لا شك أن الحراك الشعبي في محافظة السويداء قد أربك نظام الأسد، حيث يجد نفسه مكبل اليدين، وعاجزا عن قمع هذا التحرك بالأساليب التي لا يتقن غيرها، أي محاولة تجاهل أو تقزيم التحرك الشعبي، ثم توجيه اتهامات للقائمين عليه، وصولا إلى استخدام العنف ضدهم، أو اعتقالهم.
ولا شك أن هذه الخطوات كان سيتبعها النظام في أية محافظة أخرى تثور عليه، وقد يسبق القمع والاعتقال كل الخطوات بالنسبة لبعض المناطق “المستباحة” من وجهة نظر النظام، مثل ريف دمشق وحمص وحلب.. إلخ أي المناطق التي سبق أن حمل بعض أبنائها السلاح ضده، فتم سحقها بشدة وتهجير أهلها، وقتل واعتقال عشرات الآلاف منهم، فلا تتحمل عقلية النظام أن تثور هذه المناطق عليه مجددا، وكأنها لم تستوعب دروس السنوات الماضية.
أما في الساحل السوري، فحتى لو تصاعد التذمر الشعبي هناك والذي كان بدأ للتوّ، فلن يتوانى النظام عن استخدام العنف ضد المحتجين، وإن كان طبعا ليس بالمستوى الذي حصل في “المناطق المستباحة”، لأسباب طائفية مفهومة. والاحتجاجات في الساحل، ومن المستبعد على أية حال، أن تتحول إلى كتلة شعبية وازنة تنزل إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام؛ لأن سقف المطالب هناك عموما يتعلق بتحقيق بعض الإصلاحات، وتحسين الخدمات والأجور، ولا تشكل مسألة رحيل النظام هاجسا كبيرا لدى معظم الناس، باستثناء بعض الناشطين، ممن يسهل على النظام التعامل معهم بصورة فردية.
وبالعودة إلى حراك السويداء، فقد أسقط في يد النظام الذي لا يستطيع توجيه التهم السابقة المجربة ضد المناطق الأخرى، كمتطرفين ودواعش، بسبب التركيبة الطائفية للمحافظة، كما لا يستطيع اتهامهم بحمل السلاح فهم يحافظون حتى الآن على سلمية الاحتجاجات بتوصية ورعاية مباشرة من الزعامات المحلية والدينية. وتبقى التهمة المتجددة للمحافظة، وهي الرغبة في الانفصال أو إقامة حكم ذاتي برعاية قوى خارجية، في إشارة مضمرة أحيانا ومباشرة أحيانا أخرى، إلى إسرائيل. يضاف إلى ذلك، محاولات متفرقة للتشويش على الحراك الشعبي، مثل “التحذير” من اختراقه من جانب قوى “تكفيرية أو متطرفة” في إشارة إلى الحراك الثوري في درعا المجاورة، والذي يندرج في عقلية النظام، ضمن المناطق المستباحة، حيث بادرت قواته إلى إطلاق النار على المحتجين هناك فورا، حين حاولوا التظاهر في النهار، لذلك يكتفون بوقفات احتجاجية مسائية خاطفة.
وبعد سلسلة من رسائل التهديد التي أطلقها النظام عبر بعض الموالين له، أو عبر محافظ السويداء الذي أدار الحوار بين وجهاء المدينة وقيادته في دمشق، يبدو النظام اليوم في حالة ترقب على أمل أن ينجح الموالون له في المحافظة في ثني الثائرين عن التصعيد، والاكتفاء بتحقيق بعض المطالب الخدمية المحصورة في محافظة السويداء. ولا شك أن النظام يعمل على خطط بديلة في حال، لم تنجح هذه الجهود، قد يكون منها القيام بتفجيرات واغتيالات في المحافظة ونسبها إلى مجهولين أو “دواعش” أو قادة الحراك الثوري في المحافظة على أمل بث الفتنة بين أبنائها.
كل هذه الاحتمالات وغيرها مما قد تتفتق عنها عقلية النظام واردة، لكن المستبعد جدا أن يحاول النظام التفكير في المطالب السياسية التي تتردد في الاحتجاجات الشعبية والمتعلقة بإحداث تغيير في نمط الحكم، وإطلاق سراح المعتقلين، وطرد إيران وميليشياتها من البلاد، والتعامل بجدية مع المطالب العربية من النظام، بما قد يحقق انفراجة سياسية تكون مدخلا لرفع العقوبات الدولية، وجلب الاستثمارات الخارجية وعودة اللاجئين السوريين.. إلخ.
القاعدة التي سار على هديها النظام في تعامله مع احتجاجات 2011، والتي أسداها رجال “الحرس القديم” لبشار الأسد، فضلا عن حزب الله وإيران، هي ضرورة استخدام القوة في مواجهة الاحتجاجات، وإذا لم تنفع القوة، فسوف ينفع مزيدٌ من القوة، وفق قناعتهم التي تحمل ازدراء للشعب السوري، بأن هذا شعب لا ينفع التنازل أمامه؛ لأن كل تنازل سوف يُفسر على أنه ضعف، ويستتبع ذلك مطالب جديدة، وصولا إلى إسقاط النظام.
معضلة النظام اليوم أنه لا يجرؤ على استخدام القوة، بسبب ضعفه من جهة، والسويداء متخمة بالسلاح، وروح الفزعة قوية فيها، فضلا عن المؤازرة المؤكدة التي ستتلقاها من درعا المجاورة، إضافة إلى العامل الخارجي من جهة أخرى، لأن أية تطورات عسكرية أو مجازر يرتكبها النظام في المحافظة، سيكون لها صدى ولا شك في الجوار السوري، حيث تنتشر الطائفة الدرزية، والنظام غير قادر على مواجهة الفوضى التي ستعقب ذلك، وقد تؤدي إلى تثوير مناطق سورية أخرى ضده، ما يهدد الحكم في دمشق.
والخلاصة، أنه مهما بلغ التصعيد ضد النظام في السويداء، فإن النظام لن يستطيع فعل الكثير لوقف هذا الحراك، طالما أن أهالي السويداء يحافظون على وحدة الصف الداخلي، وقد يكون حراكهم هو القشة التي تقصم ظهر النظام المنهك، أو على الأقل تهيّئ الأجواء لذلك.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت