هي أوجه الشبه مع الأحزاب في أوروبا؟
يبين الخبير السياسي “سومير” أوجه التشابه بين حزب “النصر” وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا على النحو التالي:
“أولاً: هناك وجه تشابه في الموضوعات التي يستخدمونها ويسلطون الضوء عليها، ونرى على وجه الخصوص، أن أزمة اللاجئين-وهي مشكلة عالمية-تبرز كقضية تلوح بها هذه الأطراف. ثانياً: الأساليب والخطابات المستخدمة، لا سيما إبراز الشعور بالتهديد والخوف عبر إظهار الأجانب أنهم سبب قلق الناس، بدلاً من حل مشاكل المجتمع الأساسية “.
وأضاف “سومير”، إن طريقة الحزب وأساليب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وطريقة تنظيمه تشبه أساليب الأحزاب في أوروبا.
ووفقًا “لأيتورك” المعروف بأعماله حول الحركات القومية، فإن القضايا التي تعترض عليها أحزاب اليمين المتطرف تتجمع في نقطتين رئيسيتين: أولاً: المنظمات الجامعة مثل الاتحاد الأوروبي، والتي يعتقدون أنها تدمر الوعي القومي، وثانياً: الأجانب والمهاجرين. وحزب “النصر” يشبه أحزاب اليمين الراديكالي في أوروبا في هذا الصدد بتصريحاته واعتراضاته على اللاجئين.
هل كوادر حزب النصر وبرنامجه كافيان؟
يشير الخبراء الى نقطة أخرى مهمة وهي أنه بينما يؤكد حزب النصر على الخطابات المتعلقة باللاجئين فقط، فإنه لا يقدم حلولاً فعالة لمشاكل أخرى عميقة الجذور مثل الاقتصاد أو الحريات.
وحسبما يرى “أيتورك”، فإن تطوير البرامج من قبل أحزاب اليمين المتطرف(الراديكالية) مثل حزب “النصر”، يعتمد جزئياً على المدة التي ستستمر فيها.
ويضيف “أيتورك”:” الآن، نعم، هذا حزب القضية الواحدة. وعلاوة على ذلك، يبدو أنه حزب يتكون من شخص واحد”، مشيراً إلى أنه تم تطوير سياسات بشأن قضايا أخرى في الحركات التي استمرت لمدة 20-30 عاماً في أوروبا، لذلك من الضروري أن نرى إلى متى سيبقى اليمين المتطرف في تركيا، وكيف سيتم إضفاء الطابع المؤسسي عليه، وهل سيكون حزباً واحداً أو عدة أحزاب.
ايضاً يشير “إيسن” إلى أن حزب “النصر” هو حزب رجل واحد في الوقت الحالي، وأنه لا توجد نخبة سياسية مع “أوزداغ”، وأنه طور خطاباً يجذب الناخبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من الدخول في تشكيل صعب مثل تأسيس منظمة كحزب “شعبوي” نموذجي.
هل من الممكن ان يصبح حزب “النصر” أقوى؟
ثمة مسألة أخرى للنقاش مهمة حول ما إذا كانت شعبية حزب “النصر” ستزداد تدريجياً، كونه حزب جديد لم يُتمكن بعد من استخلاص استنتاجات دقيقة حول إمكاناته التصويتية في استطلاعات الرأي.
يعتقد “إيسن” إنه سيكون من المفيد الانتظار 1-2 سنوات لفهم الإمكانات الحقيقية للحزب، ومعرفة بالضبط كيف سيضع نفسه.
ويتوقع “إيسن” أن يتمكن الحزب من جمع الأصوات من كل حزب، لكن حصة الأصوات ستبقى عند مستوى معين، ويضيف: “أنا لست واحداً من أولئك الذين يقولون إن حزب النصر قادم بضجة، أنا أقوم بتحليل أكثر اعتدالاً”.
يوضح “سومير” أن حزب “النصر” “يملأ الفراغ” في الوقت الحالي:
“ما هو هذا الفراغ؟ لا يمكن للأحزاب السياسية الأكبر حجماً، والتي نسميها التيار الرئيسي، والوسط وما الى ذلك، أن تقدم حلولاً تروق للناس، ويمكنها ان تقدم استجابة لأزمة المناخ في العالم، والظلم الاجتماعي، وعدم المساواة، والمخاوف المستقبلية. فيمكن لمثل هذه الأحزاب سد هذه الفجوة عندما لا تستطيع تقديم اقتراحاتها من خلال سياسة الخوف”.
“اليمين المتطرف” سيتجذر في تركيا:
يعتقد “أيتورك” أن شعبية الحزب ستزداد وتصبح أكثر وضوحاً في استطلاعات الرأي في الأشهر المقبلة، وذلك لأن قضية اللاجئين ستستمر لفترة طويلة، مشيراً إلى أن الهجرات الحالية هي حركة “نزوح ضخمة”، وتوجد أمثلة مشابهة على ذلك في التاريخ، ومن الصعب حلها على المدى القصير، يسقط “أيتورك” تأثير هذه القضية على معدل التصويت لصالح حزب “النصر” على النحو التالي:
” في ظل هذه الظروف الحالية، أعتقد أن اليمين المتطرف (الراديكالي) سوف يتجذر في تركيا، لكن مدى نموه يعتمد على موقف الأحزاب الوسطية في تركيا وقدرتها على التعامل مع هذه المشكلة، وفي حال تمكنوا من تطوير سياسات ناجحة، فإن اليمين المتطرف سيظل حزباً صغيراً. ولكن عندما أقول صغير، أعتقد بالتأكيد أنه سترتفع حصة التصويت له فوق 5 % على المدى الطويل”.
كما أعرب “سومير” عن اعتقاده ان زيادة قوة حزب “النصر” تعتمد كلياً على سياسات أحزاب المعارضة الأخرى، وتوقع بأنه: “إذا تمكنوا من تقديم حلول مقنعة للناس، فلن ينمو (هذا الحزب)”.
ولم يرد زعيم حزب “النصر” “أوميت أوزداغ” على سؤال من DW Turkish حول كيفية وضع حزبه.
ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت