شكّلت الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية مناسبةً لعودة الاهتمام مجدّداً بالقضية السورية على أكثر من صعيد، حيث صدرت بيانات وتصريحات دولية وإقليمية، ترافقت مع حراك سياسي وديبلوماسي واجتماعات دولية متعدّدة الأطراف، فيما أطلق بعضهم العنان لتكهناتٍ بانطلاق مسارات سياسية جديدة، واقتراب وضع حدّ للمعاناة الإنسانية لغالبية السوريين، ووصل الأمر إلى انتشار أحاديث وأقاويل عن إمكانية حدوث تغييرات سياسية كبرى في مسار القضية خلال العام الجاري.
وتتحدّث أوساط إعلامية وسياسية غربية أن الولايات المتحدة تسعى، بالتفاهم مع دول أوروبية، إلى وضع تصور لحلّ سياسي في سورية، لكن ملامح المساعي التي يتمّ الحديث عنها لم تتّضح بعد، في مقابل ظهور بوادر تفاهم غربي تُرجمت في البيان المشترك الذي أصدره وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا في الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية، واعتبروا فيه أن “الانتخابات الرئاسية السورية، المقرّرة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا ينبغي أن تؤدّي إلى أي إجراء دولي للتطبيع مع النظام السوري”. وجدّدوا تمسّكهم بالحل السلمي للصراع في سورية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، ودعم بلدانهم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، وسعيها إلى محاسبة المسؤولين “عن الجرائم الأكثر خطورة”، عبر اللجنة الأممية لتقصي الحقائق، كما طالبوا في بيانهم نظام الأسد وداعميه بالانخراط الجدّي في العملية السياسية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة إليها.
وقد اعتبر بيدرسون، في إحاطته أخيرا أمام جلسة لمجلس الأمن بشأن الوضع في سورية، أن الصراع فيها بات دولياً، ومعظم عناصر الحل لم تعد بيد السوريين أنفسهم، وأن المجتمع الدولي فشل في “تخليص السوريين من الحرب، وكل من ارتكب جرائم حرب أفلت من العقاب”. أما مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، فاعتبرت أنه “لا ينبغي السماح بأن تكون الذكرى الحادية عشرة للأزمة السورية كالذكرى العاشرة لها”، وأن الوقت قد حان لتحقيق الوحدة والتقدم بحلّ سياسيّ حقيقي، يمنح الشعب السوري المستقبل الآمن والمستقر والأمل الذي يستحقه”. وجاء ذلك بالتزامن مع تقديم أعضاء في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، مشروع قرار يتبنّى مواصلة دعم الثورة السورية، ويتوعد بمحاسبة بشار الأسد ونظامه وداعميه في النظامين، الإيراني والروسي.
وفي الجانب الأوروبي، أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تغريدة له في الذكرى العاشرة للثورة، التزام بلاده بعدم السماح بالإفلات من العقاب، وبالوقوف الى جانب الشعب السوري الذي ثار مطالباً بالحرية والكرامة، وذلك في سياق حملة فرنسية مناهضة لنظام الأسد، ترافقت مع تحرّك في مجلس حقوق الإنسان من أجل إصدار قرار يحمّل النظام مسؤولية الانتهاكات التي وقعت منذ عام 2011. أما بريطانيا فسبق أن أعلنت عن حزمة جديدة من العقوبات ضد النظام، فيما أكد مبعوثها الخاص إلى سورية، جوناثان هارغريفز، على موقف بلاه الداعي إلى محاسبة بشار الأسد وضرورة التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية.
وشهدت الدوحة، عشية الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة، إطلاق مسار جديد بشأن الوضع في سورية، اجتماع وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا مولود جاووش أوغلو، توّج إطلاق عملية تشاورية جديدة بين دولهم بشأن الوضع السوري، وعبّروا في بيانهم الختامي عن اقتناع دولهم بغياب أي حل عسكري للصراع في سورية، وتقديم المساعدة في عملية سياسية تحت إشراف أممي من أجل التوصل إلى حل سياسي وفق القرار الأممي 2254.
وإلى هذا كله، شهد المسعى الروسي المضاد للمساعي الأوروبية تحرّكاً لوزير خارجية روسيا، لافروف، في جولة خليجية، في سياق محاولة الساسة الروس إعادة تسويق نظام الأسد تحت مسمى المسألة الإنسانية، بعد أن فشلوا في محاولتهم تسويقه سياسياً، وباتوا يخشون إرهاصات تدهور الوضع الاقتصادي الكارثي في مناطق سيطرة النظام، ويأملون في أن تقدّم دول الخليج مساعداتٍ سخية يمكنها تغيير الأوضاع المأساوية، ولكن الحصيلة كانت مخيبة لآمال الروس، إذ إن مساعيهم لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، وتقديم المساعدات له تحت بوابة إعادة الإعمار تصطدم بالموقف الأميركي وقانون قيصر، وبعدم إمكانية تجاوز أي دولة خليجية الموقف الأميركي والأوروبي المتشدّد حيال تطبيع العلاقات مع النظام، قبل أن ينخرط جدّياً في العملية السياسية، فضلاً عن أن الموقف القطري ما يزال يرى أن “الأسباب التي أدّت إلى خروج سورية من الجامعة العربية لا تزال قائمة”.
والحاصل أنه على الرغم من تأكيد كل القوى الدولية على ضرورة الحل السياسي للقضية السورية، إلا أن هناك فروقاً جوهرية ما تزال قائمة بين ما تطرحه الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة لها وما يطرحه الروس وحلفاؤهم. وبالتالي، ليس ما صدر من مواقف وتصريحات دولية وإقليمية بخصوص القضية السورية جديداً، كونه يعيد تأكيد مواقف سابقة، ولا يقدّم شيئاً في طرق الوصول إلى حلّ سياسي. وعلى الرغم من ذلك، ذهبت أوساط في المعارضة السورية إلى اعتبارها تمثل عودة الزخم إلى القضية السورية، بعد سنوات من تراجع الاهتمام الدولي بها، وخصوصا إثر تغيّر مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي جعلت في مقدمة أولوياتها مكافحة الإرهاب، وشكلت تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأمر الذي أفضى إلى ترك المجال أمام نظام الأسد وحلفائه في النظامين، الروسي والإيراني، للمضي في الحلّ العسكري ضد فصائل المعارضة السوريين، والبطش بالحاضنة الشعبية للثورة، والإفلات من أي عقاب على الجرائم التي ارتكبوها ضد المدنيين السوريين.
ولعل الأجدى بالمعارضة السورية العمل من أجل البناء والاستفادة من المواقف الغربية، وتنظيم صفوفها كي تساعد المجتمع الدولي على التعامل معها، والوقوف ضد نظام الأسد وحلفائه. وبالتالي ليس من الصواب الزعم أن الأجواء التي تخيم على المشهد الدولي الراهن تشبه كثيراً تلك التي سادت مطلع عام 2012، حيث ما يزال الاختلاف الواضح بين مواقف ورؤى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة ومواقف ورؤى الروس وحلفائهم الإيرانيين والصينيين وسواهم من جهة أخرى يلقي ظلالاً كثيفة على ممكنات التوصل إلى حل سياسي ينهي الكارثة السورية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت