حتى ساعة كتابة هذه السطور، ما تزال الولادة “المُنتظرة” لخدمات المشغل الثالث للخليوي في سوريا، “وفا تيليكوم”، متعسّرة، حسب التعبير الذي استخدمته وسيلة إعلام موالية، قبل يوم فقط من إدعاء إطلاق الخدمة، ضمن حفلٍ ضخم، بحضور نجل رأس النظام، كريم بشار الأسد. وذلك، قبل أن يعود المدير التنفيذي للشركة، في اليوم التالي، ليؤكد عجزه عن تحديد موعد دقيق للإطلاق الفعلي لخدمات المشغل الثالث.
وترجع مشكلات تلك الولادة “المتعسّرة” لـ “وفا”، إلى طبيعة العلاقة المعقّدة بين “أبويها غير الشرعيين”. إذ هي شراكة تعثّرت كثيراً، وبدت أقرب إلى كونها علاقة قسرية، بين آل الأسد، ممثلة بجناحهم النسائي، أسماء -عقيلة رأس النظام- عبر المقرّب منها، يسار إبراهيم، من جهة، وبين إيران، ممثلةً بشركةٍ محسوبة على “الحرس الثوري الإيراني”، من جهة أخرى، وذلك وفق ما كشفه التحقيق اللافت بهذا الخصوص، الذي نُشر نهاية العام المنصرم، وأعده كل من “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، و”مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)”.
وقد حاول نظام الأسد التغطية على مشكلات هذه الولادة “المتعسّرة”، عبر بهرجة إعلامية أحاطت بحدث تجربة الجيل الخامس لتقنيات الاتصال (5G)، الذي احتُكر لصالح الشركة الجديدة، على حساب شركتَي الخليوي العاملتين الآن، “سيرتيل”، و”إم تي إن”. وكان اللافت، استخدام نجل رأس النظام، كريم الأسد، كأداة ترويج للحدث، الذي حضره أيضاً، وزير الاتصالات بحكومة النظام. وفي اليوم التالي فقط، لتلك البهرجة، صارح المدير التنفيذي للشركة، وسائل الإعلام، بأن خدمات الشركة ستبدأ أعمالها بـ (4G). وأن خدمة الـ (5G) المُنتظرة، ستأتي لاحقاً. كل ذلك في بلدٍ، يشتكي سكانه من خدمة سيئة للغاية لـ (4G)، بل وللـ (3G) أيضاً. وذلك نظراً لتأثير انقطاعات الكهرباء على جودة الخدمة.
أما عن أسباب تعسّر هذه “الولادة المُنتظرة”، فقد ارتبطت أساساً بممانعة آل الأسد للتخلي عن استثمارهم الأثير في قطاع الاتصالات السوري، الذي بدأ بعد فترة وجيزة فقط من وصول بشار الأسد إلى السلطة، ممثلاً في “سيرتيل”، عبر خازن أموال العائلة حينها، رامي مخلوف. ومنذ العام 2010، وضعت إيران عينها على هذا القطاع الخدماتي منخفض التكلفة وعالي الربح. فشاركت في عروض الشركات الدولية المتنافسة التي تقدمت لمناقصة إدخال المشغل الثالث للخليوي إلى سوريا، قبل أن تنسحب شركتها من العروض، جراء انكشافها أمام العقوبات الغربية. ومن ثم علّقت الأحداث التي تلت العام 2011، ملف المشغل الثالث للخليوي، حتى العام 2017، حينما قدّم النظام وعداً رسمياً لإيران، بمنحها هذا الاستثمار، عبر مذكرة تفاهم وقّعها رئيس الوزراء الأسبق، عماد خميس، مع شركة اتصالات إيرانية، خلال زيارة له، إلى طهران.
ومنذ ذلك التاريخ، ماطل النظام في تنفيذ تلك المذكرة. وقد أرجعت مصادر التحقيق المشار إليه، تلك المماطلة، إلى نفوذ رامي مخلوف، الذي كان يملك جزءاً كبيراً من حصص “سيرتيل”. وذلك قبل أن يتم الإطاحة بـ مخلوف، واستيلاء بشار الأسد، عبر مؤسسات “الدولة”، على “سيرتيل”، ومن ثم، على “إم تي إن”، خلال عامي 2020 و2021. وفي بداية العام التالي، وُلدت رسمياً، “وفا تيليكوم”، ولادة هزيلة، للغاية، برأسمال لا يتجاوز الـ 10 مليار ليرة سورية، أي نحو 2.8 مليون دولار فقط، وفق سعر الصرف في ذلك التاريخ. قبل أن يتضح أنها شراكة بنسبة 20% لشركة الاتصالات الحكومية، و28% لشركة “وفا إنفست” التي أسسها، يسار إبراهيم -الذراع الاقتصادي الحالي لأسماء الأسد-، و52% لشركة “أرابيان بيزنس كومباني” (ABC)، التي كشف التحقيق المشار إليه، أنها تمثّل “الحرس الثوري الإيراني”، عبر شركة واجهة –وهمية- تعمل من ماليزيا.
وفيما كان المدير التنفيذي لـ “وفا تيليكوم” يكرر في تصريحاته الإعلامية، خلال اليومين الماضيين، لازمةً تناقض ما بات الجميع يعلمه، مؤكداً أن الشركة “وطنية 100%”، عجز الرجل عن تقديم تبرير واضح لعجزه عن تحديد موعد لإطلاق المكالمة الأولى وتشغيل الشبكة الخاصة بالشركة. وفي ذلك، يبدو موقفه لا يُحسد عليه، فالشركة التي حظيت باحتكار خدمة الـ (5G) المُنتظرة، لا تملك أبراجها الخاصة، بل تستعين بأبراج شركتَي “سيرتيل” و”إم تي إن”، المُستولى عليهما. والسبب، وفق مدير الشركة، جمالي. تجنباً للتلوث البصري، جراء كثرة الأبراج، حسب وصفه. وذلك في بلدٍ، باتت عاصمته تعيش على مولدات الأمبيرات، وتلوثها السمعي والبصري والبيئي.
أما السبب الحقيقي، الذي لا يجرؤ مدير الشركة على الإفصاح عنه، فهو ضآلة رأسمالها التأسيسي، الذي لا يصل إلى 3 مليون دولار، في قطاعٍ، تتجاوز أرباحه السنوية، وفق أرقام رسمية، الـ 150 مليون دولار. وهو ما يكشف أحد أبرز أسباب الولادة المتعسّرة لخدمات المشغل الثالث. فإيران تريده سداداً خالصاً لديونها، دون حتى أن تساهم فيه مالياً. وفي ذلك، قد يترحم السوريون على زمن الخدمات الخليوية لـ رامي مخلوف، وجوهرته الخاصة “سيريتل”، التي كان قد أسسها عام 2001 برأسمال قيمته نحو 67 مليون دولار.
لكن رغم ذلك، فخدمات “وفا تيليكوم”، ستبصر النور قريباً. فهي شراكة لا يمكن فك عراها، حتى لو كان طرفاها غير راضيين تماماً عن تفاصيلها، وأحدهما يتمنّع، فيما الآخر يضغط. ويبقى السؤال، أي خدمة سيحصل عليها السوريون، من شراكة لا رأس مالٍ لها، سوى، تعميدُها بدمائهم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت