كانت التحركات العربية اتجاه النظام السوري خلال الأسابيع الماضية أكثر ما تصدّر عنه الحديث بين أوساط السوريين وعلى مستوى الإقليم والعالم، ورغم مؤشرات “ذوبان الجليد” التي سادت على نحو واضح اعتبر خبراء أن الأمر لا يعني بالضرورة إعادة فتح أبواب الجامعة بالكامل أمام الأسد.
وعلى رأس التحركات تلك التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية، إذ استضافت وزير خارجية الأسد فيصل المقداد في الرياض، بينما زار وزير خارجيتها فيصل بن فرحان العاصمة دمشق.
وما بين هذين التحركين استضافت مدينة جدة السعودية اجتماعاً تشاورياً لبحث الملف السوري، و”إمكانية إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية”.
يشير تقرير نشره موقع “المونيتور” الأمريكي، اليوم السبت، إلى أنه “من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان الأسد سيحضر قمة جامعة الدول العربية في السعودية، أو ما إذا كان ذوبان الجليد سيقتصر على العلاقات الثنائية بين دمشق ودول المنطقة المختلفة”.
وتمثل جهود الرياض للتهيئة لنظام الأسد، والتي تميزت بزيارة بن فرحان إلى دمشق هذا الشهر تحولاً بالنسبة للدولة الخليجية القوية، التي كانت سابقاً أحد الرعاة الرئيسيين لجماعات المعارضة في الانتفاضة السورية.
وكانت أيضاً قد شاركت بإصرار بإصرار في الدعوة طويلاً إلى الإطاحة بالأسد من السلطة.
ويقول ستيفن هايدمان، كبير الزملاء غير المقيمين في مركز سياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز إن الوضع الراهن أصبح غير مستدام.
ويضيف: “هناك إحساس بنوع من النظام السياسي الإقليمي الجديد الذي بدأ يتشكل، حيث أصبح من غير المقبول على نحو متزايد أن تستمر دول المنطقة في استبعاد سورية”.
وأوضح هايدمان أن “عودة سورية إلى جامعة الدول العربية المكونة من 22 دولة من شأنها أن تعزز صورة الأسد وتوفر الغطاء الدبلوماسي الإقليمي للدول لتقترب أكثر من النظام، خاصة تلك التي أحجمت عن التطبيع”.
ومع ذلك، أشار الباحث إلى أن “عودة سورية إلى الدوري ستظل مقصورة على الدبلوماسية، ومن غير المرجح أن تؤدي إلى تغيير كبير على الأرض”.
“لم تعد قضية عربية”
وفي غياب حل سياسي للأزمة السورية، من المرجح أن تستمر العقوبات على النظام وستستمر في عرقلة محاولات الأسد لتجديد العلاقات الاقتصادية الإقليمية.
ومع ترسيخ القوى الدولية في البلاد، سيكون لجامعة الدول العربية نفوذ ضئيل في تحريك الصراع نحو حل.
ويرى أستاذ العلوم السياسية الأردني والخبير الجيوسياسي عامر السبايلة أن القضية السورية أصبحت قضية دولية “ولم تعد قضية عربية بعد الآن”.
وتأتي جهود السعوديين لإعادة الأسد إلى الحظيرة العربية كجزء من استراتيجيتهم الجديدة لكسب المنطقة بسخاء اقتصادي، وهي خطة تتطلب “أبواباً مفتوحة ومشهد خالٍ من الصراع” ، كما يضيف السبايلة.
ويوضح: “السعوديون يظهرون أنهم صناع القرار الحقيقيون في الشؤون العربية. إذا كنت تريد رؤية سياسات وإجراءات حقيقية، فعليك أن تأتي إلى هنا”.
وسبق وأن تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” في مارس / آذار الماضي عن المنافسة العميقة بين المملكة العربية السعودية وحليفها المقرب السابق الإمارات العربية المتحدة على القيادة الإقليمية.
وكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي احتضنت الأسد، بما في ذلك حفل استقبال على السجادة الحمراء مع زوجته أسماء، الشهر الماضي.
وفي اجتماع آخر استضافته السعودية هذا الشهر، حاولت الدولة الخليجية التأثير على جيرانها العرب المترددين لقبول عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء.
ووفقاً لصحيفة “وول ستريت”، يرفض ما لا يقل عن خمسة أعضاء في جامعة الدول العربية إعادة قبول النظام السوري، بما في ذلك المغرب والكويت ومصر واليمن وقطر.
وذكرت الصحيفة أن تلك الدول تدعو الأسد إلى الانخراط أولاً مع المعارضة السياسية في سورية، وسن قدر من الإصلاح السياسي، إلى جانب المطالب المتعلقة بشؤونهم الداخلية.
وتتصدر قطر قائمة الدول الرافضة، ولم تحذو حذو السعوديين حتى الآن، مشيرة إلى أن “التغيير على الأرض في سورية والإجماع العربي هو الوحيد الذي يغير موقفها”.
“تسوية سياسية غير مرجحة”
واستعادت قوات الأسد السيطرة على جزء كبير من سورية، باستثناء الجيب الذي يسيطر عليه الأكراد في الشمال الشرقي ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى.
وعلى الرغم من ضغوط الدول الغربية ودول الخليج وتركيا وحتى روسيا المقربة من النظام على مدى العقد الماضي، فقد رفض الأسد مراراً وتكراراً فتح حوار مع جماعات المعارضة في البلاد أو قبول أي نوع من التسوية السياسية.
ويخشى الأسد أن تؤدي التسوية في نهاية المطاف إلى الإطاحة به، وتحميه رئاسته الآن إلى حد كبير من المثول أمام المحكمة على جرائم الحرب، وفقاً للاقتصادي السياسي السوري، كرم شعار.
وقال الشعار لـ “المونيتور”: “لهذا السبب، أعتقد أن نظام الأسد على استعداد فقط لتقديم تنازلات تجميلية”، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من المعارضة.
وقال: “لكن أي إصلاح سياسي حقيقي سيؤدي في الواقع إلى إخراج النظام من السلطة”.
في غضون ذلك، تخلت المملكة العربية السعودية بشكل أساسي عن فكرة الإصلاح السياسي التفاوضي كشرط مسبق للتطبيع مع سورية.
وقال الباحث الأردني السبايلة إن جيران سورية الإقليميين ربما يستخدمون الدعوات للتوصل إلى تسوية سياسية كغطاء لتجنب انتقادات الغرب.
وأضاف: “لا أعتقد أن أي دولة عربية مهتمة حقاً بالمطالبة بإصلاح سياسي جاد”.
بدوره قال هايدمان إنه بدون تسوية سياسية مشروعة، فإن الرفع التام للعقوبات المفروضة على نظام الأسد أمر غير مرجح.
وقد أعاقت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخاصة قانون قيصر الأمريكي، قدرة الأسد على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع المنطقة وإعادة البناء بعد الحرب التي استمرت عقداً من الزمان.
لكن القيود الحالية على الأعمال التجارية ربما يتم اختبارها على الأرجح مع تقارب الدول العربية مع النظام. وأضاف هايدمان: “بصراحة، لن أتفاجأ إذا رأينا الحدود [للعقوبات] تتراجع بمرور الوقت”.
وحتى قبل التحركات الأخيرة، سعى المستثمرون الإماراتيون بالفعل إلى إيجاد طرق لضخ الملايين في مشاريع سورية، كما شرع الأردن، المدفوع بسياسات الإمارات العربية المتحدة، في مناقشات حول كيفية تعزيز التجارة والاستثمار.
الآن، مع تآكل حدود التواصل مع الأسد، فإن المنطقة “تعيد تأكيد دورها كلاعب في الصراع السوري على أساس التطبيع، على أمل أن هذا قد يمنحها فرصة لزعزعة شروط النتيجة، أكثر مما تمكنوا من الوصول إليه من خلال القنوات أو الوسائل الأخرى”، وفق هايدمان.